من آداب الالتزام بالإسلام والانضباط داخل مبادئه : الاستئذان -الاستجابة لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم في أدب وخشية وتعظيم وتوقير


من آداب الالتزام بالإسلام والانضباط داخل مبادئه : الاستئذان -الاستجابة لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم في أدب وخشية وتعظيم وتوقير

قال تعالى من سورة النور : >إِنَّمَا المُومِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا باللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُومِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِىنَ يُخَالِفُونَ عَنْ اَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌُ أَلِىمٌ أَلاَ إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ قَدْ يَعْلَمْ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ <

أ- في رحاب الدلالات اللغوية والاصطلاحية :

إنما المومنون : إنما أداة حصر، فقد حصرت الكمال الإيماني في المومنين الذين اتصفوا بالصفات الثلاث المذكورة في الآية، وهي : الإيمان بالله، والرسول، وعدم الانصراف عنه بدون إذن منه صلى الله عليه وسلم. أما المنصرفون بدون إذن فقد دخلوا في زمرة المنافقين.

معه على أمر جامع : كانوا معه صلى الله عليه وسلم قلبا وقالبا في كل الشؤون العامة، والأحوال المهمة التي تهم المسلمين جميعا، وتربطهم بروابط لا انفصام لها، وتجمعهم على مبادئها، وأسسها، ومناهجها… فكل ما يهم المسلمين جميعا هو من الأمر الجامع سواء كان : صلاة جمعة، أو الاستماع إلى توجيه للرسول صلى الله عليه وسلم، أو كان للتشاور في الحرب أو السلم، أو كان لإعطاء الرأي في أي شأن من الشؤون العامة اؤتي يعم نفعها وضررها.

لبعض شأنهم : لبعض أمورهم الخاصة الضرورية التي لا تنتظر تأجيلا، ولا يحدث الذهاب إليها فراغا أو خللا، ولهذا ترك الخيار للرسول صلى الله عليه وسلم ليأذن لمن شاء حسب تقديره للظرف والمهمة

يتسللون منكم لواذا : يخرجون من المسجد أو المجلس خفية مختلسين غفلة المسلمين عنهم، ويستر بعضهم خروج بعض، فهم يتفقون على الإنسحاب التدريجي المستور، ولذلك كان كل واحد منهم يلوذ بالآخر ويستجير به ليستره عن أعين المسلمين، وهذه أبرز علامات النفاق التي استحق عليها هؤلاء المنافقون التهديد من عند الله تعالى

يخالفون عن أمره : يخالفون أمر الله أو أمررسوله، وقد عدي ب>عن< لكون الفعل تضمن معنى الصدود والاعراض عن أمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.

فتنة : بلاء وامتحان ومصيبة في النفس أو الولد أو المال، واضطراب في الأحوال الاجتماعية والاقتصادية، كالتصارع والتقاتل، ونزول الكوارث الطبيعية، وتسلط العدو إلى غير ذلك من الابتلاءات وأنواع البأس والشدائد. وهذا كله وأكثر منه في الدنيا أما في الآخرة فالعذاب الأليم.

ب- في رحاب التفسير :

1) سبب النزول : قال الكلبي كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعَرِّضُ في خطبته بالمنافقين ويعيبهم، فينظر المنافقون يمينا وشمالا، فإذا لم يرهم أحد انسلوا وخرجوا ولم يصلوا، وإن أبصرهم أحد ثبتوا وصلوا خوفا، فنزلت هذه الآية، فكان بعد نزول هذه الآية لا يخرج المومن لحاجته حتى يستأذن رسول الله، وكان المنافقون يخرجون بغير إذن -تفسير الفخر الرازي- 23، 24/39.

وأخرج ابن اسحاق والبيهقي في الدلائل عن عروة ومحمد بن كعب القرظي وغيرهما، قالوا : لما أقبلت قريش عام الأحزاب، وأقبلت غطفان، وجاء رسول الله الخبر، فضرب الخندق على المدينة، وعمل فيه، وعمل المسلمون فيه، وأبطأ رجال من المنافقين، وجعلوا يأتون بالضعيف من العمل، فيتسللون إلى أهليهم بغير علم من الرسول صلى الله عليه وسلم ولا إذن، وجعل الرجل من المسلمين اذا نابته النائبة من الحاجة التي لا بد منها، يذكر ذلك لرسول الله ويستأذنه في اللحوق لحاجته، فيأذن له، وإذا قضى حاجته رجع، فأنزل الله في أولئك المومنين >إنما المومنون الذين ءامنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع …< انظر التفسير المنير 17، 18/312. والظلال 6/126.

2) المناسبة: بعد أمر الله تعالى بالاستئذان عند دخول أفراد الأسرة الواحدة على بعضهم بعضا في أوقات معينة، وبعد ما نهى الله تعالى قبل ذلك المسلمين عن دخول بيوت بعضهم بعضا بدون استئذان وتسليم… ناسب أن يذكر الاستئذان أيضا عند الخروج عن أمر جامع دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لمصلحة عامة، ليكمُل للمسلمين أدب الاستئذان الأسري، والإجتماعي، والسياسي وهو الذي يطلبه المسلم من رئيسه وقائده المشرف عليه في كل مجال من مجالات العمل والتحرك، حتى لا تصبح الأمور فوضى.

