أولويات في البناء الحضاري


أولويات في البناء الحضاري تحدثنا في مقال التنمية الثقافية والبناء الحضاري -العدد 15- عن أهمية البعد الفكري والثقافي في عملية النهوض والتغيير الإجتماعي من خلال الإستقراء المتواضع >للتجربة الأولى< ومحاولة فهم تعض نتائج إعلان >إقرأ< التي انتهت بإخراج أمة الإستخلاف والشهادة على الناس. وانتهينا إلى ضرورة بلورة الإستراتيجية الثقافية والإجتماعية وإيجاد المشروع البديل القادر على تأسيس الفعل الثقافي الحضاري. وفي هذا الموضوع سأركز اهتمامي (بحول الله) على فكرتين أساسيتين أراهما من أولويات البناء. 1- إعادة بناء الإنسان الرسالي القوي. 2- إعادة بناء النسيج الثقافي الإجتماعي الإسلامي. ففي غياب الإنسان القوي والمجتمع المؤهل لا يمكن أن يُسِلِّم الله لنا مفاتيح النصر والعزة والشهادة على العالم >إِنَّ اللهَ لاَيُغَيِّرُ مَا بِقْومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ< (الرعد : الآية 11) بل كيف يمكن للإنسان المتخلف الضعيف أن ينقذ نفسه أو غيره؟!! وكيف يمكن للجسم الذي يفْتِك بعضه بعضا وإذا اشتكى منه عضو لم يتداعى له العضو الآخر، إن لم يزده شدة وألما، كيف يمكنه أن يحمل رسالة الشهود الحضاري؟!!. – من أجل إعادة بناء المسلم الرسالي والقوي يعتبر الإنسان اللبنة الأولى لأي بناء حضاري، والخلية التي يُؤدي نموها الطبيعي إلى تَكَوُّن النسيج المتكامل الذي يؤدي دوره ووظيفته بشكل دقيق. لهذا فإن العناية بعنصر الإنسان أمراً أساسياً مثل تلك العناية التي تحتاجها >الخلية الأولية< أو >البويضة< حتى يتشكل الجسم المكتمل. وتتمثل هاته العناية في توفير الأغذية الضرورية (البروتينات، السكريات، الذهنيات، الماء، الأملاح…) وحمايتها من الميكروبات الخارجية الضارة. ومن المعلوم أن العناية تستمر مدة محدَّدة (9 أشهر) داخل رحم الأم حتى يكتمل تطور الخلية الأولية وتنضج كل الأعضاء الجسمية والأجهزة الدفاعية التي تحمي الجنين وتجعله قادراً على المقاومة والمجابهة (مجابهة العالم الخارجي). إن هذه السنة الربانيَّة التي تنطبق على الخلية الحضارية (الإنسان) خير درس في فهم عمق بناءوإعداد الإنسان الرسالي، القادر على المواجهة والتحدي. ذلك أن العناية >بالفرد  الخام<قصد تحويله إلى >الفرد القوي والفعَّال< تستوجِبُ تنقيته من رواسب الماضي : حب الرذيلة، الجهل، الأمية، احتقار الذات والتخلف… وتطعيمه بالأغدية المناسبة : حب الفضيلة، العلم، الشعور بالعزة،العلم والبناء… وتتطلب توفُّر جهاز مناعي قوي يحمي الفرد البسيط من كل الفيروسات (الظاهرة والخفية) ومن كل الميكروبات التطبيعية القاتلة. إن المتأمل الحادق يشعر بالحزن والقلق عندما ينظر إلى واقع الإنسان المسلم الذي غاب عن معركته الحضارية ودوره في قيادة العالم. وهذا إنما هو في الحقيقة إنعكاس طبيعي للأزمة الحاصلة في عملية بناء الإنسان وغياب النمو الطبيعي للخلية الحضارية، إذ لم نستطع بعد أن نخلصها من الأغذية المتَعَفِّنَة التي يكونها عَالمُ الجهل والأمية واللامبالاة… ولا تزال الفيروسات التدجينية، والتطبيعية، والإستعمارية تتكاثر يوماً بعد يوم. إنها وضعية خطيرة تجعل الإنسان يتخبط في إحدى الثقافات التالية : 1- >ثقافة اللاَّمبالاة< : عدم الوعي بدوره الرسالي وعدم اهتمامه بما يحدث في الواقع وبما يصنعه الآخر، وذلك  نتيجة لموت المنبه الداخلي الذي يُحَرِّكُ الإرادة والفعل. 2- >ثقافة الإِسْتِهْلاك< : إستهلاك أفكار الآخر كيفما كانت والقبول بكل الأغذية التي يصنعها العدو نتيجة لفقدان المناعة والحصانة الذاتية. إنها أزمة تحتاج إلى مراجعة شاملة ووقفة متأنية للبحث عن الأسباب (المباشرة وغير المباشرة) التي تعطل عملية بناء الإنسان الحضاري وتكرس بقاء الإنسان المتخلف الذي لا يدرك دوره ورسالته في الوجود. إنها وضعية تتطلب إعلان >حالة طوارئ< لوقف كل معوقات هذا البناء وتستوجب تكاثف جهود كل المخلصين من أبناء هذه الأمة قصد المساهمة في حركة إعادة البناء وتصحيح المسار وتحقيق القوة الذاتية بتشكيل الفرد المسلم الرسالي. ولا يمكن أن يكون هذا التشكيل صحيحاً ما لم يراع : 1- توفير الأغدية التربوية والفكرية التي تَشْحَذُ الفعالية والهمَّة الإنسانية وتحقق غاية الرسالية والحركية الذاتية التي تشبه وظيفة القلب الدي لا يتوقف عن الحركة والنبض، وإن عزلناه عن الجسم لكونه يتوفر على مقومات وخصائص لا تملكها الأعضاء الأخرى التي تنعدم حركتها عند عزلها عن الجسم. 2- تحقيق القطيعة مع رواسب التخلف والعجز الحضاري. 3- تحصين الذات بالأمصال الإيمانية والفكرية للوقوف في وجه الذوبان التطبيعي والإستعماري وكل أساليب الإقتحام التطبيعية والإستعمارية. 4- تعميق الوعي بفهم الواقع للتعامل معه بعقلية مرنة تحسن الرفض والقبول بحساب دقيق. لقد أصبحت إعادة تشكيل العقلية الإسلامية وبناء الإنسان الرسالي، الفعال والقوي من أولى الأوليات في عملية النهوض، وصدق الله العظيم إذ يقول : >إن الله لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأنْفُسِهم< (الرعد الآية 11).

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>