لباس السنة ..كيف؟ 2/4


لباس السنة ..كيف؟ 2/4

ثانيا : اللباس في السنة

لقد رجعت إلى أكثر من مصدر من مصادر السنة المشرفة باحثا عن حقيقة لباس السنة ومنقبا عن صفاته وما يتعلق به من ترغيب أو ترهيب فخرجت بنتائج أسجلها فيما يلي :

1- ان امر اللباس في الاسلام أمر سهْلٌ فليس في الاسلام تعقيد لأمر اللباس، وإنما فيه مارواه البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال >كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير اسراف ولا مخيلة< وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال >كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك اثنتان : اسراف ومخيلة< وهذه قاعدة هامة في شأن اللباس الاسلامي ولاشك أن كل ما يستثنى من هذه القاعدة يدخل تحت >الاسراف< أو >الخيلاء< وهذه هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللباس فإنه كان يلبس ما تيسر من قميص او رداء أو غير ذلك. قال البخاري >باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتجوز من اللباس والبسط< قال ابن حجر في الفتح معنى >يتجوز< يتوسع فلا يضيق بالاقتصار على صنف واحد بعينه، أولا يضيق بطلب النفيس الغالي، بل كان يستعمل ما تيسر وعلى أساس هذه القاعدة نفهم ما يلي : ثبت في صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه قال :>إن أحب اللباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم >الحِبَرَةُ< قال النووي ثياب من كتان أو قطن محبرة أي مزينة، والتحبير التحسين قال : وفيه جواز لباس المخطط وهو مجمع عليه. وروى مسلم -أيضا- من حديث بريدة عن عائشة رضي الله عنها أنها أخرجت لهم إزارا غليظا وكساء من التي يسمونها المُلَبَّدة فأقسمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض فيهما< وعنها رضي الله عنها >أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في مِرْطٍ مُرَحَّل من شعر أسود< رواه مسلم. والملبد : قيل المرقع وقيل الثخين. والمِرَطُ كساء يكون من صوف أو كتان أو خز ومُرَحَّل بالحاء المهملة فيه صور رحال الابل، قال النووي وفيه جواز لبس الثوب ذي التصاوير إذا لم تكن صورة حيوان او إنسان، وروى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قصة امرأة رفاعة القرظي. وأنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو فقر زوجها الجديد عبد الرحمان بن الزبير : >والله ما معه يارسول الله إلا مثل هذه الهَدْبَة< وأخذت هَدْبَة من جلبابها، وقد عنون البخاري لهذا الحديث >باب الإزار المهدب< قال ابن حجر في الفتح ويقصد به التجمل. وفي صحيح البخاري أيضا أنه صلى الله عليه وسلم كان يلبس الرداء والقميص. وروى البخاري أيضا عن المغيرة رضي الله عنه قال >كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فقال : أمعك ماء؟ قلت نعم فنزل على راحلته فمشى حتى توارى عني في سواء الليل، ثم جاء فأفرغت عليه من الاداوة فغسل وجهه ويديه وعليه جبة من صوف فلم يستطع أن يخرج ذراعيه منها حتى أخرجهما من أسفل الجبة…< الحديث وفي رواية الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم لبس جبة ضيقة الكمَّين… والجبة ثوب سابغ واسع الكمين غالبا مشقوق المقدم يلبس فوق الثياب -المعجم الوسيط- وفي البخاري أيضا -أنه صلى الله عليه وسلم- كان يلبس البرنس والبرنس قلنسوة طويلة >مختار الصحاح< وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس السراويل والعمائم، وقد كان أحب الثياب إليه البياض، وذكر الحافظ ابن حجر في الفتح أن أبا داوود أخرج من حديثه أبي رمثة أنه رأى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبين أخضرين. وكما كان يلبس الثوب القديم كان صلى الله عليه وسلم يلبس الثوب الجديد أيضا وهذا في البخاري وغيره. وروى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يلبس المحرم ثوبا مصبوغا بوَرْس أو زعفران >الروس بوزن فلْس : نبت أصفر يكون باليمن يصبغ به >المختار< والزعفران نبات معروف يصبغ به أيضا قال ابن حجر : وقد أخذ من التقييد بالمحرم جواز لبس الثوب المزعفر للحلال قال ابن بطال : أجاز مالك وجماعة لباس الثوب المزعفر -الأصفر- للحلال وقالوا : إنما وقع النهي عنه للمحرم خاصة وحمله الشافعي والكوفيون على المحرم وغير المحرم قال الحافظ : وحديث ابن عمر الذي رواه البخاري في >باب النعال السبتية< يدل على الجواز فإن فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصبغ بالصفرة وروى البخاري عن البراء قال كان النبي صلى الله عليه وسلم مربوعا وقد رأيته في حلة حمراء ما رأيت أحسن منها فهذه الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضح حقيقة اللباس المطلوب في الشريعة وهو ما تيسر كان أبيض او أحمر أو أسود… وكان قميصا أو جبة او رداء او إزار…. او غير ذلك وهذا يدخل تحت القاعدة السابقة >كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك اثنتان سرف ومخيلة<

