إشراقات – مدرسة رمضان 1


رمضان مدرسة ربانية يتلقى فيها المسلمون دروس الحرية من سلطان الشهوات، والخروج من سجن الجسد، والانطلاق  مع أشواق الروح، والتغلب على صور الحيوانية في الحياة، ثم هو مدرسة لإعداد المؤمن الصابر المنتصر على الجوع والحرمان وشظف العيش، وبالتالي فهو يمد المسلم بقوة وعزيمة تتبث قدمه، وتربط قلبه، وتشحذ نفسه بقوة المقاومة. والإصرار أمام تحديات الحياة، وإليك أخي المسلم هذه الدروس من الكتاب والسنة.

1-           تربية الإرادة المتعلقة أمام الطيش : قال(ص) :”… فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم…”(متفق عليه)، وحتى الغرائز القوية في نفس الانسان فالصيام لها وجاء، قال(ص) : “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصيام فإنه له وجاء”(رواه البخاري).

2-           التربية على حفظ اللسان وصونه من الكلام في أعراض الناس والخوض في الباطل : جاء في الحديث “أن امرأتين صامتا على عهد رسول الله(ص) فأجهدهما الجوع والعطش في آخر النهار حتى كادتا  أن تتلفا فبعثا إلى رسول الله(ص) يستأذناه في الإفطار فأرسل إليهما قدحا وقال(ص) : قل لهما قيئا فيه ما أكلتما فقاءت إحداهما نصفه دما عبيطا ولحما غريضا، وقاءت الأخرى مثل ذلك حتى ملأتاه فعجب الناس من ذلك، فقال(ص) هاتان صامتا على ما أحل الله لهما وأفطرتا على ما حرم عليهما، قعدت إحداهما إلى الأخرى فجعلتا تغتابان الناس فهذا ما أكلتا من لحومهم” رواه الإمام أحمد.

3-            التربية على التكافل الاجتماعي : و الصيام يحرك وجدان الأغنياء للعطف والرحمة والبدل والعطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : “كان رسول الله(ص) أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه جبريل في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله(ص) حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة”(متفق عليه)، وقال(ص) : “من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء”(الترمذي وقال حسن صحيح).

4-           التربية على حفظ الأمانة : والصيام أمانة الله في أعناق خلق الله يذكر بالحفاظ على أمانة المخلوقين، قال(ص) : “إن الصوم أمانة فليحفظ أحدكم أمانته”(رواه الخرائطي بإسناد  حسن).

5-           التربية على الصبر والتحمل أمام مرارة العيش وشدته وخشونته : قال(ص) : “الصوم نصف الصبر” (رواه الترمذي وحسنه).

6-           التربية البدنية : فتكاليف الحياة لا يقوى عليها إلا الأصحاء الأقوياء، قال(ص) : “صوموا تصحوا”(رواه الطبراني بإسناد رواته ثقات، وقال(ص) : “ماملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم أكيلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه”(الترمذي وحسنه).

7-           التربية الروحية : والصيام يعطي إشراقة روحية للعبد تأهله لطرق أبواب سيده ومولاه فيستجاب له، قال(ص) : “ثلاثة لا ترد دعوتهم الصائم حتى يفطر والإمام العادل، ودعوة المظلوم…”(الترمذي وحسنه).

إذا ليس الغاية من الصيام هو تطويل الجوع والعطش وتعذيب الجسم، قال(ص) : “لا صام من صام الأبد”(بن ماجة)، بل نجد الشريعة تدعو للإسراع بالإفطار عند التأكد من غروب الشمس، قال(ص) : “لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر”(متفق عليه)

إذا فالغاية هي تطهير النفس وتزكيتها، قال(ص) : “من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه”(رواه البخاري)، فإن لم نحقق في سلوكنا وأخلاقنا هذه التربية الرمضانية فحينئذ ليس لنا من صيامنا سوى الجوع والعطش، قال(ص) : “كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش”(رواه ابن ماجة), صدق الله العظيم حيث يقول : {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}(البقرة : 183).

فتكوين الأتقياء هو الغاية من وراء الصيام، فمن صام بهذا الشكل خرج من ذنوبه وتأهل لمغفرة الله، قال(ص) : “من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه”(متفق عليه).

عبد الحميد صدوق


اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>

One thought on “إشراقات – مدرسة رمضان

  • زكية برواين

    جزاك الله خيرا على كل الجهود المبذولة
    حقا رمضان مدرسة التغيير ، وإعادة بناء الروح ، وتقوية مناعة الجسد بالصحة والعافية ….بارك الله فيكم .