الحدود والقيود


في باريس محطة قطار تسمى “محطة الشمال” Gard du nord تربط العاصمة الفرنسية بمدن الشمال الفرنسي وأوربا الشمالية ولندن مؤخراً عبر قطار Eurostar الذي يشق طريقه تحت الماء.
كنت في طريقي إلى بروكسل عاصمة أوروبا الموحدة فمررت بهذه المحطة حيث أخذت تذكرتي، وانتظرت القطار حتى انطلق في الوقت المحدد له، وخلال مرحلة العبور من فرنسا إلى بلجيكا كنتُ انتظر عند النقط الفاصلة بين البلدين صعود الدرك والشرطة والجمارك وكلاب التفتيش لمراقبة الجوازات والتدقيق في أمر البضائع والعملات… وانتظرتُ طويلا حتى وصلت دون أن يكون شيء من ذلك.
ويحق لنا أن نسأل لماذا تنطلق وتصل قطارات القوم في الوقت. ولا تعترضها في الغالب أجهزة “السيادة الحدودية” وكأنك من مدريد إلى كوبنهاگن ومن لندن إلى فيينا تتجول داخل قطر واحد بل إن الوضع الأمني والسياسي داخل خمسة عشر قطراً هم مجموع أعضاء الاتحاد الأوروبي خيرمنه داخل قطر عربي واحد تتعدد فيه الحواجز والمتاريس ونقاط التفتيش والمراقبة بعدد المحافظات والولايات ومخارج المدن ومداخلها حتى إن الانسان ليرثي لحال الشرطة والدركي قبل أخيه المواطن العادي الماشي مكبّاً على وجهه في دوّامة ومتاهة المتهم حتى تثبت براءته.
خوصصتْ أوروبا فخوصصنا، وعرضت مفاتن المرأة في الإشهار لكل بضاعة فعرضنا، و “أَحيت” ليالي رأس السنة الميلادية فأحيينا وغنّوا “الروك إن رول” Rock’in Roll فغنّينا، ونشروا الاختلاط والعري في الشواطئ فاقتدينا… لكنهم قبل ذلك ومعه أزالوا الحدود والسدود الأمنية فيما بينهم فهل أزلناها داخل البلد الواحد فضلا عن مجموعة إقليمية كالمغرب العربي ودول الخليج العربي. كما أنهم سيطروا على الخبر وصناعته وترويجه وتوظيفه بوكالات الانباء الخمس الكبرى فهل اقتربنا كدول “إسلامية” منفردة أو مجتمعة من ذلك المستوى العالي في الاتقان دون سيطرة أو تضليل؟ ومثل هذا نقوله عن عوالم التكنولوجيا والبحث العلمي والحقوق الدستورية والاجتماعية، التي لم “نقلد” فيها كما قلّدنا كالببغاء فيما هو دونها.
يحلو لبعض من سُمُّوا في بعض أقطارنا “بحزب فرنسا” أن يتكلموا بالرطانة الأعجمية في بيوتهم و “إداراتهم” ولا تعليق لنا على ذلك لو أخذوا كل ماعند “أمهم الحنون” في مجالات الفعالية والانتاج التي عدّدنا بعضها خاصة وأنهم حكموا ويحكمون منذ الاستقلال ولا يزال الأمر “حمار حمار يا فقراء” كما قال شيخ لمريديه وهم يطمعون أن تحوِّل “الشطحات” و”العمارة” حماراً وضعوه في وسطهم إلى ثور يصلح “للزردة”…
يعيش “المواطن الاسرائيلي” في قلب الوطن العربي، ويدخل وحده إلى كل أقطار أوروبا دون سدود “الفيزا” وقيودها وتُفرض على “جيرانه” بكل احتقار وامتهان يصلان إلى الحالة النفسية الموصوفة في بعض الآثار النبوية عندما يكون “بطن الأرض خير لنا من ظهرها”.
قلدنا شبراً بشبر وذراعاً بذراع دون أن نقلد في باب واحد من أبواب الفعّالية الحضارية والرجولة العسكرية… واصبحنا في أشد وأنكى مراحل “القصعة” التي يتهاوى عليها الأكلة حتى إذا تكلَّم أحدنا عن المسجد الأقصى المبارك أو سراييفوا او بلاد الشيشان او كشمير او سبتة ومليلية والجزر الجعفرية كان ذلك كقول الشاعر: زعم الفرزدق أن ستقبل مربعاً
أبشر بطول سلامة يا مربع
في كل سنة تشد الرحال إلى نيويورك لحضور الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة فنحضى بتجديد حال السدود والقيود والحدود والأمر الواقع على وطننا العربي – الاسلامي وتعود “اسرائيل” بقرار التراجع عن اعتبار الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية، وقرار الحصار على ليبيا والعراق وتجميد عضوية السودان في صندوق النقد الدولي… الخ.
تقضى الامور حين تغييب قيم
ولا يُستأذنون وهم حضور
ورغم كل هذا تجرؤ صحافة القصور والفكر المسلوخ على ذكر “هجوم السلام”، و “الانجازات التنموية” و “توحيد الامة” عبر اتفاقيات وزراء الداخلية. ومهرجانات الثقافة “الجديدة” الاسرائيلية والفولكلورية والعرقية ومواجهة “الحركات الاسلامية”.
ومادام هناك محيط يفصلنا عن اسلام القرآن والسنة في تعليمنا وإعلامنا وحياتنا الاجتماعية فستزداد جدران برلين بيننا، وقد تتمزق الاقطار الحالية في اتجاه سايكس-بيكو آخر ليتضاعف عدد الحواجز والمتاريس >لتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله<(النحل 94) فهل أنتم منتهون؟ احمد البدوي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>