بارقة : كذبة إبريل


إن الحضارة الغربية ذات الأصول الاغريقية اللاتينية أفرزت وتفرز الغرائب والعجائب والمتناقضات في مجالات الدين والعادات والأعراف والسياسة والاقتصاد ويكفي أن هذه الحضارة صنعت دينَها من أصول وثنية وتعاليم كتابية فأخرجت لنا “الثالوث المقدس” و”البابا” والنظام الكهنوتي والاعتراف، وصكوك الغفران.. ومن آخر ما أفرزته زواجُ الرجل بالرجل، والمرأةِ بالمرأة.. ومما أفرزته أيضا التفرقةُ العنصريةُ القائمةُ على الدين أو الجنس أو اللون.. ومن ذلك “بابا نويل” الذي يكون فيه للكذب مكانةٌٌ “مقدسةٌ” إذ يجعلون الأطفالَ والسُّذَجَ يعتقدون أنّ “بابا نويل” هو الذي جاء لهم بالهدايا والعَطايا، ومن ذلك أيضا “كذبة إبريل” التي لا يرون فيها حَرَجاً ولا إثما وقد تجَلّت كذبةُ إبريل هذه السنة على المسلمين في قيام مُفَوضَية الأمم المتحدة لحقوق الانسان ماري رُوبنْسون بزيارة للشيشان وانتقادها لروسيا لانتهاكها حقوقَ الانسان في الشيشان، وسوف نرى ونسمع قريبا أن الأمر لا يَعْدُوا أن يكون كذبة إبريل مثل كذبة مارس وجميع الشهور السابقة واللاحقة، ومثلها كذبات العالم الغربي إزاء حقوق الإنسان في البوسنة والهرسك وكوسوفو وكشمير وفلسطين، إلا أن الموضوعيةَ توجب علينا أن نقر للعالم المتحضر بوقوفه الحازم مع حقوق الإنسان في تيمور الشرقية، حيث تجنَّدت الأمم المتحدة وأمينُها العام كوفي عنان ومجلس أمنها والحلف الأطلسي والوحدة الأوربية، واتحاد الكنائس وجميع وسائل الإعلام، بما فيها العربية التي لم تقصر في الترويج لمشروع فصل تيمور الشرقية ومساندة استقلالها بالقول والصورة، وحتى العواطف الجياشة المتعاطفة مع الصليب التيموري..

لقد تفضل الأمين العام بقوله في جنيف يوم الثلاثاء 2000/4/4 خلال جلسة لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة “إن حقوق الإنسان لا تعرف حدوداً.. فالقانون الدولي يؤكد أنه عندما تُسجَّلُ انتهاكات لهذه الحقوق يحق للأسرة الدولية بل من واجبها التدخلُ وإغاثة ضحايا انتهاكات حقوق الانسان”. بَخْ بَخْ (كلمة تُقال عند الإعجاب والفخر والمدح والرضا).

ولا يسعنا هنا إلا أن نُصَفِّق للسيد كوفي عنان، كما صفقنا لسلفه بطرس بطرس غالي في مواقفه التاريخية المشهودة المتجاوبة مع التصريحات الصليبية الكاثولكية الاشتراكية لفرانسوى ميتران، وكما أُعْجِبنا بالوزير الألماني ووفده من الوحدة الأوربية الذي زار روسيا والشيشان، وشجب انتهاكات حقوق الإنسان في الشيشان، كما أدان الضحايا أيضاً الذين كان ذنبهم الدفاع عن بلادهم. ومع احترامنا للسيدة ماري روبنسون وتقديرنا لما تجشمته من مشاق وإعجابنا ببسماتها وهي تصافح إيفانوف وغيره من المنتهكين لحقوق الإنسان، فإنها لا تستطيع أن تقدم للشيشان سوى كلام تمحوه كذبةُ إبريل التي هي في شرعهم هناك مباحةٌ، بل لها يومها المعترف به في حضارتهم. وللضحايا والثكالى والأيامى واليتامى والعجائز والأطفال ولگروزني وأخواتها القنابِلُ العنقوديةُ والانشطاريةُ والنَّابَالَمْ والقنابلُ التفريغية والأسلحة الكيماوية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل.. والبركة في كذبة إبريل التي عودتنا ألاّ نثق بما يُقال في إبريل، وأن نَعْتَبِر أن مواقف روبنسون وغيرها كلها مُظلّلة بفاتح إبريل، فلا مواخذة.

إذن موعدنا مع فجائع أخرى للأمة الاسلامية ومواقف مماثلة في فاتح أبريل عام 2001 فإلى كذبة إبريل المقبل إذن!!!

د. عبد السلام الهراس

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>