رسالة الرجل الأبيــض المزيفــة


رسالة الرجل الأبيــض المزيفــة

إن إنسان القرن العشرين ذو حظ عظيم يغبط عليه من طرف أصحاب القرون الغابرة.! ألم ينعم هذا الإنسان، وتكتحل عيناه برؤية حضارة الرجل الأبيض تتفتح أكمامها وتينع أزهارها المنبثقة من أساطيلها اللامعة التي تجوب أعماق البحار وتخوض لجج المحيطات، تحمل الخبز للجياع والحلوى للأطفال في ربوع العالم الثالث -مع معاملة تفضيلية امتيازية للمجتمعات “الأصولية”- تذرع بخيراتها القارات من أقصاها إلى أقصاها! ولا غرو، فنزعة الخير المتأصلة في أمريكا والروح الإنسانية التي تملأ قلبها، تذلل لها كل الصعاب، وتقرب لها كل المسافات.. كيف لا وسدنة تمثال الحرية وخدامه الأوفياء يكنون لهؤلاء الجياع المقهورين أخلص المحبة وأوفى التقدير، يعرب عن نفسه هنا وهناك في بقاع العالم الإسلامي،من خلال الأعراس الحمراء والإحتفالات البهيجة المفعمة بإطلاق النيازك والشهب اللاهبة. وينتصب دليلا على تلك المعاملة التفضيلية، قافلة إعادة الأمل التي سيرت ركبانها وقادت طلائعها المشرقة إلى أرض الصومال…فلم يبخل الرجل الأمريكي الطيب بدمه المخصاب، لقد جاء به بكل أريحية وإخلاص، وبنكران ذات على تلك الأرض الساحرة، وأهرقه مدرارا، قربانا للتمثال الرابض هناك في بلاد رعاة البقر، ولم يطو حقائبه ويقفل راجعا من حيث أتى، إلا لأن أهالي الصومال -ويا للأسف الشديد- لم يفهموا رسالته فراحوا يرجمونه بكل عناد، فكان ذلك مشهدا فريدا سجله التاريخ المعاصر على أن مجتمعات الجياع المتخلفين لم يعدم من يعلن العصيان، ويحمل لواء التمرد على بطلة النظام العالمي الجديد، بل ومن يعلنها حربا شعواء تزهق منهم الأرواح وتثخن فيهم الجراح. والشاهد في هذا الدليل هو أن حضارة رعاة البقر قد جادت بفلذات أكبادها ودفعت بهم بكل سخاء إلى بلاد الصومال، ولكنها ضنت بهم على بلاد التوتسي والهوتو، وعلى بلاد البوسنة والهرسك وغيرها واكتفت بإرسال وكلائها الأصفياءإليها مع إلقاء الهدايا الجميلة من أعالي الفضاء… أما هم فقد أخلدوا إلى أنفسهم في لحظات تأمل، فقد أصبح الناس يدركون جيدا معنى الأمل في القاموس الأمريكي وقاموس الرجل الأبيض بوجه عام، ولم يعد العالم يحتمل تكرار مأساة الهنود الحمر المساكين التي أطبق عليها الصمت. لقد فتحت ملاحم الفيتنام وملحمة الصومال وملاحم البوسنة -الهرسك وغيرها باب الأمل في تحرير الإنسان من بغي الرجل الأبيض.

عبد المجيد بنمسعود

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>