مسيحي يشارك الإخوان في تأسيس حزب الوسط


حوار مع د. رفيق حبيب
د. رفيق حبيب كاتب وباحث مصري متميز في العلوم الاجتماعية، حصل على الدكتوراه في الآداب قسم علم النفس جامعة عين شمس عام 1988، وهو ابن رئيس الطائفة الإنجيلية في مصر، له العديد من المؤلفات منها : من يبيع مصر؟، تاريخ الكنيسة المصرية، اغتيال جيل، الإحياء الديني، المسيحية السياسية في مصر، قصة الأصولية الصهيونية الأمريكية، والصراع على الشرق الأوسط الإسلامي. انضم د. حبيب كعضو مؤسس في “حزب الوسط” الذي تقدمت به مجموعة من شباب الإخوان المسلمين إلى لجنة الأحزاب في يناير الماضي، وأثار انضمانه فجيعة كبرى في أوساط العلمانيين، فيما وقف د. حبيب منافحاً عن برنامج الحزب ومؤكدا قناعاته بهذا الحزب الذي يطرح في برنامجه عددا من النقاط أهمها : أنه تعبير عن أمة الوسط وحضارة الوسط وهي الحضارة الإسلامية التي تعتبر لوناً حضاريا متميزاً، له كيانه المستقل وقدرته الذاتية على التجدد والبقاء، كما أنه تعبير عن وسطية الأساليب واعتدالها، وفي ذلك تعبير مباشر عن طبيعة هذه الأمة، فالوسط هنا يعني الاعتدال كمنهج حياة ومنهج عمل، ويعني بالتالي التمسك بالأساليب المشروعة. وحول برنامج الحزب وأسباب انضمام د. حبيب لحزب الوسط والملابسات التي دارت حول هذا الموضوع كان معه هذا الحوار.
- تردد عبر الصحف أن الكنيسة القبطية ترفض قيام أحزاب على أساس ديني… فما تعليقكم؟ وما رأيكم في التحليل القائل بأن رفض الكنيسة لذلك يرجع إلى كونها تمارس نشاطات أقوى من أي حزب، وبالتالي لا تحتاج إليه؟
* في البداية لابد من تعريف الحزب الديني، وأعتقد أنه هو الذي يضم المنتمين إلى دين واحد دون غيرهم، وبهذا المعنى أنا ضد تشكيل أي أحزاب دينية، وهذا هو موقف الكنيسة، والأمر يتعدى إلى أن معظم القوى الوطنية في مصر ترفض أن يكون هناك حزب سياسي لا يقبل إلا أبناء دين واحد دون غيرهم، فالكنيسة تعارض قيام حزب ديني بهذا المعنى، أما علاقة الكنيسة بأي حزب ديني فهو أمر غير مطروح، لأنها في النهاية مؤسسة دينية تعمل في مجال العبادة والطقوس، وهي ليست مؤسسة سياسية بأي معنى من المعاني.
والكنيسة مؤسسة قوية لها جذور ضاربة في الأرض والتاريخ، لكن المحك الأساسي أنها ليست صاحبة مشروع سياسي متكامل حتى تضعه في حزب، وأعتقد أنه إذا ساد بين الأقباط مشروع سياسي فإنه لن يكون بعيداً عن أعين المسلمين، ولن يكون غريباً عنهم، وبالتالي يمكن أن يؤسس الاثنان مشروعاً واحداً.
- أثير أن انضمامكم للحزب يمثل شخصكم فقط، ولا علاقة للطائفة الإنجيلية التي يرأسها والدكم بمشروع الحزب، فما حقيقة الأمر؟ وما تفسيركم للزوبعة التي أعقبت إعلان انضمامكم للحزب؟ وما الذي دعاكم للانضمام لهذا الحزب دون غيره؟
بالطبع انضمامي للحزب ليس له أية علاقة بتمثيل أية مؤسسة، بل هو قناعة شخصية واختيار شخصي، والذي دعاني لاتخاذ هذه الخطوة عدة قناعات أهمها : ضرورة مساندة كل تطوير يحدث على ساحة الحركة الإسلامية، خاصة أن الأخيرة منذ سنوات طويلة وهي تعبّر عن إفرازات حضارة ننتمي إليها جميعاً، وتم تنحيتها عن الحياة، وأعتقد أن هذه اللحظة فارقة تاريخية لسببين : الأول أن الفكر الحضاري الإسلامي تطور بشكل كبير، وأصبح من الملائم أن يجد فرصة واسعة للتطبيق على أرض الواقع، الأمر الثاني أن هناك حملة منظمة وشرسة جداً ضد كل البدائل الخارجة من إطار الحضارة العربية والإسلامية، إذن نحن أمام اختيار من الاثنين؛ إما أن نعمل عملاً سياسياً وفكرياً واجتماعياً شرعياً من أجل إنهاض الحضارة العربية الإسلامية لتعود حاكمة مرة أخرى، وإما نترك أنفسنا مهددين وضحايا لأحداث العنف ونصبح أمة مستسلمة، تنهار في النهاية وتباد حضارتها. – نشرت بعض الصحف أنه دار بينكم وبين والدكم حوار ساخن فور عودته من أمريكا حول انضمامكم لحزب الوسط، فهل يمكن أن نتعرف على الخطوط العريضة لهذا الحوار؟.
