قضايا المراة بين التقاليد الراكدة والوافدة رهينة المحبسين : الجهل والفقر


قضايا المراة

بين التقاليد

الراكدة والوافدة

رهينة المحبسين : الجهل والفقر

كنت أتحدت في أحد الأندية عن حقوق المرأة المسلمة، فقلت : إن  لها حق الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وتدريس هدايات الإسلام ومجادلة الملحدين فيها.. إلخ فإذا شخص يقول لصاحبه : كنانظن هذا المحاضر رجلا صالحا فتبين أنه ألعن من قاسم أمين!.

وتذكرت ما قاله الأستاذ أحمد موسى سالم عن قاسم أمين وعن الدور الذي قام به في الدفاع عن الإسلام ضد الغزو الثقافي الفرنسي  الذي حمى واشتد في عصره…

بدأ هذا الغزو بهجوم من المؤرخ >أرنست رينان< على العرب والمسلمين تصدى له جمال الدين الأفغاني فأبطل حجته ، وكشف تعصبه، ورد عن الإسلام أباطيله، وبدا الخصم العنيد وكأنه قد لان واستكان لما سمع!.

ثم اشتبك في هذا الحوار المخطط الشيخ محمد عبده ليرد على إفك وزيرخارجية فرنسا >مسيو هانوتو< الذي طال افتراؤه على الإسلام واتهامه لنبيه -عليه الصلاة السلام-، فكان كتاب الشيخ محمد عبده عن علاقة العلم بالدين الذي ألفه في ليلة واحدة قاطعا للسان الوزير الكذوب .

قال الأستاذ أحمد موسى : وكان دور قاسم أمين في هذا الحوار جاهزا .وكان محوره الأساسي هو المرأة في الشريعة الاسلامية، وكانت المبارزة  التي خاضها مع الخصم الفرنسي الثالث>دوق داركور< الذي أصدر سنة 1893 كتابا عنوانه >مصروالمصريون< تناول فيه حياة المجتمع المصري أيام الحكم المملوكي والتركي، وهي فترة بلغت ستة قرون عجاف تراجعت فيها خصائص الحياة عن جمهرة الأمة الإسلامية، مما جعل> دوق داركور< يبسط قلمه بالأذى، ويرسم صورة قاتمة وبذيئة للشعب كله، ويخص المرأ ة بمزيد من التجريح والزراية… ويرد ذلك كله إلى طبيعة الإسلام المتأبِّية على الترقي والحضارة..!!.

ماذا فعل قاسم أمين ليدافع عن دينه وأمته؟ سارع إلى تأليف كتاب بالفرنسية فَنّد فيه أقوال خصمه، وشرح حقوق المرأة فى الاسلام، وما كفله الدين لها من كرامة مادية وأدبية، ووازن قاسم أمين بين حجاب السترة والإحتشام عندنا وبين تبذل المدنية الحديثة وما أحاطت به أوضاع المرأة من انحلال وتهتك ..!.

إن ما فعله قاسم أمين كان محكوما بأمرين أولهما الدفاع عن الإسلام المفهوم من مصدريه الرئيسيين والآخر الاعتذار عن تخلف المرأة بأنه من تقاليد غريبة على التوجيه الإلهي ناشئة عن أخطاء الشعوب!.

وما يستطيع الرجل أن يفعل إلا هذا! هب أن أوربيا أو أمريكيا اتهم الإسلام بأنه يحظر على المرأة الذهاب إلى المسجد، وأن الإسلام بهذا الحظر دين شاذ، لأن الأديان كلها لا تمنع النساء من التردد على بيت الله، أو على معبدها الخاص بها.. فماذا أقول له؟ أأصدقه في اتهامه؟ أم أقول له : إن هذا الحظر ليس من تعاليم الاسلام، وإنما هو من تقاليد بعض البيئات! أدافع عن الإسلام صادقا؟ أم أدافع عن المنتمين إليه كاذبا؟

لقد رأيت بعض الإسلاميين يفقد وعيه في الدفاع عن موروثات ماأنزل الله بها من سلطان، كأن من السهل عليه أن يكذب الله ورسوله، ولاتمس عادات تلقاها عن آبائه..!!.

