حوار قصير مع الاستاذ فتحي يكن


س: ما حقيقة ما يشاع في بعض وسائل الإعلام عن مواقف متناقضة من قبل الحركة تجاه الصلح مع >إسرائيل< ولا سيما على صعيد الفتوى؟ * أنا لم أقرأ أو أسمع ما يشتم منه على أنه تناقض في المواقف من قضية الصلح مع >إسرائيل< نهائيا. وإن كان هناك من وسائل إعلام نشرت مثل هذا فإني أعتبره مدسوسا. الحركة الإسلامية على مستوى عالمي موقفها واحد في معارضة الصلح وأي لون من ألوان الصلح مع >إسرائيل< ولا ترى طريقا لحل قضية فلسطين إلا عن طريق الجهاد والمقاومة، ومن هناك قامت (حماس) كامتداد للحركة الإسلامية. أما موضوع الفتاوى فلها شأن آخر ولا علاقة لها ولا بمطلقيها بالحركة الإسلامية. س: بخصوص الفتاوى الأخيرة التي أباحت السلام مع >إسرائيل< والتي صدرت عن مفتي الديار السعودية ابن باز وكان لكم موقف منها. * للأسف ليست عندنا مؤسسات فقهية جماعية تصدر فتاوى. إنما عندنا علماء ومفتون، كل له رأيه وكل يصدر رأيه من خلال قناعاته، فلو كان عندنا مجمع فقهي واحد، كانت أحيلت القضية إليه وأصدر فتوى جماعية أقنع ابن باز بها او اقنعه ابن باز بذلك، ولكن ذلك غير موجود. لهذا السبب انبرى الكثيرون وعارضوا موقف إبن الباز، وتعرضوا لأضطهادات لهذا السبب، ومنهم من دخل السجن ولا يزال بسبب معارضته لهذه الفتوى التي أجازت الصلح مع >إسرائيل<. س: هل نستطيع القول بأن المفتين في لدول العربية والإسلامية من الصعب عليهم إتخاذ موقف علني وصريح بهذا الخصوص؟ * في إعتقادي أن معظم المفتين في البلاد العربية هم مفتو سلطة، بمعنى أنهم يتبعون السلطة ويراعون مصالحها، والسلطة عند بعضهم أكبر من الشرع، ولو كان الحال غير ذلك لما وجدت إنسانا ما يمكن أن يفتي بجواز الصلح مع>إسرائيل< في مثل الظروف التي نحن فيها. س: الخلاف في الطرح بين الأجهزة الدينية الرسمية وبين الحركات الإسلامية، ألا يؤثر سلبا على عامة المسلمين؟ * لا شك أن وحدة الموقف الفقهي ووحدة الموقف الشرعي ووجود مجمع فقهي يعطي رأيا واحدا للمسلمين من شأنه أن يوحد المسلمين. لكن الواقع واقع تعددي، والمواقع الدينية اليوم أكثرها يرتبط بالسلطات. فمثلا وزراء الأوقاف ووزراء الشؤون الدينية والمفتون هم موظفون لدى الدولة، ويصعب جدا عليهم أن يخرجوا من دائرة السياسة التي تدور فيها البلد. س: معظم المعارضين للتطبيع من إسلاميين أو قوميين ووطنيين يستعدون لمواجهة التطبيع ويحصره غالبيتهم بالجانب الثقافي، كيف تنظرون أنتم لطرق المواجهة؟ * كما قلت، أنا لا أدري في يوم من الأيام أنه سيحدث صلح حقيقي أو سلام مع >إسرائيل< على الأقل في المدى المنظور، والتطبيع جرب في مصر وسقط فيها، ودائما كما نعرف أن التجربة الأولى هي التي تحكم على مدى نجاح أوفشل أي خطوة من الخطوات اللاحقة. فالتطبيع في مصر سقط، مائة وخمسون عالما مصريا أبوا مؤخرا أن يدرسوا في جامعات لكون بعض الطلبة الذين انتسبوا للجامعة من اليهود. فقضية التطبيع الثقافي هذا آخر ما يمكن أن يصلوا إليه. أما على المدى البعيد فالآن يحصد اليهود ما زرعه هرتزل من مائة سنة، وبعد مائة سنة ماذا سيحصل؟ إن شاء الله قد يأتي موعد الله الذي أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه سيتكلم الحجر والشجر ويشير إلى أن وراءه يهودي فاقتله. لكن حاليا أستبعد جدا أن يحصل تطبيع ثقافي ما بين >إسرائيل< وما بين العرب. س: الساحة العربية تغص اليوم بعلاقات متوترة أشبه بالحرب المعلنة بين الحركات الإسلامية من جهة وبين الأنظمة الحاكمة من جهة أخرى، برأيكم إلى أين ستصل هذه الحالة؟ * في إعتقادي ـ والله أعلم- بأن الحالة الإسلامية يتعاظم شأنها يوما بعد يوم بسبب أن خلفية الدول العربية التي كانت تربطها بمعسكرات عالمية قد سقطت، ولم تعد هناك أرضية تعتمد عليها هذه إيديولوجيا على الأقل. وبسبب فشل الحلول الإقتصادية التي كانت تطرحها هذه الأقطار العربية في بلادها، مما أدى إلى نشوب أزمات إقتصادية حادة. وقد أدى ذلك إلى التفتيش عن البديل، ولم يعد في الميدان إلا الإسلام بعد سقوط النموذج الشيوعي وتخبط الرأسمالية. إنما يحتاج هذا الطرح البديل إلى مشروع إسلامي يقدم حلولا للمشكلات التي تعيشها المجتمعات العربية، وبإعتقادي إننا واصلون يوما بعد يوم إلى تعاظم الحالة الإسلامية وإلى تساقط الأنظمة الوضعية نظاما بعد نظام. س: الحالة التي تسود الساحة اليوم هي حالة عنف متبادل، فبين الخيار الديمقراطي والخيار العسكري أين تجد الحركة الإسلامية نفسها؟ * الحركة الإسلامية بين الخيارين، هنالك دول تعتمد الحل الأمني، وهنالك دول أخرى تعتمد الحل الديمقراطي (على النفس الطويل).. فبحسب طبيعة البلد وبحسب طبيعة المقاومة التي تواجهها الحركة، فإذا ووجهت الحركة من خلال حالة حوار يطرح عليها فهي تدخل في الحوار من غير استعمال القوة، أي من خلال النضال السياسي، أما إذا استعمل مع الحركة في قطر من الأقطار العنف فقد تضطر الحركة وقد تستدرج من غير قناعة منها إلى أن تخوض المعترك العسكري، وقد يكون على حساب مستقبلها وقد يؤدي إلى مقتلها. وإننا في لبنان نرى أن النضال السياسي هو الطريق المعتمد… أما في مواجهة العدو الصهيوني فليس بيننا وبينه إلا الصمود والمقاومة. س: ألا يشوه ذلك المشروع الإسلامي؟ * العنف قد يشوه المشروع الإسلامي بجملته، ولهذا السبب فقد وقع إختيارنا على الحل الديمقراطي ذي النفس الطويل، الذي لا يفتش عن إنتصار بين يوم وآخر، وأمام الحركة الإسلامية قضيتان : قضية الوصول إلى الحكم وقضية اسلمة الحكم، فالوصول الى الحكم لا يعني أسلمة الحكم، وكم من حركات وصلت إلى الحكم ولم تستطع أن تصبغ الحكم بصورتها وتحمله مبادئها، كم من حركات شيوعية وصلت إلى الحكم وأجهضت الحركة الشيوعية كما حدث في أندونيسيا أو العراق أو السعودية… الامان ع 140/1995

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>