• الحوار تناول عدة جوانب : الأول رئيسي يجعل الحوار ساخناً، فعندما يكون هناك عمل مشترك مع أعضاء ناشطين من جماعة الإخوان المسلمين، فالذي يُفهم ضمناً أن هذا العمل يفتح الباب لمخاطر غير محسوبة، باعتبار أن هناك موقفاً حكومياً يسعى إلى استبعاد الحركة الإسلامية، وليس ذلك فحسب، بل يصل الأمر إلى حد التصفية عن طريق المحاكمات العسكرية، وبالتالي فالعمل المشترك مع قيادات من الإخوان المسلمين يعني أن هناك مخاطر قادمة، وهذا في حد ذاته يجعل الحوار ساخناً بين أب وابنه.
• البعد الآخر المهم في القضية الذي له علاقة بمشروع الحزب، أعتقد أنه سواء في حواري مع والدي أو مع قيادات كنسية أو مسيحيين آخرين، أحاول أن أوضح أن هناك مشروعاً حضاريا إسلامياً، وأن المسلم والمسيحي شركاء في صياغة مستقبل الأمة، وأن ما نتحدث عنه ليس هو المشاريع الإرهابية التي تحدثت عنها وسائل الإعلام، فللأسف الشديد الإعلام أقنع فئات كثيرة -وخاصة الأقباط- أن كل ما هو إسلامي فهو إرهابي وأتصور أن ما فعلته وسائل الإعلام هو عمل يؤدي إلى فتنة حقيقية داخل فئات الأمة، لأن وسائل الإعلام عندما تزرع الخوف داخل جماعة تنتمي إلى دين -وهم الأقباط- من أي نشاط يحمل مسمى دين الأغلبية -والذي هو مسمى حضارتنا- فهو عمل شديد الخطورة يخلق فتنة كبيرة في المجتمع. إذن.. الفتنة لا تصنعها جماعة عنف وإنما تصنعها أجهزة الإعلام الرسمية، وعلى أية حال أشعر ومجموعة المؤسسين وقوى المشروع الحضاري الإسلامي؛ أننا أمام تحد حقيقي، ودورنا أن نثبت للجميع أننا نتبنى مشروعاً حقيقياً من أجل الأمة كلها وليس موجهاً ضد أحد. – هل تجاهُل الحزب الوطني للأقباط هو الذي حدا بكم إلى المشاركة في حزب يضم عدداً من رموز الإخوان المسلمين، أم ماذا ترون؟ * تجاهل الحزب الوطني للأقباط لم يؤثر علي، لأنني لا أنتمي إليه ولا أحب أن أنتمي إليه، لأن قناعاتي مختلفة، والحقيقة أن هذا التجاهل فعل موجه، ولا أريد أن أقول إنه مقصود للضغط على جماعة بشكل يجعلها تشعر بأنها مضطهدة من حكومة تدعي أنها متسامحة، وفي الوقت نفسه تحارب المشاريع الإسلامية باعتبارها متعصبة.. ينبغي على الحكومة في المرحلة الحالية أن تراجع نفسها، لأنها في الواقع تزرع بين شطري الأمة فتنة طائفية، ثم تحاكم التيار الإسلامي باعتباره صانعها، والحقيقة أن معظم مشاكل الأقباط متعلقة بالدولة والحكومة وليس بالتيارات الإسلامية.