هناك حراس للخطأ يرتفع عويلهم إلى عنان السماء عندما ينتقد هذا الخطأ، وقد كنت أول أمري قليل الاكتراث بهذا العويل، بيد أني وجدته يتحول على مر الأيام إلى ضغينة على المصلحين واستباحة لأعراضهم لايمكن السكوت عليها، لأن الدين نفسه سوف يضار من هذا السكوت، وسوف تتحول حقائقه إلى أباطيل.. وقد سمعت من يشتم جمال الدين ومحمد عبده ورشيد رضا، بل سمعت أطفالا ينالون من أقدار الأئمة الأعلام، لالشيء إلا لأنهم أتوا بما لم يعهدوه عن آبائهم الذين لايقلون عنهم جهلا..

لقد أدهشني أن نفرا من المتدينين يتناولونني بأقسى مما يتناولني به الصهاينة والصليبيون! وفهمت ما قاله الاستاذ عصام العطار : لو بذل أدعياء الاسلام في محاربة أعداء الله والمبطلين عشر ما يبذلون في حرب أولياء الله الصادقين لانتصر الاسلام من زمن بعيد. ولكن من النفوس ما ينشط في الباطل ما لاينشط في الحق، ويندفع لأهوائه ودنياه ما لايندفع لآخرته ومرضاة ربه عز وجل..

ثم يقول عصام العطار : كم احتقر هؤلاء الذين يعلقون أقذر مطامعهم وأهوائهم على مشاجب المثل العليا<.

إن هذا الكلام نتيجة معاناة مريرة أحسها الدعاة الجادون ! إننا ملتزمون بالوحي الأعلى لانزيغ عنه قيد أنملة، وملتزمون بعصر النبوة والخلافة الراشدة أما المسيرة التاريخية للأمة الاسلامية فإن التاريخ أعمال حكام ومواقف شعوب، وهذه وتلك ليست مسالك معصومة، بل قد يكتنفها الخطأ كما قد يحفها الصواب..أي أنه يحكم عليها ولايحتكم إليها،  والمقياس المعصوم كتاب الله وسنة نبيه..

وقد رأيت في أواخر عصر الجاهلية وبدايات عهد الاسلام أن المرأة حضرت بيعة العقبة دون اعتراض، وبايعت على الموت تحت الشجرة، أو على عدم الفرار. وكان مستحيلا أن يؤذن لها بذلك في أواخر التاريخ الاسلامي، فماذا يعني هذا الوضع؟

ولأترك أمر البيعة وشؤون المسلمين العليا، إنني عاصرت أوائل عمري معركة نشبت بعد ما اكتشف أن الدكتور طه حسين أذن لعدد من الطالبات بدخول كلية الآداب، عندما كان عميدا لها… كان موقف الايمان -أوبتعبير أدق- موقف المؤمنين أن ذلك لايجوز، أما الطرف الآخر والذي سمي بالملاحدة فهو الذي ناصر تعليم المرأة إلى أعلى المستويات!.

أي إنصاف للإسلام في هذه المعركة السخيفة؟ الدين مع الجهل، والإلحاد مع العلم؟ إلى متى نسمح لأناس يكذبون على الأرض والسماء باسم الدين؟

ولقد تحدثت مع المسؤولين في وزارة الشؤون الدينية بالجزائر أن تعقد في المساجد الكبرى حلقات وعظ وإرشاد وتربية للنساء خاصة في أوقات مختارة يقوم بالتدريس فيها خريجات الجامعة الاسلامية ! ولاأدري أننجح في هذا المسعى أم يتغلب المتفيهقون الجهال الذين يتصايحون بين الحين والحين بأن صوت المرأة عورة..! إن هؤلاء المتصايحين لا تتمعر وجوههم لبعثات التبشير التي تنجح فيها الراهبات  المسيحيات في بلوغ أهدافهن!.

إنهم مشغولون بشئ واحد، جعل المرأة رهينة محبسين من الجهل والقهر… وجعل الأمة كلها تترنح تحت وطأة التخلف الثقافي والسياسي في عصر الذرة والفضاء.

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>