3) التفسير :

ü يخبر الله تعالى أن المومنين الكاملين في إيمانهم هم الذين آمنوا بالله ورسوله، وهم الذين إذا كانوا معه صلى الله عليه وسلم في أمر جامع يتطلب حضورهم كالجمعة، والجماعة، والأعياد، والمشاركة في قتال عدو، والتشاور في أمر خطير قد حدث، والتخطيط لسياسة دعوية أو مالية..أو أمنية. لم ينصرفوا عنه صلى الله عليه وسلم حتى يستأذنوه فيأذن لهم. >إنما المومنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع، لم يذهبوا حتى يستأذنوه<

ü وأعاد الله تعالى التأكيد على طلب الإذن، بل جعل الاستئذان دليلا على الإيمان الحقيقي بالله والرسول، وفي إعادة التأكيد تعريض بالمنافقين الذين لم يكونوا يستأذنون لخلو قلوبهم من الإيمان والإخلاص، ثم بعد ذلك أعطى الله تعالى عز وجل الحق للرسول في أن يأذن بالانصراف لمن شاء ممن لا أهمية لحضوره أو لوجود من يقوم مقامه، ويمنع من يشاء ممن لا استغناء عنه حسب الظرف والحكمة التي تقتضيها المصلحة العامة، كما أمر الله تعالى الرسول صلى الله عليه وسلم بالاستغفار لمن انصرف لعذر، إشعارا بأن الحضور أولى وأفيد للفرد والمجتمع، لأن في الحضور رغم بعض الأعذار التي يسهل التغلب عليها معنى المرابطة والمجاهدة والتفويض لله تعالى والتوكل عليه والاستعانة به على كل العوائق.

>إن الذين يستاذنونك أولئك الذين يومنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم<

ü ثم بعد ذلك نهى الله تعالي المومنين عن أن يجعلوا دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم كدعاء بعضهم بعضا، والنهي عن جعل الدعاء كالدعاء يحتمل أمورا ثلاثة :

أولها : تفسير الدعاء بمعنى الدعوة للاجتماع، فيكون المعنى : اذا دعاكم الرسول صلى الله عليه وسلم للاجتماع لأمر طارئ لا يحق لكم أبدا أن تتأخروا عن الاستجابة للدعوة، لأن التأخر يعتبر عصيانا لله وللرسول، وهو خطر ما بعده خطر، ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى في سورة الأنفال >يا أيهاالذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون< فالدعوة بهذا المعنى لا خيار للمومن في الاستجابة إليها، بينما دعوة بعضنا بعضا لشأن من الشؤون الخاصة لا إلزام في حضورها بصفة قاطعة، وإنما للمسلم الخيار وإن كان الحضور أحسن لمعان اجتماعية أخرى سامية تقتضيها روابط الأخوة والمحبة والتكافل.

وثانيها : لا تنادوا الرسول صلى الله عليه وسلم كما تنادون بعضكم بعضا، كأن تقولوا : يا محمد، يا ابن عبد الله، ولكن قولوا : يا نبي الله، يا رسول الله مع التعظيم والتوفير والصوت المنخفض والتواضع، ويؤيد هذا قوله تعالى في سورة الحجرات >يايها الذين آمنوا لا ترفعوا اصواتكم فوق صوت النبيء ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون…<

وثالثها : أ لا تعتقدوا أن دعاءه على غيره -إذا أسخطه أو أغضبه بنفاق أو عصيان بالغ الضرر على المسلمين- كدعاء غيره، كلا، فإن دعاءه صلى الله عليه وسلم مستجاب، فاحذروا أن يدعوا عليكم فتهلكوا.

هذه الاحتمالات الثلاثة كلها يحتملها قول الله عز وجل >لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا<

ü وبعد ذلك كله يهدد الله تعالى المنافقين الذين يعملون على خداع الرسول والمومنين بأنه :

أولا : أن الله تعالى مطلع على تسللهم وتصرفهم وسلوكهم الخبيث، فإن استطاعوا أن يخدعوا المومنين فليس باستطاعتهم مخادعة الله عز وجل.

وثانيا : عليهم أن يحذروا سوء العاقبة في الدنيا والآخرة من كشف، وفضح، وخزي اجتماعي وسياسي لا ينفع معه ندم، ومن عذاب أليم في الدنيا والآخرة.

وثالثا : عليهم أن يعلموا أنهم بتصرفهم المقيت لا يزيدون ولا ينقصون من ملك الله شيئا، ولا يستطيعون أن يحوِّلوا التيار الإسلامي ويحرِّفوه عن خطه المستقيم ما دامت القيادة في يد المخلصين من المومنين، وما دامت الشعوب مرتبطة بقادتها ارتباطا إيمانيا، لايشوبه طمع أو خوف أو نفاق وتملق، وما دامت الموازين الإسلامية هي المحكَّمة في المسؤوليات والعلاقات الرابطة بين القيادة والأمة. >قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن امره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم ألا إن لله ما في السموات والارض قد يعلم ما انتم عليه ويوم يرجعون اليه فينبئّهم بما عملوا والله بكل شيء عليم<.

مما يستفاد من الآيات : في الحلقة القادمة.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>