مع سيرة رسول الله – المواجهة بإيذاء الأتباع


إن ألوان الإيذاء وما تقدم الحديث عنه من فنون الحرب النفسية التي اصطنعها المجتمع الجاهلي ضد صاحب الدعوة(ص) كانت تمسه (ص) شخصيا وبطريقة مباشرة، لكن هناك لون آخر، اتخذته تلك الحرب النفسية، يمسه(ص) بطريقة غير مباشرة، إنه : تعذيب أصحابه وأتباعه الذين استجابوا له وآمنوا به، لصدهم وصرفهم عنه(ص)، واستفزازه وإزعاجه وإقلاقه بذلك.

وقد سجلت السيرة النبوية صورا ومشاهد من هذا التعذيب الذي أذاقوه طائفة من المومنين على اختلاف مستوياتهم : فيهم الرجال والنساء، والشيوخ والكهول والشباب، والاشراف والمستضعفون، والأحرار والعبيد…

وقد كان لتعذيبهم إياهم  ألوان وفنون كثيرة منها على سبيل التمثيل :

1-  الضرب المبرح بالسياط إلى ان يمل الضارب.

2-  التجويع والحرمان من الماء.

3-  التعذيب بحر الشمس مع الإمعان في إدخال الحر إلى الجسم، كوضع الشخص في درع من حديد ثم طرحه في الرمضاء(1). أو تجريده من اللباس ثم إلصاقه بالصخور في لهيب الشمس أو وضع صخرة على المواطن الحساسة في جسمه، أو غير ذلك مما هو أشد ألما!..

4-  التعذيب بالكي والنار

5-  الخنق بدخان النار.

6-  الضرب بالحجارة إلى أن تدمى مواطن الضرب!

7-  التغريق في الماء لمدة.

8- التعذيب المعنوي بالسب اللاذع، والنيل من رسول الله(ص) بأبشع صورة وأشنعها إلى حد إحداث انفعال شديد وتوتر بالغ في المعذب.

وهناك ألوان أخرى غير ذلك يضيق عن تعدادها المقام. ومن نماذج المعذبين على سبيل التمثيل أيضا :

1-  بلال الحبشي: كان مولاه أمية بن خلف الجمحي يضع في عنقه حبلا ثم يسلمه إلى الصبيان يطوفون به في جبال مكة حتى إن الحبل ليؤثر في عنقه. وكان أمية أحيانا يشده شدا ثم يضربه بالعصا. وكان أحيانا يجفيه. وكان يخرج به إذا حميت الشمس فيطرحه في بطحاء مكة ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ثم يقول : والله ما تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى، فيجيبهم بقوله : أحد أحد. ثم إن أبا بكر الصديق مر به يوما وهم يعذبونه هكذا، فاشتراه من أمية، ثم أعتقه ضمن من أعتقهم من العبيد والإماء الذين آمنوا.

2- عمار بن ياسر، وأبوه ياسر، وأمه سمية: كلهم كانوا قد أسلموا، فكان المشركون يخرجونهم إلى الأبطح (مكان بمكة) إذا حميت الشمس، فيعذبوهم بحرها، ويذيقونهم فيها الجوع والعطش، ويضربونهم الضرب الموجع.  وقد مر بهم النبي(ص) ذات يوم وهم يعذبون فقال : صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة. واستمروا كذلك حتى مات ياسر من شدة العذاب، وطعن أبو جهل سمية في قبلها فماتت من ذلك، وكانت أول امرأة استشهدت في سبيل الله. ثم شددوا العذاب على عمار وقالوا : لا نتركك حتى تسب محمدا وتقول خيرا في اللات والعزى، فأجابهم إلى ذل مكرها، حتى إذا كفوا عنه جاء إلى النبي(ص) باكيا معتذرا، فمل يؤاخذه بذل، بل أذن له أن يعود إليه إن عادوا إلى إكراهه عليه، وفي ذلك نزل قوله تعالى : {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان}(النحل : 106)

3- عثمان بن عفان: كان عمه يلفه في حصير من أوراق النخل ثم يوقد النار من تحته فيختنق بالدخان.

4- مصعب بن عمير: كان أكثر فتيان مكة نعومة عيش، فلما أسلم كانت أمه تخرجه وتجيعه إلى ان تخشف جلده(2)

5- خباب بن الأرث: كان المشركون يأخذون بشعر رأسه فيجذبونه جذبا عنيفا، وكانوا يلوون عنقه ليا شديدا، وكانوا يضجعونه في الرمضاء ويضعون عليه مجرا حتى لا يستطيع أن يقوم.

وقد بلغ العذاب بخباب مبلغا شديدا حتى إنه أتى النبي(ص) فقال له : يا رسول الله ألا تدعو الله لنا؟ فقعد النبي(ص) وهو محمر الوجه فقال : لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب/ ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله.

د. محمد الروكي

———–

1-الرمضاء : الصحراء ذات الرمل الساخن بفعل حر الشمس

2- تخشف جلده : أي صار جلده يابسا

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>