“بـنـاةُ اســــرائـيـل” إهداء لمنظمة التحرير الفلسطينية ولرئيسها الهمام


حاولت ألا انتقي ما أقرأ لكني رمت التنويع. فكان أول كتاب وقعت يدي عليه كتاب : “الفكرة الصهيونية : النصوص الأساسية” من اصدار : منظمة التحرير الفلسطينية -مركز الابحاث، (سلسلة كتب فلسطينية-1) اشراف الدكتور أنيس صايغ. فقد قرأت هذا الكتاب قراءة ثانية وجديدة بعد أن كنت تصفحته وألقيت عليه بعض النظرات إبان طبعه ونشره..
من المعلوم أن عودة اليهود الى فلسطين أرض الميعاد من صميم العقيدة اليهودية والنصرانية، ولقد صرح كارتر بأن مساندته للصهيونية نابعة من إيمانه بالكتاب المقدس وارتباط الكنيسة بالصهيونية وعودة اليهود إلى فلسطين أمر لا تزيده الايام إلا تأكيدا…
أهم ما يستفاد من هذا المجموع هو أن الشعب اليهودي خطط وصمم منذ زمن بعيد لقيام اسرائيل : معتمدا أولا على امتلاك الارض في فلسطين وتوطين اليهود عليها وتوفير المساندة الداخلية والخارجية والدولية لمشروعه “المقدس” والمحافظة على الثقافة اليهودية، وقد توسلوا إلى ذلك بشتى الوسائل والامكانيات المختلفة ولكن الاهم من ذلك كله، أنه كانت هناك قيادة مخلصة، وعاقلة، ومتوفرة على امكانيات هائلة، وشعب نشيط، ومنضبط، له ثقة مطلقة بقياداته، مستعد للتضحية بكل ما يطلب منه. ان ما ورد في هذا الكتاب من دعوة إلى إقامة اسرائيل ليس إلا امتدادا للمجهودات والافكار والدعوات السالفة.. لكن المهم في هذا الكتاب هو أن أصحابه تجنبوا الخوض في الدفاع عن أحقية اليهود بفلسطين ليتفرغوا الى رسم السبل والاساليب والوسائل الى تحقيق الحلم… ولقد بين الحاخام يهوذا القَالي (1798 – 1878) في مقالته : “الخلاص الثالث” أن وجود اثنين وعشرين ألفا من اليهود معاً يُعَدُّ الشرط الأساسي ليتمَّ الشعورُ بالحضور الالهي…
“إذن كخطوة أولى لخلاص نفوسنا يجب أن نعمل على إعادة اثنين وعشرين ألفا إلى الأرض المقدسة”(ص : 10).
واسنتج من نص توراتي (التكوين 33/18 – 19) أن شراء يعقوب لقطعة حقل نصَب فيها خيمته هُو تعليمٌ لنسله كي يجب عليهم شراءُ تُربة الأرض المقدسة من مالكيها غير اليهود”( ص : 10). إذن : لابد من الخطوات الآتية :
- شراء الارض في فلسطين من غير اليهود.
- توطين عدة آلاف من اليهود عليها لا يقل عددهم عن اثنين وعشرين ألفا.
- عودة جماعية (ص : 11).
- إحياء اللغة المقدسة (ص : 11) وجعلها لغة التعليم وسيكون بعثها بالوسائل الطبيعية”.
ويعتبر يهوذا أن هذا ليس خيالا وإنما هو تنبؤ الابناء والأحفاد. معتمدا على آية توراتية (ديوئيل 2/28).
وذلك كله سيؤدي إلى “تنظيم جسم يهودي عالمي، وهو خطوة أولى للخلاص، إذ من هذا التنظيم سينبثق مجلس حكماء مُعتمدٌ، ومن مجلس الحكماء سيظهر المسيحُ المنتظر ابن يوسف، وألح يهوذا على تعيين حكماء كي يعملوا على مراقبة الوصايا التي ستطبق وخاصَّةً في الأرض المقدسة (ص : 12).
واقترح إنشاء شركة ولو متواضعة لتقوم باسترداد الارض من الخليفة التركي وستكون ذا مستقبل عظيم إذ سيتحمس جميع اليهود لمساعدتها.
أما الحاخام زفي هيرش كاليشر(1795 – 1874) فيرى أن الخلاص لا يبدأ إلا بمساندة المحسنين، وموافقة الامم ممن لم يشمل بعض الاسرائليين في الارض المقدسة (ص : 14).
