مؤتمر القاهرة الدولي للسكان
يرفضه علماء الإسلام والفاتيكان بسبب الإباحية الجنسية
لم يحظ مؤتمر ينعقد في القاهرة بهذا الكم الهائل من الدعاية والحملات الإعلانية، مثل المؤتمر الدولي للسكان المقرر عقده بعد أسابيع قليلة، والذي تحشد له الحشود من الجمعيات الأهلية والمنظمات… ولم يدر المشاركون في هذا المؤتمر بأن المنظمين من هيئة الأمم المتحدة يريدون انتزاع الموافقة على قرارات خطيرة، في شكل وثيقة تقرها الدول المشاركة.وهذه الوثيقة التي عرضتها الأمم المتحدة على المؤتمر التحضيري الذي انعقد في نيويورك في أبريل الماضي قوبلت بمعارضة من >الفاتيكان< -الذي حضر كمراقب- وعدد قليل جدا من الدول الإسلامية لما تتضمنه من بنود تتعارض تماما مع الأديان السماوية والقيم الإنسانية.
من أبرز النقاط التي وردت في مشروع الوثيقة المقدم من الأمم المتحدة ما يلي :
1 – إباحة الإجهاض لكل الأعمار بحجة أنه وسيلة من وسائل التنمية، إذ يؤدي إلى قلة السكان فيرتفع المستوى المعيشي!!
2 – الحرية الجنسية للمراهقين والأطفال حرية مطلقة.
3 – حق المراهقين في أن تكون لهم حياة خاصة ومعلومات سرية لا تنتهك حتى من الأبوين، كأن تتناول البنات حبوب منع الحمل وتستخدم وسائل منع الحمل بدون موافقة الأبوين!
4 – يعاون المراهقون والأطفال على احترام الحقوق السابقة من الحكومات ومن المؤسسات الأخرى وعلى الوالدين احترام حقوق هؤلاء.
استنكر مندوب >الفاتيكان< عدم وضوح الألفاظ في مشروع الوثيقة واتهم الأمم المتحدة بوضع أفكار غير بريئة تحت ستار مسميات تحجب حقيقة ما يتضمنه المشروع.
فعنوان المؤتمر هو (مؤتمر السكان والتنمية)، إذ إن قضايا وموضوعات السكان وما يتصل بها من موروثات وتقاليد وأخلاقيات، خاصة بالشعوب والعائلة والوالدين والأبناء، وحرية كل فرد في حياته، وغيرها من قضايا تمس بجرأة وحرية الجانب الديني، إن لم نقل تهدم وتدمر تعاليمه وشعائره قد استغرقت 112 صفحة من المشروع الذي تقدمت به الأمم المتحدة، بينما اختزلت التنمية في 6 صفحات فقط بعد تدخل >الفاتيكان< وبالإضافة إلى عدم توازن طرفي موضوع المؤتمر : (السكان والتنمية) في العلاج والإهتمام، فإن وثيقة مشروع المؤتمر لم يرد بها مطلقا كلمة دين أوالحياة الروحية أوالأخلاق. وحين جاءت كلمة الحياة الروحية كان ذلك عند الكلام عن الهنود الحمر وسكان أستراليا القدماء، ولم يذكروا شيئا عن ذلك عند الكلام عن الإسلام والمسيحية.
وقد دفع ذلك الأسلوب بعض المندوبين إلى اعتبار أن هناك اتجاها فكريا خاصا لواضعي مشروع الوثيقة، ووصفوه بأنه أكثر من علماني بل إلحادي.
ولكن المعارضين للبنود الإباحية كانوا قلة وتمت الموافقة على كثير مما ورد في المشروع المقدم. وكانت الموافقة الكبيرة راجعة إلى خداع الأسلوب وعدم تحديد الألفاظ، والإيهام بأن ما في الوثيقة هو لصالح الدول الفقيرة وشعوب العالم الثالث، وكذلك لجهل مجموعة كبيرة من الحاضرين بالموضوع ونتائجه، حيث إنهم فهموا أن ذلك المشروع إنما هو إنجاز حضاري وتقدمي ولكنهم لم يقرأوا المشروع كاملا.
واستطاع مندوبو >الفاتيكان< وبعض الدول الكاثوليكية وبعض الدول الإسلامية خاصة مندوب الجزائر إلغاء الصريح والصارخ من الفقرات، فلم يتم التصويت عليها وإنما تم تأجيلها لإعادة مناقشتها في مؤتمر القاهرة، وكان يكفي أن يعترض مندوبو ثلاثين دولة ليلغى النص ولا يمر، ولكن عجزت أمة الإسلام عن أن تخرج منها ثلاثين دولة تقول لا لما يتعارض مع دينهم!! وتم انتزاع الموافقة على معظم بنود المشروع بسبب تكتل أمريكا ودول أوربا وإسرائيل لتمرير المشروع كما هو.
وأمام المعارضة القوية طلب الرئيس كلينتون من بابا الفاتيكان شخصيا تأييد الإجهاض وتخفيف معارضة الكنيسة الكاثوليكية للمقترحات المطروحة، إلا أنه فشل أمام إصرار البابا الذي وصفها بأنها >مقترحات غير أخلاقية< الأمر الذي دفع الرئيس كلينتون إلى أن يأمر وزير خارجيته بأن يكتب إلى سفراء أمريكا في العالم، حتى يوضحوا للحكومات أن المعونة الأمريكية لتلك الدول ستتأثر بموقفهم من تأييد او معارضة ما تضمنه مشروع وثيقة المؤتمر، في تهديد صريح للمعارضين.
