معركة وبطل – سلمة بن الأكوع: البطل الذي هزم المغيرين وحده 1


اسم البطل ونسبه :

هو سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي

1-  ظهوره على مسرح الأحداث :

أول ظهوره عل مسرح الأحداث فاعلا ومؤثرا فيها كان في غزوة “الحديبية” حيث يروي هو بنفسه ما وقع له فيها، فيقول : قدمنا مع رسول الله(ص) ونحن أربع عشرة مائة، وعلى بئرها ـ بئر المكان الذي نزلوا به ـ خمسون شاة لا ترويها ـ لقلة مائها طبعا ـ فقعد رسول الله على جانب البئر، فدعا الله عز وجل وبسق فيها، فجاشت البئر، فسقينا واستقينا.

ثم إن رسول الله(ص) دعانا للبيعة في أصل الشجرة، فبايعته أول الناس، ثم بايع وبايع، حتى إذا كان في وسط الناس قال لي : “بايع يا سلمة” قلت قد بايعتك يا رسول الله في أول الناس، قال : “وأيضا”.

قال سلمة : ورآني رسول الله(ص) عزلا ـ ليس معي سلاح ـ فأعطاني حجفة أو درقة ـ ما يشبه الترس المستعمل في الحرب ـ ثم بايع حتى إذا كان في آخر الناس، قال : “ألا تبايعني يا سلمة”؟ قلت : قد بايعتك في أول الناس، وأوسط الناس، قال : “وأيضا” فبايعته الثالثة.

هذه المبايعة المتكررة أو ل حدث تاريخي في مسار حياة بطلنا، فلم يكن الرسول يطلب تكرار البيعة عبثا، ولكن ذلك ربما كان للفت الأنظار إلى الموهبة والإخلاص اللذين يتحلى بهما بطلنا، وربما كان أيضا لإشعاره بالمكانة العالية التي يحتلها في قلب الرسول العظيم الكريم الرحيم على صغر سنه وحداثة عهده بالإسلام.

2-  بدء ظهور البطولة :

عندما بايع البيعة الثالثة، قال له الرسول (ص) : اين جحفتك أو درقتك التي أعطيتك؟ قلت يا رسول الله لقيني عمي عامر عزلا فأعطيته إياها، فضحك رسول الله(ص) وقال : “إنك كالذي قال الأول : اللهم ابغني حبيا هو أحب إلي من نفسي”.

قال سلمة : ثم إن المشركين راسلونا الصلح، حتى مشى بعضنا في بعض، واصطلحنا قال : وكنت تبيعا لطلحة بن عبيد الله، أسقي فرسه، وأحسه ـ أزيل الغبار عن ظهره بالمحسةـ وأخدمه، وأكل من طعامه ـ فهو أجير بشبع البطن ـ  وتركت أهلي ومالي مهاجرا إلى الله ورسوله، قال : فلما اصطلحنا نحن وأهل مكة، واختلط بعضنا ببعض، أتيت شجرة فكسحت شوكها فاضطجعت في أصلها، فأتاني أربعة من المشركين من أهل مكة، فجعلوا يقعون في رسول الله(ص)، فأبغضتهم، فتحولت إلى شجرة أخرى، وعلقوا سلاحهم، واضطجعوا، فبينما هم كذلك، إذ نادى مناد من أسف الوادي : يا للمهاجرين!! قتل ابن زنيم ـ صحابي كان في مهمة استطلاعية للرسول ـ قال : فاخترطت سيفي، ثم شددت على أولئك الأربعة، وهم رقود، فأخذت سلاحهم، فجعلته ضعثا في يدي ـ جعله حزمة في يده ـ ثم قلت : والذي كرم وجه محمد، لا يرفع أحد منكم رأسه إلا ضربت الذي في عيناه، ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول  الله، وجاء عمي عامر برجل من العبلات ـقبيلة أو عشيرة ـ يقال له مكرز، يقوده على فرس مجفف ـ عليه تجفاف يقيه السلاح ـ في سبعين من المشركين، فنظر إليهم الرسول(ص) وقال : “دعوهم يكن لهم بدء الفجور وثناه” ـ أي أول الفجور وآخره ـ فعفا عنهم، وأنزل الله عز وجل {وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم}(سورة الفتح).