ودعا إلى الاستيطان بفلسطين والتضحية الفردية والجماعية لذلك “وعندما يسكن هناك الكثيرون منهم وتتزايد صلواتهم على جبال القدس، عندها فقط يسمع الله لهم ويسرع في يوم خلاصهم”(ص : 15) كما دعا إلى أن يكون هذا الاستيطان زراعيا. واقترح تأسيس منظمة هدفها تشجيع الاستيطان في الارض المقدسة، وذلك بشراء المزارع والكروم وجني الثمار وجعل العمل في هذه الأرض شيئا مقدسا(ص : 16).
أما موسى هيس : (1812 – 1875) فإنه ركز أخيرا على وجوب عودة اليهود إلى فلسطين أرض أسلافهم وذلك بمساندة أوربا، ويتوجه إلى اليهود قائلا : “أقترح بأن يقرأ يهودنا المعاصرون الذين لهم شرف التمسك بالانسانية وهي تلك الشيمة التي أخذوها من الشعب الفرنسي…” كتاب “المسألة الشرقية الجديدة” لمؤلفه أرنست لاهاران. من ذلك قوله :
“ستكونون مركز اتصال عظيم بين القارات الثلاث… ولسوف تكونون حملة الحضارة الى شعوب لا تعرفها، وستكونون معلميهم في العلوم الاوروبية التي ساهم أجدادكم فيها كثيرا… ولسوف تعودون الى أرض آبائكم متوجين بتاج استشهادكم على مر العصور وستشفون من جميع أمراضكم نهائيا”.
“وسيعيد رأسمالكم الحياة للأرض القاحلة وسيحول عملكم وصناعتكم التربة القديمة الى وديان مثمرة وستستخلصون الارض من براثين الصحراء، ومن ثم ستعيد شعوب العالم الاحترام لاقدم أمة بين الشعوب”.
وفي الكتاب شخصيات أخرى تبلغ مع من سبق ذكره 370 شخصية آخرها دافيد بن جوريون، ولكل واحد من هؤلاء اسهامات أساسية بناءة دافعة متنوعة ومتكاملة وعملية سرعان ما يُشرع في إنجازها، وخلال ذلك تنمو وتتفرع لتصبح مؤسسات شامخة في بناء الدولة والامة معا، ورغم ما يبدو من بعض التناقضات أحيانا أو بعض الاصوات الناشزة والمنحرفة عن الخط الديني فإن الامر لا يعدو أن يكون خطة يهودية ماكرة معروفة لدى المسلم القارئ للقرآن الكريم والسنة النبوية وللتاريخ. ويكفي أن تقرأ سورة البقرة ولا سيما قوله تعالى : >وإذ أخذنا ميثاقكم : لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون…<(الآيتان : 84 – 85). ومن هؤلاء الرواد للخلاص الثالث : ليعازر بن يهوذا (1858 – 1923) وهو “لغوي ورائد من رواد النهضة العبرية” عمل على إحياء اللغة العبرية وقد دعا لبذل الجهود لجعل الشباب يقدرون اللغة العبرية بعد أن كان بعضهم ينظر إليها أنها ميتة أو أنها لغة الروح فقط. لكن هذا التقدير لا يتم إلا من ذوي القلوب العبرانية “إذ لا يستطيع فهم هذا إلا عبراني ذو قلب عبراني”(63). ويقول : “لهذا الشعب طاقات لا تحصى.! ومنذ مجيء هذه الامة لهذا العالم حتى هذا اليوم وهي تصنع المعجزة تلو الاخرى، تَاريخ هذه الامة وتوراتها ودينها وكذلك الشعب، كلها معجزات، لذا فليس بمستحيل على هذا الشعب أن يقوم بإحياء اللغة بعد أن ماتت كما حدث في أيام الملك سيمروس”(64). ويعزو سبب بقاء اليهودية واليهود رغم أنهم لا وطن لهم : لمفارقتهم الأمم الأخرى في الدين وفي طريقة المعيشة”. شارك الرجل في تأسيس أكاديمية اللغة العبرية وأصبح رئيسها الاول وربط إحياء اللغة بإحياء الأمة عن طريق استعمار الأرض. أما نغمة موشيه لايب ليلينبلوم فقد كانت حزينة وجياشة عارمة مستثيرة متفائلة يقول : “المهم أن نبدأ ومن تمَّ تُعلِّمنا الخبرة والحياة كيف نتمم عملنا”(ص : 77). وقد وضع اليهود أمام خطتهم ثلاثَ اختيارات: 1- إما الاستمرار في التعرض للاضطهادات فالمذابح فالفناء والابادة. 