ملاحظة : ورد النهي عن لباس المعصفر وهو المصبوغ بالحمرة وغالبا ما يكون حريرا وعليه يحمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم -لعبد الله بن عمرو، إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها< قال النووي في شرح مسلم : اختلف العلماء في الثياب المعصفرة فأباحها جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك ولكنه قال غيرها أفضل منها وحملوا النهي على كراهة التنزيه لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم  لبس حلة حمراء. قال وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صبغ بالصفرة. وقد تقدم كل هذا والحمد لله.

2- السنة تحب جمال الثوب وزينته. قال ابن القيم رحمه الله وهو يتحدث عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللباس…. وكذلك لُبس الرفيع من الثياب يذم إذا كان تكبرا ويمدح إذا كان تجملا وإظهارا لنعمة الله وهي إشارة الى قوله صلى الله عليه وسلم >إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده< وروى مسلم عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : >لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة، قال : إن الله جميل يحب الجمال< “الحديث”. وأخرج مالك في الموطأ عن جابر بن عبد الله في قصة غزوة بني أنمار- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا عليه بردان قد خلقا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  لجابر أماله ثوبان غيرهما؟ فقلت -جابر- بلى يارسول الله له ثوبان في العيبة -مستودع الثياب- كسوته إياهما قال فادعه فمره فليلبسهما قال فدعوته فلبسهما ثم ولَّى يذهب قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما له ضرب الله عنقه أليس هذا خيرا له؟ قال : فسمعه الرجل فقال : يارسول في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله قال فقتل الرجل في سبيل الله. وأخرج مالك في الموطأ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : إني لأحب أن أنظر إلى القارئ أبيض الثياب. وأخرج -أيضا- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: >إذا أوسع الله عليكم فأوسعوا على أنفسكم< وأخيرا فقد روى الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال لرجل سأله : ماذا ألبس؟ فقال : مالا يزدريك فيه السفهاء ولا يعيبك به الحكماء.

3- لباس الحرير يجوز للرجال : يرى جمهور الفقهاء على أن لباس الحرير حرام على ذكور المسلمين حلال لاناثهم، وذلك للأحاديث الآتية فقد روى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن خواتيم الذهب وعن شرب بالفضة وعن المياثر الحمر وعن لبس الحرير والاستبرق والديباج والقسي< قال النووي : المياثر جمع مئثرة وطاء ويوضع على السروج – يكون من الحرير فإذا لم يكن من الحرير فلا يمنع والقسي ثوب مخلوط بالحرير. والديباج والاستبرق نوعان من الحرير كذلك”شرح مسلم للنووي” وروى مسلم -أيضا- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه رأى حلة سِيَرَاء عند باب المسجد فقال : يارسول الله لو اشتريت هذه فلبستها للناس يوم الجمعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم >إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الاخرة< وفي معنى >حلة سيراء< أقوال ذكرها النووي ثم قال : والصحيح أنها كانت حريرا محضا وروى الترمذي عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال >حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لإناثهم< قال قاضي أبو بكر بن العربي في “العارضة”: تكلم قوم في الحكمة التي نهي عن لبس الحرير لأجلها، فقال قوم لئلا يتشبه بالنساء، وقال آخرون لما فيه من الاسراف وقال آخرون لما يحدث من الخيلاء. ورجح القاضي أبو بكر أن النهي لمعنى السرف، وذكر الدكتور القرضاوي في حكمه هذا التحريم ثلاثة معان :

المعنى الاول : معنى تربويا أخلاقيا قصد به صون الرجل من التكسر والانحلال الذي يجر -غالبا- إلى الضعف والخور. وهذا لا يليق بالرجل الذي عليه تبعات جسام ومسؤوليات عظام.

المعنى الثاني : معنى اجتماعيا يتمثل في موقف الاسلام على وجه العموم من الترف الذي ينذر بالهلاك وهو مظهر للظلم الاجتماعي حيث تتنعم القلة المترفة على حساب الأكثرية البائسة.

المعنى الثالث : معنى اقتصاديا وهو اعتبار له وزنه وقيمته.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>