قال : ثم خرجنا راجعين إلى المدينة فنزلنا منزلا، بيننا وبين بني لحيان جبل، وهم ما زالوا مشركين يخشى بأسهم، فاستغفر رسول الله(ص) لمن رقي هذا الجبل الليلة، كأنه طليعة للرسول وأصحابه، فرقيت تلك الليلة مرتين أو ثلاثا.

ثم قدمنا المدينة، فبعث رسول الله (ص) بظهره مع رباح غلام رسول الله وأنا معه، وخرجت معه بفرس طلحة أنديه مع الظهر ـ أسقيه وأركضه حتى يعرق ويذهب رحله وشحمه ـ

3-  ابتداء الغزوة وسببها :

الغزوة تسمى غزوة “ذات قرد” بالنظر إلى المكان الذي وصل إليه الرسول(ص) واستقر فيه بأصحابه مستريحا بعد طول المطاردة، وهو اسم لمكان فيه بئر يسقون منه ويستريحون فيه. وتسمى أيضا بغزوة “الغابة” بالنظر إلى المكان الذي وقع عليه الهجوم، وهو الغابة، مكان سرح المسلمين من إبل وغيرها، فهي مرعى ظهور النبي والمسلمين.

أما سبب الغزوة فهو هجوم الفزاري عل إبل المسلمين بعد الرجوع من صلح الحديبية.

4- سلمة بن الأكوع يطارد المغيرين وحده :

قال سلمة : فلما أصبحنا إذا عبد الرحمان الفزاري قد أغار على سرح رسول الله وظهره، فاستاقه أجمع، وقتل راعيه، وأخذوا امرأته ـ وكان الراعي رجلا من غفار ـ فقلت : يا رباح، خذ هذا الفرس،فأبلغه طلحة بن عبيد الله، وأخبر رسول الله أن المشركين قد أغاروا على سرحه، قال : ثم قمت على  أكمة فاستقبلت المدينة، فناديت ثلاثا : يا صباحاه ثم خرجت في آثار القوم أرميهم بالنبل وارتجز :

أنا ابن الأكوع         واليوم يوم الرضع   ـ يوم اللئام ـ.

فوالله ما زلت أرميهم، وأعقر بهم ـ أرمي خيلهم لتعطيلهم عن مواصلة السير ـ فإذا رجع إلي فارس، أتيت شجرة فجلست في أصلها، ثم رميته فعقرت به، حتى إذا تضايق الجبل، فدخلوا في تضايقه، علوت الجبل، فجعلت أرديهم بالحجارة ـ يسقطهم عن ظهور الخيل بالحجارة ـ، فما زلتُ كذلك أتبعهم حتى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله إلا خلفته وراء ظهري، وخلوا بيني وبينه، ثم اتبعتهم أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة، وثلاثين رمحا يستخفون ـ يتخففون ـ ولا يطرحون شيئا ألا جعلت عليه آراما من الحجارة ـ علامات ـ يعرفها رسول الله(ص) وأصحابه، حتى أتوا متضايقا من ثنية فإذا هم قد أتاهم فلان الفزاري ـ واحد من قبيلتهم ـ فجعلوا يتضحون ـ يتغدون ـ وجلست على رأس قرن ـ جبل صغيرـ ، فقال لهم الفزاري الذي جاء : ما هذا الذي أرى؟ قالوا: لقينا من هذا البرح والله ـ العنت والمشقة ـ ما فارقنا منذ غلس يرمينا حتى انتزع كل شيء في أيدينا. قال لهم : فليقم إليه نفر منكم، أربعة فصعد إلي منهم أربعة في الجبل. فلما أمكنوني من الكلام، قلت : هل تعرفوني؟ قالوا : لا. ومن أنت؟ قلت : سلمة بن الأكوع، والذي كرم وجه محمد، لا أطلب رجلا منكم إلا أدركته، ولا يطلبني رجل منكم فيدركني، قال احدهم : أنا أظن ـ أي  ما قاله صحيح ـ فرجعوا.

فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله(ص) يتخللون الشجر، فإذا أولهم : الأخرم الأسدي، على إثره أبو قتادة الأنصاري، وعلى إثره المقداد بن الأسود الكندي، فأخذت بعنان الأخرم، قال : فولوا مدبرين. قلت : يا أخرم : احذرهم، لا يقتطعوك، حتى يلحق رسول الله وأصحابه. قال الأخرم : يا سلمة إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، وتعلم أن الجنة حق، والنار حق، فلا تحل بيني وبين الشهادة. قال : فخليته، فالتقى هو وعبد الرحمان الفزاري، فعقر لعبد الرمان فرسه/، ولحق أبو قتادة فارس رسول الله(ص) بعبد الرحمان فطعنه وقتله. فوالذي كرم وجه محمد لتبعتهم أعدو على رجلي، حتى ما أرى م ورائي من أصحاب محمد ولا غبارهم شيئا، حتى يعدلوا قبل غروب الشمس إلى شعب فيه ماء، يقال له “ذا قرد” ليشربوا منه وهم عطاش، فنظروا إلى أعدوا وراءهم فحليتهم عنه ـ أجليتهم عنه ـ فما ذاقوا منه قطرة، ويخرجون، فيشتدون في ثنية، فأعدو فألحق رجلا منهم، فأصكه بسهم في نغص كتفه، وأقول : خذها أنا بن الأكوع، فيقول : يا ثكلته أمه! أكوعه بكرة!! أقول : نعم، ياعدو نفسه، أكوعك بكرة ـ أي أنت الذي طاردتنا منذ الصباح إلى الآن ـ قال : وأردوا فرسين فجئت أسوقهما إلى رسول الله (ص) وهو على الماء الذي حلاتهم عنه، فإذا رسول الله قد أخذ تلك الإبل، وكل شيء استنقذته من المشركين، وكل رمح وبردة. إذا بلال نحر ناقة من الإبل الذي استنقدت من القوم، إذا هو يشوي لرسول الله من كبدها وسنامها. قلت : يا رسول الله، خلني فأنتخب من القوم مائة رجل، فأتبع القوم، فلا يبقى منهم مخبر إلا قتلته. قال : فضحك رسول الله(ص) حتى بدت نواجذه في ضوء النار. وقال : “يا سلمة، أتراك كنت فاعلا؟؟” قلت نعم، والذي أكرمك، فقال : “إنهم الآن ليقرون في أرض غطفان” قال : فجاء رجل من غطفان، فقال : نحر لهم فلان جزورا، فلما كشفوا جلدهاـ سلخوها ـ رأوا غبارا، فقالوا : أتاكم القوم، فخرجوا هاربين ـ من شدة الخوف ـ.

فلما أصبحنا قال (ص) : “كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة” ثم أعطاني رسول الله سهمين : سهم الفارس، وسهم الراجل. فجمعهما لي جميعا، ثم أردفني رسول الله(ص) وراءه على العضباء، راجعين إلى المدينة.

5-  الفوز بالسباق :

فبينما نحن نسير، قال ـ وكان رجل من الأنصار لا يسبق شدا ـ فجعل يقول : ألا مسابق إلى المدينة؟! هل من مسابق؟! فجعل يعيد ذلك قال : فلما سمعت كلامه، قلت : أما تكرم كريما، ولا تهاب شريفا؟؟ قال : لا. إلا أن يكون رسول الله(ص)، قال : قلت يا رسول الله، بأبي وأمي، ذرني : فلأسابق الرجل، قال : “إن شئت”، قلت له : اذهب إليك، وثنيت رجلي، ثم عدوت في إثره، فربطت عليه شرفا أ شرفين، ثم رفعت ـ انطلق مسرعا ـ حتى ألحقه. وعندما أدركته، صككته بين كتفيه، وقلت : قد سبقت والله، قال : معترفا ـ أظن، فسبقته إلى المدينة.