2- وإما الذوبان في الآخرين واتِّباع دين الأمميين. 3- وإما بذل الجهود لاحياء اسرائيل في أرض أجدادها.!(ص : 78). ونفس النغمة نجدها عند يهوذا لايب (ليو) بنسكر (1821 – 1891) “إن بعثنا القومي سيسير ببطء، أي يجب علينا أن نقوم بالخطوة الأولى ثم يتبعنا أحفادنا بخطى متزنة متئدة”. يجب أن يبدأ بعث اليهود القَومي بتأسيس مجلس لزعماء اليهود(96). أما مؤسس الدولة اليهودية : هرتزل (1860 – 1904) فإن العرب لاشك قرأوه كثيرا وتتبعوا أفكاره وحللوها لا سيما بعد الكوارث 48، 56، 67،… لقد دعا الرجل إلى التحرر الداخلي لوجودهم( 102) كما دعا الى تكوين وكالتين : الجمعية اليهودية والشركة اليهودية، ولكل منهما مهمات ووظائف محددة معينة(118). وهو يرى فيما يتعرض له اليهود من اضطهاد تمحيصا لليهود وغربلة هامة يسقط الضعفاء ويبقى الاقوياء مستمسكين بأمتهم وهي نفس الفكرة النازية، يقول : “استطاع أعداء اليهود أن يغربلوا ضعفاءنا، أما الاقوياء فقد كانوا يتمسكون بشعبهم عند قيام أي اضطهاد” “إننا سننصهر في أي مجتمع إذا مكثنا فيه مدة بأمان وهذا ليس من صالحنا”(106) وهذا ما يؤيد الفكرة التي تقول إن كثيرا من تلك الاضطهادات بما فيها النازية كانت العبقرية اليهودية وراءها وبإيعاز مدروس منها… ويتوقع أن نسلا يهوديا عظيما سينبع من الارض”(123). وقال في نهاية كتيبه كلمة أود لو يقرأها الذين يريدون أن يؤسسوا أمة أو دولة، معتمدين على أحلام اليقظة وعلى الكلمات الجوفاء والتحركات العشوائية الصبيانية!! يقول : “ان اليهود الذين يريدون دولة هم الذين سيحققونها”(123). وأشار الى عنصر هام ويُعتبر شرطا وركنا في بناء الدولة اليهودية ألا وهو الاتحاد، يقول : “قدمت الصهيونية شيئا عظيما يكاد يكون مستحيلا حتى الآن : هو الاتحاد الوطيد بين العناصر اليهودية الحديثة المتطرفة والعناصر اليهودية المحافظة. وقد حصل هذا الشيء بموافقة الطرفين دونما أي تنازل من الجانبين…”(124) الشيء الذي لم يستطعه العرب حتى داخل التيار الواحد نفسه حتى ولو كان تياراً اسلاميا من أهل السنة والجماعة والتمسك بما -زعموا- كان عليه السلف. وقد ربط بين المسألة اليهودية ومسألة الشرق الاوسط، فإذا أمكن حلها في آن واحد فسيكون له تأثير على العالم المتحضر كما أن تحسن وضع اليهود سيساعد على تحسين وضع نصارى الشرق”(126). وهذه نقطة هامة وهي إغراء نصارى الشرق بالعمل والتعاون مع اليهود لتحسين أوضاعهم!!! وهو الذي سيتحقق مع السلام سلام اسرائيل وخراب العرب وأي خراب!!. وقد بين هرتزل مدى نفوذ اليهود الاقتصادي على كثير من الحكومات الغربية والشرقية، كما أنه من مصلحة اليهود الارتباط أيضا بالثوريين(127). كما قال أنه “يجب أن ترتفع القضية الى الصعيد غير الشخصي إذا أريد لها النجاح”(128). أما ماكس توردو (1849- 1923) فإن من أهم ما ورد عنده من أفكار : “أن الصهيونية الحديثة تختلف عن الصهيونية القديمة بكونها سياسية وليست كالاخرى دينية صوفية، فهي لا تؤمن بمجيء المسيح المنتظر “ولا تتوقع العودة الى فلسطين بمعجزة إنما ترغب في تحضير طريق العودة بجهدها”(137). وقد بين أن الاستيطان اليهودي بفلسطين وتحويل أنواع مختلفة منهم الى أعمال زراعية وتربية الماشية والاتصال بالارض الأم هو عملٌ : “يتطلب أيضا أن يعمل اليهود ذوو الاصول