- ماذا عن رؤيتكم لبرنامج حزب الوسط؟ وهل اشتركتم في صياغته ووضع محاوره؟
* لم أشارك في صياغة البرنامج، ولكني قرأته واقتنعت به، لأنه يعبر عن قناعاتي، وأعتقد أن البرنامج استطاع في عجالة أن يؤسس مجموعة المبادئ المركزية والأساسية التي يمكن أن تتطور من خلال العمل بعد ذلك بشكل سريع، فقد ركز البرنامج بشكل متميز على أن الأمة منوط بها القيام بمعظم الأدوار الحياتية الهامة، وأن الدولة ليست هي المسؤولة عن كل شؤون الأمة، كما أن الأمة هي المكلفة بالرقابة على أداء الأجهزة والقيادات العامة، وبالتالي هي المكلفة بمحاربة الفساد وليست الحكومة. أضف إلى ذلك أن البرنامج نص على أن الأمة هي مصدر السلطات، وهذه رؤية حكيمة في رأيي، فعندما ننادي بمشروع حضاري إسلامي فإننا نفترض أن الأمة تؤيد هذا المشروع وتنتمي إليه، وبالتالي فإن شرعية عملنا تأتي من الأمة. وتعرض البرنامج بشكل جيد لموضوع الغزو الثقافي، ودور الدولة في المجال الاقتصادي، وأكد على أهمية السلام العادل الشامل دون أية تنازلات عن الحقوق الخاصة بالسيادة والأرض، واعترض الحزب على مسألة السوق الشرق أوسطية، ونادى بالسوق العربية الإسلامية.
- هل يعد البرنامج نوعاً من التطور في الفكر الإسلامي، خصوصاً هذا التواصل بين المفكرين الإسلاميين وبين الجانب الحركي الذي يمثله شباب الإخوان المسلمين؟
* أعتقد أن المبادئ العامة التي حركت الحركات الإسلامية عموماً بدأت تنضج وتتقابل مع المشاريع الفكرية للمفكرين الإسلاميين، ومن ثم بدأ التمازج يحدث بين الحركة والفكر.
- ما الفرق بين برنامج حزب الوسط وغيره من برامج الأحزاب الأخرى؟ * أهم ما يميز حزب الوسط أن المرجعية فيه واضحة ومنها تُستمد البرامج والطرق التي تعالج بها المشكلات، أما الأحزاب فهي تطرح حلولاً تقليدية ومساندة ومعظمها مستمدة من الحضارة الغربية.
- تردد أن عدة لقاءات قد عقدت بين الإخوان وعدد من كبار الشخصيات القبطية للتوصل إلى قاسم مشترك، لكن هذه اللقاءات لم يكتب لها النجاح، فهل انضمامكم للحزب قد سبقه حوارات أو لقاءات معينة؟
* الحوارات السابقة كانت نوعاً من التعارف ولم يكن الغرض منها إنشاء حزب، وأعتقد أن للأقباط ردود أفعال إيجابية تجاه المشاريع الفكرية الإسلامية، وفي واقع الحال نحن نشهد نوعاً من التقارب، إذ إن المشاريع الفكرية العملية تحوز قدراً من القبول لدى الأقباط.
- باعتباركم باحثاً بارعاً في مجال العلوم الاجتماعية والدراسات السياسية، ما هي رؤيتكم لموقف الإخوان المسلمين من قضية الوحدة الوطنية؟ * تاريخيا من المهم أن نذكر أن جماعة الإخوان المسلمين لم تأخذ أي موقف عدائي من الأقباط عبر كل تاريخها، وبالتالي ليس لها ماض تحاول أن تتخلى عنه في هذا الأمر، وقد غلب على الجماعة العمل الديني لفترة طويلة، وهو بطبعه مقصور على المسلمين، وكان لجماعة الإخوان منذ نشأتها على يد الإمام البنا أهداف كثيرة منها تنقية الدين من الشوائب ومحاربة الخرافات، وفي المرحلة الحالية خرّجت كوادر وقدمت مشاريع سياسية، فهي تضيف إضافة جديدة وتفتح مجالات للعمل المشترك بين المسيحيين والمسلمين.
- وهل هذا الحزب يعد نوعاً من التطور لأدبيات الإخوان المسلمين فكراً وحركة؟ وما تأثير ذلك على مجمل خريطة الحركة الإسلامية؟
* هي بالطبع خطوة تؤرخ لتطور حقيقي داخل جماعة الإخوان المسلمين، وأيضا داخل الحركات الإسلامية عموماً، وأعتقد أن التحدي الحقيقي أمام مشروع الحزب هو مقدرته على تثبيت أقدام هذا التطور داخل محيط الإخوان المسلمين كتيار، وداخل محيط التيارات الإسلامية الأخرى.
- لماذا أخذ الحزب بعداً دعائياً واسعاً دون غيره؟
* أعتقد أن الانطباع الأول هو أن التجربة متميزة، وبالتالي تدعو للتساؤل بعد تحرك هذه المجموعة الشابة في جماعة الإخوان المسلمين وقيامها بطرح مشروع حضاري إسلامي، كما أن اسم الحزب قد لفت الأنظار، إنها لحظة يبدو فيها طغيان النموذج الحضاري الغربي، وشعور من ينتمي لهذا النموذج بأنه قارب على الانتصار، وعلى فرض هذا النموذج المستورد على أمة بكاملها.

قضايا دولية 22/4/96

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>