مما يستفاد من هذه الغزوة :

لسلمة بن الأكوع رضي الله عنه مواقف إيمانية عظيمة كغيره من الصحابة، إلا أننا نريد أن نأخذ بعض العبر من هذه الغزوة التي برز فيها بطلها بروزا واضحا بمواقفه الإيمانية الرائعة، ومن هذه العبر :

1-    تكرار بيعة سلمة للرسول(ص) في الحديبية كانت ذات أثر في نفسية الصحابي البطل المقبل على الدين بإخلاص، ولذلك ذكرها على أنها تكريم من الرسول له، فيستحسن الاقتداء بالرسول في تكريم المخلصين وذوي المذاهب بتخصيصهم بامتيازات معنوية تحفزهم على العمل والابتكار.

2-   جاء في ذكره لتصرفات بعض المشركين بعد الصلح أنه أبغضهم لطعنهم في الرسول(ص)، وكذلك ينبغي أن يكون المسلم  مواليا لله عز وجل والرسول ولا يقبل النيل منهما بحال من الأحوال، كما كان تصرفه صحيحا مطابقا لقوله تعالى : {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره}(سورة النساء)، فإذا لم يعتزل هؤلاء الطاعنين على الإسلام والمسلمين كان مثلهم {ومن يتولهم منكم فإنه منهم}(سورة المائدة).

3-   عفو الرسول(ص) عن المشركين الذين حاولوا خرق المعاهدة يدل على أن الإسلام دين التسامح والسلام والوفاء بالعهود مهما كانت السفاهات، وليس دين الحقد والانتقام والإسراع بالسفك للدماء، لأن الإسلام رسالة الإحياء والبناء، وليس رسالة الهدم والتشفي.

4-   كان بإمكان سلمة رضي الله عنه أن يرجع بعد أن استنفذ كل الإبل التي أخذوها، وخلوا بينه وبينها، إذ ذلك وحده يعتبر انتصارا، ولكن البطل أراد أن يلقنهم درسا في البطولة الإسلامية والفدائية الإيمانية التي لا توجد بأخلاقها إلا في الإسلام، أظهر لهم قوة المسلمين في شخص رجل واحد، فما بالك لو كانوا أكثر، ولذلك تابعهم منكلا بهم حتى بدأوا يتخففون من ثيابهم ورماحهم، إن أمثلا هذه البطولات يمكن أن تحيا لو وجدت من يشجعها من الدول الإسلامي لنفض غبار التبعية والتخلف والجهل، فللبطولة أنواع وميادين وأوجه بحسب ظروف الزمان والمكان، ولكن الهرولة وراء أعداء الإسلام والمسلمين قزمت دور الدول الإسلامية وحجمت رسالتها.

5-  موقف الاخر الأسدي الذي رفض التحذير من العدو لا يدل على التهور، ولكن يدل على صدق الإيمان وتجرده من كل المطامع وهو كان موقف كل المسلمين في عهد الرسالة، حيث كانت الشهادة أعز أمنياتهم، ولذلك لم يكونوا غثاء يحبون الدنيا ويكرهون الموت، وبتلك الهمة استحقوا النصر والخلود.

6-   شجيع الرسول(ص) لأصحاب المبادرات والمواهب لم يكن تشجيعا معنويا فقط، ولكنه كان تشجيعا ماديا ومعنويا، ويظهر هذا في إرداف الرسول(ص9 لسلمة خلفه أثناء الرجوع، وفي فرض سهمين له، سهم الفارس وسهم الراحل، لأنه قام بالدورين معا. هكذا كانت القيادة النبوية تشجع النبغاء المبرزين وقيادة الدول الإسلامية اليوم تتسابق إلى إقبار النبغاء في ميادين العلم والاختراع والاقتصاد و…و تضطرهم إلى الهجرة للارتزاق و الاستجداء، أما الموهوبون في الدعوة فهم محاطون بالرقابة، مغمورون بالتثبيط والتيئيس والإحباط إرضاء للشيطان وأوليائه.

للاطلاع والتوسع :

أنظر الأساس في السنة وفقههاـ السيرة النبوية ـ لسعيد حوى رحمه الله تعالى. وانظر السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة ل د. أبو شهبة.

وانظر صحيح السيرة للأستاذ : ابراهيم العلى.

وانظر موسوعة : عظماء حول الرسول.

ذ. المفضل فلواتي


اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>

One thought on “معركة وبطل – سلمة بن الأكوع: البطل الذي هزم المغيرين وحده