ومن أفغانستان درس لأولي الأبصار


لا أحد ينكر تلك البشرى التي عمت أرجاء الأرض الإسلامية وتلك الفرحة العارمة التي أعقبت ذلك الإنتصار المشهود الذي حققه المجاهدون الأفغان بعد مسيرة طويلة من الجهاد والتضحية دامت أربعة عشر عاماً 1978 – 1992 اختاروا خلالها الجوع والعطش على الشبع والري والجبال على البيوت… وباعوا أنفسهم وأموالهم وأولادهم لله عز وجل، فكان الله بذلك معيناً لهم وخير ناصر لهم >يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم..< وهكذا استطاع المجاهدون الأفغان الوقوف في وجه الإتحاد السوفياتي رغم الفقر والحاجة ورغم قلة العتاد والعدة وساهموا بشكل مباشر أوغير مباشر في دفن الشيوعية ونقلها إلى متحف التاريخ وخبر كان ولا أحد ينكر أن جهاد الشعب الأفغاني قد ساهم في ايقاض الوعي الاسلامي وتحريك الهمم التغييرية وبعث الأمل في النفوس من جديد، حيث كانت أفغانستان موقعاً للتطبيق العملي في دروس التقوى، البذل، الصبر؛ الجهاد ونصرة الله... كما كانت أرض أفغانستان "شاشة" رأينا فيها وعد الله الذي لا يخلف وعده. ولكن لا أحد ينكر كذلك تلك الصدمة التي أحدثها الخلاف بين قادة المجاهدين وبروز الصراع حول الحكم الذي تحول إلى قتال بين إخوة كانوا بالأمس القريب في خندق واحد. فلماذا تنقلب الأمور بين عشية وضحاها؟! ولماذا تُصبح اليوم كابول مدينة الاقتتال بعدما كانت بالأمس رمزاً للحرية والصمود؟! ولماذا انقلبت نعمة الإنتصار والجهاد والفتح إلى نقمة التناحر والوهن؟!... إنها أسئلة كثيرة ومحيِّرة ينبغي لدعاة التغيير أن يقفوا عليها من أجل استنباط شروط النصر والتمكين الدائم، وحتى لا يلدغوا من الجحر الواحد مرتين >لايلدغ المؤمن من الجحر مرتين< بتكرارهم للأخطاء التي ارتكبها إخوانهم. فليس من العيب أن يقع خلل أو خطأ في تجربة ما فقد يكون ذلك ابتلاء وقدرا، ولكن العيب كل العيب أن نقع في نفس الخلل أو الخطأ، وذلك هو الأدهى والأمَرُّ. إنني إذ أدعو إلى دراسة التجربة الأفغانية بكل وعي وفقهها من أجل معرفة سنن التغيير أَوَدُّ أن أطرح بعض الملاحظات والعبر التي اثارت انتباهي بخصوص ما يجري في أفغانستان أعاد الله عزتها ووحدتها : ماذا يعني انتصار الافغان على الروس؟! عندما بدأت الحرب في أفغانستان عام 1978م كان الجميع يظن أن المعركة ستحسم لصالح الشيوعيين في وقت وجيز وأن الاسلام سيستأصل وإلى الأبد بسبب الإبادة والتطهير العرقي والحرب الهوجاء التي قادها الجيش الأحمر المجهز بمختلف الأسلحة الفتاكة غير ان استماتة المجاهدين وصبرهم أهلهم ليصنعوا التحدي فتوالت انتصاراتهم في مقابل اندحار القوات الشيوعية. وهكذا حدثت أكبر معجزة في القرن العشرين : تشتت الاستكبار واندحاره في مقابل صمود الاستضعاف وثباته أعني سقوط الاتحاد السوفياتي وفتح كابول مما يؤكد أن قوة الإيمان والارتباط بالله عز وجل قادر على صنع التاريخ >وعد اللَّهُ الذين آمنوا منكم ليستخْلِفَنَّهُم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم…< من هنا على الدعاة ألا ييأسوا من الليل الحالك ومن جبروت الاستكبار العالمي وألا يقنطوا من شدة الهول والظلم على المسلمين