المختلفة مع بعضهم بعضا ويتدربوا على الوحدة الوطنية كما أنه يقتضي في الوقت ذاته القضاء على العوائق الصعبة التي تتمثل في اختلاف اللغة والمستوى الثقافي وطريقة التفكير ومشاعر الناس المختلفين الذين سيحضرون الى فلسطين من بلاد مختلفة…” وكان للكاتب أحدها عام (1856 – 1927) أثر بارز في إنشاء المدارس العبرية ودار لنشر الكتب العبرية وإصدار مجلة عبرية شهرية. “وقد أصر على وجوب العمل في فلسطين ببطء وعناية فائقة”. وأساس ذلك هو إحياء ثقافة الشعب اليهودي وتجديده عن طريق النخبة”. ومن أفكاره الجيدة، قوله : “إن وظيفة الادب هي زرع بذور الافكار والرغبات الجديدة، فبعد أن تزرع هذه البذور تتكفل الحياة بعمل ما تَبَقَّى…”(142). ودعا الى جعل الكنيس مركزَ دراسة ومنهلاً للمعرفة اليهودية يأخذها فيه الصغار والكبار المثقفون والعاديون على حد سواء”(153). وهو يرى أن الدين اليهودي أساسه القومية، ومن حاول فصل الدين عن إطاره القومي لم تؤد جهوده إلا الى هدم الدين والقومية معا، ومن أراد أن يبني لا يعمل شيئا يؤدي الى الهدم، لذلك وجب تعليم الدين على أسس قومية لان الدين والقومية متداخلان ولا يمكن فصلهما”(153 – 154). وكان حاييم نخمن بيبالد (1873 – 1934) شاعر القومية اليهودية وصوت شعب اسرائيل أجمعه.. اهتم بالادب الشعبي، وأدب الاطفال والاغاني الفولكلورية، وقام بأعمال علمية وثقافية كبيرة، وقد ألف كلمة تعتبر من “أروع الادب الصهيوني بمناسبة افتتاح الجامعة العبرية 4/1/1925 بحضور اللورد بلفور، ومن جملة ما قاله في هذه المناسبة : “لقد شكلت الامة اليهودية أسس تراثها القومي ومؤسساتها القومية الرئيسية ضمن حدود مملكة الروح، وهذا ما ساعد على بقائها خلال آلاف السنين من التيه وصان حريتها الداخلية وسط العبودية الخارجية وأدى الى هذه المناسبة السعيدة بافتتاح الجامعة على جبل سكويس”(173). إن باقي بناة اسرائيل في هذا الكتاب يميزهم : الاخلاص، والصدق والحرارة والتكامل والتكميل والعمل والممارسة، وقوة الروح وكثرة النشاط والحركة الصادقة، ورعاية المصالح العليا والظهور في الوقت المناسب والدهاء والعلم، ووضوح الرؤية والتضحية عند الضرورة، ومصدر ذلك كله الايمان بالدين اليهودي وبالقومية اليهودية وبما جاء في كتبهم وأسفار أحبارهم من النبوءات والوعود. بودي لو أن الذين نشروا هذا الكتاب ووزعوه أعادوا قراءته من جديد فلربما لم يقرأه بعضهم أو قرأه البعض الآخر ونسي ما فيه أو كان أثناء قراءته له يستهزئ بما فيه من أفكار دينية لان الثوريين العرب، بما فيهم الثوريون الفلسطينيون، كانوا يصرون على تحرير الوطن العربي من الدين الاسلامي ومن الافكار الاسلامية قبل أن يحرروا فلسطين، وكانوا يعلنون أن تحرير القدس يمر عبر تحريرالعواصم العربية من الرجعية، وهانحن نشاهد اليوم مهزلة ومأساة الحكم الذاتي بقيادة الثوريين الفلسطينيين وبمؤازرة جلِّ القوميين والسياسيين والعلمانيين والانتهازيين المختصين الذين أصبحوا الآن من الدعاة الأشداء المخلصين لتسليم فلسطين باسم السلام. وحبذا لو يقرأ هذا الكتاب وأمثاله شباب الحركات الاسلامية بل وقاداتهم فلربما يفيد هؤلاء جميعا فوائد جمة ودروسا هامة من اليهود. فالحكمة ضالة المؤمن يلتقطها أنَّى وجدها فاعتبروا يا أولي الأبصار.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>