مؤتمر الطموح أم انتفاضة المذبوح


وأخيراً نجح العرب في عقد مؤتمر القمة العربي بالقاهرة، وهذا يعتبر في حد ذاته مكسبا للآمال العربية، لأن العرب منذ حرب الخليج الثانية أصبحوا مُشْرذَمِين لا يربطهم رابط، ولا يجمهم جامع، فقد عرف أعداؤهم كيف يمزقونهم، ويغرسون بينهم إسفين الإحن والعداوات الثنائية والإقليمية، وكانت النتيجة خلال السنوات الخمس العجَاف أنْ عُقِدَ مؤتمر مدريد حيث فرضت فيه الحلول على العرب لمشاكِلِ أراضيهم المحتلة، بالطريقة التي تُرضي المستعمر للأرض، وتُكرس هَيْمَنمَتَهُ على مُقَدَّارت الشُّعوب وخيراتها وسيادتها، ولا أحَدَ يَسْتَطيع أن يَعْترض.

ثم كانت اتفاقية أُوسْلُوا التي كرست التَّهافُتَ والتساقط العَربي، ثم كان احتلال جَزِيرتي حَنش اليمَنّيتيْن، ولا أحد تكلَّم أو سانَدَ أو احْتجَّ بالصوت الجهير، ثم كان فرضُ الحصار على السُّودان بتحريض من بعض الدول العربية، أو بجرِّها الى التحريض والمساندة للحصار علي استحياء… إلى غير ذلك من الثمار المرَّة التي جناها العرب بسبب تَفَرُّقِّهم وتدابُرهِمْ وفقدان الثقة فيما بينهم ولهذا كان انعقاد المؤتمر مكسبا، لأنه جمع بينَ الإخوة الأعداء أولا ولأنه أعطى الانطباع بأن الأمة العربية لَمْ تُصَبْ بالشَّلَلِ الأكْبَر الذي يُفْقَدِها التحرك، ويُصنِّفها في خانة الأموات إنما السُّوال بَعْدَ هذا المؤتمر هو : ما هي الاسترايتجية التي سَيعْتَمِدُها العرب في المستقبل القريب والبعيد؟؟ الخصم يتحرَّك وَفق استرايتيجية وأهداف محدَّدَة واضحة مضبوطة، فهل رسم العرب لأنفسهم أهدافا يسيرون على ضوئها في صراعهم مَعَ خصمهم؟؟ لا أظنُّ ذلك لأن الاجتماع للظروف الطارئة تحكُمُهُ العواطفُ والتَّشَنُّجاتُ التي يغيب معها العقل والمنطق والتخطيط السليم ولهذا تجد المواطن العربي العادي والخبير على حد سواء، بقَدْر ما يَفْرح لمكسب الاجتماع، بقدر ما يخيبُ أمله في الجامعة العَربية التي أصبحت هَيْكَلاً بلا رُوحِ، بعد أن كانت هَيْكلاً تُشبِهُ على الأقل الشَّبَح المخيف فما هو السبب في الهبوط؟ السبب واضِحٌ هو أن الأمة العربية كانت شيئا نفيساً بالإسلام الذي أعزها الله به، ورفع شأنها بين العالمين، فعندما تخلت عن دينها وحاولت أن تجتمع على الجنس والعصبية تمزق شملها وأذلها الله تعالى لأنها لم تبق حاملة لرسالته. فإذا أراد العرب حقيقة أن يرجع لهم وزْنُهم واعتبارُهم فعليهم أن يحققوا نقطتين :

أ- أن يحققوا الصلح مع الله تعالى ويرجعوا رجعة صادقة لدينه، على مقاصده يجتمعون، وعلى مبادئه يتآخون ويتحدون ويجاهدون، وبأخلاقه يتعاملون

ب- أن يحققوا  الصلح مع شعوبهم ولا صلح حقيقي إلا باستعادة ثقة الشعوب في حكامها، وهذه الثقة طريقها الوحيد هو أن يكون للشعوب الكلمة الأولى والأخيرة في اختيار ولاة أمورها ومشاريعها عن طريق الشورى الإسلامية.

أما بغير تحقيق هاتين النقطتين فإن العرب سيبقون بدون مرجعية ومن فقد مرجعيته فقد وزنه وقيمته، وصدق الله العظيم إذْ يقول {وَلَقَدْ أنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُون}(سورة الأنبياء) فما مصير أمة  أنزل إليها الله تعالى قرآناً به تذكر تاريخا وحاضرا ومستقبلا، فتعْرِضُ عنه؟؟ هل تملك هذه الأمة العقل السليم إذا كانت لا تجعل كتابها المنزل مرجعيةً عُلْيَا لَهَا، وتتهافتُ على المرجعيات البشرية؟؟ نسأل الله السلامة والرشد لهذه الأمة ونأمل أن يكون المؤتمر مؤتمر تحقيق آمل الأمة وطموحاتها، وليس مُجَرَدَ انتفاضة المذبوح.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>