هيكلة التعليم الأصيل في مشروع الميثاق


إن الكلام في الموضوع الذي اقترحه علي الإخوة المنظمون لهذا اليوم المشهود أن أتكلم فيه وهو : هيكلة التعليم الأصيل في مشروع الميثاق الوطني للتربية والتكوين، أعتبر أنه يكتسي مصاعب كثيرة تتمثل في المنظور الجديد الذي جاء به المشروع قصد إصلاح تعليمنا، وفي التشعب الذي يطبع تسمية الأول والثاني، بالنسبة للمبادئ الأساسية، والغايات الكبرى ومجالات التجديد، ودعامات التغيير وفي الغموض والاضطراب الذي يطبع الدعامة أو المادة : 88 التي خصصت للتعليم الأصيل في الميثاق على الخصوص.

وإن مرد ذلك راجع إلى ما يسجل على هذا المشروع من ملاحظات من طرف الذين قرأوه، أو كلفوا بالعمل في جانب من جوانبه، ترجع في مجملها إلى ما يلي :

- كون المشروع جاء بمقترحات ومصطلحات جديدة في الغايات والمجالات التي سطرها.

- كونه يطبعه الغموض في كثير من الطروحات، ولاسيما إذا ما قرأناه برسالة المغفور له بكرم الله مولانا الحسن الثاني التي وجهها لمستشاره رئيس اللجنة السيد بلفقيه، والتي تضبط مواصفات الأفراد فيها وخطة عملهم، والغايات الكبرى للاصلاح، والتي منها :

ü ترسيخ مبادئ ديننا الاسلامي التي تتمثل في الأخذ بما جاء به القرآن الكريم والسنة المطهرة من فقه : في مجالات العقائد، والعبادات والمعاملات، والأخلاق والسلوك.

- كونه انصب أكثر على الجانب المادي والتقني بينما لم يحظ منه الجانب العلمي والتربوي إلا بعمومات غامضة يمكن أن تفسر بالشيء وضده في كثير من الأحيان، مما يترتب عليه التباين في وجهات النظر، والمواقف.

- كون ما طرحه السيدان الممثلان للعلماء من آراء وأفكار وهما : الأستاذان الجليلان : الحسين وجاج، وعباس الجراري ربما لم تفهم كما يجب، أو لم تترجم بالشكل المطلوب في صياغة المشروع عموما، وفيما يهم التعليم الأصيل خصوصا، وكذا غيابهما عن بعض الجلسات، وعدم التنسيق فيما بينهما نتيجة لأنواع من الإكراهات قد يعذران معها.

- ربما أن المشروع مازال مطروحا للنقاش حوله ليقنن بالبرلمان، ويفعل على الساحة، فإني أعتقد أن السادة العلماء مازال في جعبتهم ما يقولون، وأتوقع أن كلمتهم ستحترم ولاسيما من طرف رئيس اللجنة : الأستاذ بلفقيه المحترم بل ومن طرف أمير المؤمنين -أعز الله أمره كما كان الشأن في أسلافه الكرام.-

وفي مقدمة ملاحظات العلماء على تعليمنا ومنذ الاستقلال إلى الآن أن طابعه علماني بدليل عطاءاته في أنواع السلوك المنحرف التي تتفشى في الأمة يوما بعد يوم.

وهو خلل يجب أن نتدارك الأمر فيه وبسرعة حتى لا نذوب في الأقوياء، وتتحلل الأمة، وتبتلعنا تيارات العولمة المادية الجارفة ومن هنا تأتي قيمة التعليم الأصيل وأهميته، لأنه يجمع بين خاصيتين تميزه عن غيره من أنواع التعليم، وهما :

- الحفاظ على الثوابت في المجال الديني الاسلامي، والتفتح على العلوم واللغات في توازن واعتدال لكنه في حاجة إلى دعم تربوي ومادي فعال حتى يعطي بسخاء كما فعل عبر تاريخ أمتنا.

- ونحن إذا تأملنا في تموقع التعليم الأصيل خلال مجالات الميثاق يمكن أن نقول بأن تموقعه كان إيجابيا باعتبار، وسلبيا باعتبار آخر على وجه الاجمال:

ü إيجابيا من حيث التنصيص عليه باسمه كما ورد في الدعامة الأولى أثناء المادة 24 مثلا، وفي الدعامة الرابعة في المادة 88 بكاملها وفي مسألة الجسور بينه وبين التعليم العصري في الثانوي بالسلك التأهيلي على مستوى السنة الثالثة وفي العالي، وإن كان ينبغي أن تشمل كذلك السنتين قبلها والسلك الاعدادي، والابتدائي في الهيكلة الجديدة لنظام التربية والتكوين ص 30 من الميثاق.

ü وسلبياً حين يُغفَلُ كما حصل في المادة 71 حيث تقول : يتوخى التعليم الثانوي (الثانوي العام، والتقني، والمهني) وكأن التعليم الأصيل ليس عاما، ولا حظ له في التعليم التقني والمهني، والحال أنه يعاني من قلة الروافد، ليس لقلتها، أو عدم رغبتها في متابعة الدراسة به، ولكن لعدم العناية بها العناية المطلوبة، ومع العلم بأنه يطالب بأن يدعم بشعب ومنها : شعبة اللغات، حتى يتفاعل مع محيطه بإيجابية كما كان  حاله دائما، وبروح سامية.