وحتى الآن لم تعلن أية حكومة إسلامية موقفها الرسمي تجاه المقترحات التي تتعارض مع الإسلام، وبالتالي لم يظهر حتى الآن أي اتجاه لتوحيد الآراء تجاه بعض البنود المطروحة، مما يشكل خطرا حقيقيا على مستقبل الأمة، بل إن الموضوعات المطروحة مثل الإجهاض وغيره من موضوعات الحرية الجنسية غير واضحة بشكل قاطع لدى مندوبي الدول الإسلامية، ففي مؤتمر نيويوروك انتقد مندوب سوريا موقف الفاتيكان بحجة التقدمية والحضارة.
بيان لعلماء الإسلام والمسيحية
ونظرا لاستهانة معظم الحكومات الغربية بالأديان وأمام صمت الحكومات الإسلامية عقد ممثلون للديانتين : الإسلامية والكاثوليكية اجتماعا هاما، الشهر الماضي لتدارس الخطر الذي تريد أمريكا تمريره..وأصدروا بيانا جاء فيه : >نظرا للمسؤولية الكبرى لزعماء الديانتين الكاثوليكية والإسلامية، فإن الموقعين أدناه من الكاثوليك والمسلمين قد اجتمعوا بدعوة من الكرسي البابوي في مقر المجلس البابوي للحوار بين الأديان، وذلك لدراسة النقاط التي تثيرها مسودة الوثيقة النهائية لمؤتمر الأمم المتحدة للسكان والتنمية الذي سيعقد بالقاهرة في سبتمبر 1994 وبحثوا المسائل المتعلقة بقداسة الحياة البشرية، ودور الأسرة كقاعدة للمجتمع وتيار الإباحية الجنسية الذي ينبعث في أنحاء مختلفة من العالم، وحقوق ومسؤولية الآباء في التربية الأخلاقية والجنسية للأجيال الناشئة<.
وأكد البيان أن المجتمعين يعارضون الإتجاه الفردي الذي تنم عنه الوثيقة، فطبقا لهذه الوثيقة يكون كل فرد وحده، هو الذي له الحق في اتخاذ القرار بشأن الإنجاب حتى بدون اتفاق بين الزوجين. وطبقا لهذا الإتجاه الفردي تتجاهل الوثيقة حقوق المجتمع والأسرة التي هي أساسه وقاعدته..
ويؤكد المجتمعون أن الفردية المفرطة في العدوانية تؤدي إلى هدم المجتمع في النهاية. وتسيره نحو حالة من الإنهيار الأخلاقي والتسيب، والقضاء على القيم الإجتماعية.
وأضاف البيان : >وفضلا عن ذلك فإن المجتمعين اتفقوا على أن بعض النقاط التي تضمنتها هذه الوثيقة غير مقبولة للمؤمنين بالديانتين الإسلامية والمسيحية وأهمها :
1-تغيير مكانة الأسرة
فالأسرة -باعتبارها مستقر الحياة المشتركة للرجل والمرأة مع أطفالها- هي النواة الأساسية للمجتمع، فلا يدخل ضمن صلاحيات الأمم المتحدة أن تغير في دور هذه المؤسسة الذي استقر في الديانتين المسيحية والإسلامية، وقد أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بصراحة أن الأسرة هي الوحدة الطبيعية والأساسية للمجتمع.
2-التوسع في الإجهاض
فالأصل في الديانتين المسيحية والإسلامية هو أن الإجهاض شر خطير، فكان يجب تأكيد ما تقرر في مؤتمر مكسيكو، وهو أن تتضمن الوثيقة نصا صريحا على أن الإجهاض لا يجوز أن يكون وسيلة لما يسمى >تنظيم الأسرة<، وعلى ذلك فإن عبارات مثل >تنظيم الحمل< أو >صحية الإنجاب< أو >الصحة الجنسية< هي تعبيرات غامضة يجب استبعادها. والحكومات لا يجوز لها أن تفرض بصورة صريحة أو ملتوية أي ضغط على الزوجين أو على الأفراد للإلتجاء للإجهاض أو التعقيم.
3-حقوق الوالدين ومسئولياتهما
إن المسلمين والمسيحيين يعتقدون أن للوالدين الحق المقدس في أن يزودوا أطفالهم بحرمة كاملة للحياة والقيم الأخلاقية المستمدة من العقيدة الدينية، ولذلك فهم لا يقبلون ما تتبناه الوثيقة من أن المراهقين والأطفال يجب أن يفتح أمامهم باب الإجهاض وممارسة أساليب منع الحمل بدون موافقة الوالدين أو حتى بدون علمهم، وأن معنى هذا تشجيع التسيب في العلاقات الجنسية المبكرة بين الشباب، والسماح للمراهقين من الجنسين بممارسة العلاقات الجنسية بدون حدود ولا قيود!.
عن جريدة ” الشعب ” المصرية
بتصرف عدد 12 يوليوز 1994.