في الأرض فالصبح آت لا محالة ووعد الله بالتمكين والنصر قريب انشاء الله وهل بعد المخاض إلا الولادة؟! لا أقول ذلك ليطفأ لهيب الشباب ويستكين أهل البناء الاسلامي وليستسلموا لأمر الواقع وينتظروا قضاء الله وقدره فذلك سلوك مرفوض. ولكن أقول ذلك لأزيد من الهمم وحتى تسير الدعوة الاسلامية بخطى ثابتة بعيداً عن استفزازات الأعداء والحاقدين الذين يريدون تحريف مسار الدعوة الإسلامية وايقاعها في هوامش ومعارك هي في غنى عنها. إن انتصار المجاهدين على الروس يؤكد فعلا أن معركتنا الحقيقية تكمن في تحقيق التغيير النفسي والاعداد الذاتي واعلان الصلح مع الله عز وجل وبيع الأنفس له تعالى حتى تحيى الدعوة الإسلامية في سبيل الله وتتحول إلى طاقة تخدم البلاد والعباد وليست إلى طاقة تحرق الأرض ومن عليها. ماذا يعني واقع الأفغان؟! إذا كان ما يجري اليوم في أفغانستان بين مختلف الفصائل وصراع على الحكم هو ابتلاء للمجاهدين وتمحيص لهم فإنه في نفس الوقت درس عظيم للدعاة إلى الله : 1- إقامة الدين كهدف أسمى : إن المتأمل فيما يجري في أفغانستان يلاحظ كيف أن القادة يلهثون وراء الحكم والمناصب وان اقتضى الأمر بسفك الدماء والاعتماد على الشيوعيين الحاقدين والملشيات الكافرة... فهل يحق لوسيلة أن تزاحم هدف أكبر؟! وهل يمكن لحب الذات والأنانية المقيتة أن تبيح سفك الدماء الزكية؟!... ولقد آن الأوان للدعوة الاسلامية إذن أن تتجرد لله حق التجرد وتحدد مركز ثقلها بوضوح ومحفزها بدقة حتى لاتتحول الوسائل إلى أهداف فيصبح البناء عامل هدم ودمار. فالدعوة الاسلامية ليست حركة من أجل الحركة ؟! أو حركة من أجل الذات المتحركة ؟! أو حركة لازاحة الآخر؟! بل هي حركة ذات وظيفة أسمى وأعظم إنها وظيفة تعبيد الناس وتمكين دين الله إنها وظيفة تتجاوز إقامة الدولة أوالخلافة بل إن هذين الوسيلتين يساعدان على تحقيق تلك الغاية الكبرى. وكلما حدث خلل في فهم هاته الوظيفة أو أصبحت الذات المتحركة عائقا أمام ذلك فإن الحركة مطالبة بمراجعة وتوبة شاملة 2- الوحدة أولا : (أو الوحدة قبل الدولة) قد لا أكون مغاليا إذا قلت بأن مستقبل الدعوة الإسلامية رهين باستيعاب التجربة الأفغانية ذلك أن الصدمة التي أحدثها تقاتل الإخوة المجاهدين ينبغي أن يستفز الاسلاميين لتحقيق وقفة تاريخية من أجل تصحيح المسار وتحقيق الاعداد الذاتي المتين. إن فشل >الفصائل المجاهدة< في حسم مسألة الحكم بسبب خلافاتها الواقعية وغير الواقعية وبسبب الأيدي الخفية والحاقدة هو في اعتقادي دعوة لحركة الدعوة الاسلامية لتجنب الاستعجال وقطف الثمار دون نضجها فالرهان المبدئي والحقيقي في المستقبل يكمن في وحدة الصف الإسلامي لا في تشتتها وتعارضها والانتصار المنشود سيكون للعقل الجمعي والوحدوي… لا للعقل الأناني الفردي والتجزيئي… فالمسألة ليست في أن نهدم واقعاً فاسداً أو نزيح آخر نراه معارضاً بل المسألة أن نأسس واقعاً مغايراً يحمل مضموناً اسلامياً ووحدوياً. ترى هل تكون أفغانستان فعلا درساً لاولي الابصار وموعظة للسائرين في درب الجهاد والبناء الحضاري؟!! لهويو لحسن

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>