- أما عن هيكلة التعليم الأصيل في المجال الثاني الدعامة الرابعة تحت عنوان : التعليم الأصيل في المادة المشار إليها برقم 88 فإننا نلاحظ فيما تضمنته حتى في جانب الايجابيات اضطرابا واضحا ومرده على ما أظن إلى عدم فهم عناصر مدرستنا الاسلامية؛ وإغفالا لجوانب، وقع التنصيص عليها في التعليم الآخر بنفس المجال، والدعامة بالنسبة للتعليم الأولي والابتدائي، والإعدادي، والثانوي، والعالي، وكلها تهم التعليم الأصيل، إذ ما يجري على المثل يجري على المماثل كما يقال.

ونلاحظ ثالثا خلطا فيما نعرف أن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تقوم به من تكوين القيمين الدينيين، ودون أن يكون هناك تنسيق بينها وبين وزارة التربية الوطنية.

ونلاحظ أخيرا في النقطة الرابعة من المادة 88، والتي تقول : “تمد جسور بين الجامعات المغربية ومؤسسات التعليم العالي الأصيل وشعب التعليم الجامعي ذات الصلة على أساس التنسيق والشراكة والتعاون بين تلك المؤسسات والجامعات” أقول : نلاحظ أن  جامعة القرويين بكلياتها الثلاث في الشريعة وأصول الدين واللغة العربية صلى الله عليه وسلمودار الحديث الحسنيةرضي الله عنه والتي هي أم الجامعات المغربية إن لم تكن أم جامعات الدنيا تصبح مؤسسات، كما أن المدارس الابتدائية والاعدادية ومآوي الأطفال مؤسسات!.

حقيقة الأمر -مهما حاولنا أن نجد له مسوغا- يبقى مثيرا للأسئلة والاستغراب، وهو ماحدا بالسادة العلماء إلى أن يرفعوا تعديلا في شأن النقاط :

الأولى والثانية والرابعة من نفس المادة : إلى رئيس اللجنة الأستاذ عبد العزيز مزيان بلفقيه علّه يتدارك الموقف.

على أن ذلك التعديل في نظري يحتاج إلى التمعن فيه من جديد لأنه حرر في ظروف ربما غير مناسبة.

- ويبقى أن المهم من هذا كله هو أنه كيف يُفعّل ما بتلك النقاط من إيجابيات على الساحة التربوية والوطنية؟ ومتى تحدث تلك المدارس النظامية للتعليم الأصيل في كل أطواره، وكيف ومتى تتم العناية بالكتاتيب والمدارس القرآنية، والمدارس العلمية العتيقة، مع تطويرها وإيجاد الجسور بينها، وبين مؤسسات التعليم الأصيل أولا، وبينها وبين باقي المؤسسات؟.

وأنه يجب التنصيص على أن التعليم الأصيل يعد مشمولا بالمواد المذكورة في الدعامة الرابعة من 60 إلى 87 على أن تتم بلورتها وإرساؤها تبعا لما تنص عليه المادة 154 وما بعدها إلى 157 من الدعامة السادسة من نفس الميثاق.

وأنه يجب أن تكون مكانته واضحة في كل الدعامات والمواد الواردة في الميثاق بحسب ما تقتضيه أحواله.. وخصوصياته، وإلا فإنه سيبقى مهمشا، ومحروما من حقوقه، ويُنفَّر عنه الراغبون في التعلم بمؤسساته، ثم يلقى عليه بالتهم زورا إلى درجة أنه يصدق فيه المثال القائل : “ألقاه في اليم مكتوفا، وقال إياك إياك أن تبتل بالماء”.

سادتي وزملائي، هذه ملاحظات شخصية ليس الغرض منها النّقص من قيمة عمل اللجنة الوطنية ولا الغمز ولا اللمز بالنسبة لأي شخص أو جماعة أبدا، ولعل السادة العلماء إذا ما قرؤوا الميثاق جماعة، وناقشوه المناقشة التي يستحقها يتبين لهم ملاحظات أخرى، وقد تكون ذات أهمية وخطورة.

وأخص في هذه الخاتمة بالاشارة ما يطبع المبادئ الأساسية التي يتضمنها القسم الأول من غموض يحتاج إلى بيان أكثر، لأن القسم الثاني إنما هو محاولة لتفعيله : القسم الأول، حتى لا يكون هناك خلل أو إقصاء، عند أجرأة الميثاق على الساحة التربوية الوطنية لصالح الاسلام والمسلمين تحت لواء أمير المومنين مولانا محمد السادس حفظه الله وسدد خطاه، وشد أزره بأسرته الصغيرة والكبيرة، والله من وراء القصد والهادي إلى سواء السبيل، والسلام عليكم ورحمة الله.

ذ. محمد الرزكي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>