التـربية بالقـدوة


القدوة في التربية هي أنجع الوسائل المؤثرة في إعداد الولد خلقيا وتكوينه نفسيا واجتماعيا ذلك لأن المربي هو المثل الأعلى في نظر الطفل والأسوة الصالحة في عين الولد يقلده سلوكيا ويحاكيه خلقيا من حيث يشعر أو لا يشعر بل تنطبع في نفسيه وإحساسه صورته القولية والفعلية والحسية والمعنوية من حيث يدري أو لا يدري ومن هنا كانت القدوة عاملاً كبيراً في صلاح الولد أو فساده فإن كان المربي صادقاً أميناً كريماً عفيفاً نشأ الولد على الصدق والأمانة والخلق والكرم والشجاعة والعفة وإن كان المربي كاذباً خائناً متحايلاً بخيلا جبانا نذلا.. نشأ الولد على الكذب والخيانة والتحلل والجبن والبخل والنذالة…

إن الولد مهما كان استعداده للخير عظيمًا ومهما كانت فطرته نقية سليمة فإنه لا يستجيب لمبادئ الخير وأصول التربية الفاضلة مالم ير المربي في ذروة الأخلاق وقيمة القيم والمثل العليا ومن السهل على المربي أن يلقن الولد منهجا من مناهج التربية ولكن من الصعوبة بمكان أن يستجيب الولد لهذا المنهج حين يرى من يشرف على تربيته ويقوم على توجيهه غير متحقق بهذا المنهج وغير مطبق لأصوله ومبادئه.ومن هنا كان تقريع شاعرنا العربي أليما في المعلم الذي يخالف فعله وقوله: يا أيها الرجل المعلم غيره
هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى كيما يصح به وأنت سقيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل ما وعضت ويقتدي
بالعلم منك وينفع التعليم ولقد علم الله سبحانه وهو يضع لعباده المنهج السماوي المعجز أن الرسول المبعوث من قبله بأداء الرسالة السماوية لأمة من الأمم ينبغي أن يكون متصفاً بأعلى الكمالات النفسية والخلقية والعقلية.. حتى يأخذ الناس عنه ويقتدوا به ويتعلموا منه ويستجيبوا إليه وينهجوا نهجه في المكارم والفضائل والخلق العظيم منه ويستجيبوا إليه وينهجوا نهجه في المكارم والفضائل والخلق العظيم..
ومن أجل هذا كانت النبوة تكليفية ولم تكن اكتسابية.. لأن الله سبحان أعلم حيث يجعل رسالته وهو أدرى بمن يصطفي من البشر ليكونوا رسلا مبشرين ومنذرين لذلك بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم ليكون للمسلمين على مدار التاريخ القدوة الصالحة وللبشرية في كل زمان ومكان السراج المنير والقمر الهادي…
{لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة}، {ياأيها النبيء انا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا الى الله بإذنه وسراجًا منيرًا}.
ووضح الله سبحانه في شخص محمد صلى الله عليه وسلم الصورة الكاملة للمنهج الإسلامي ليكون للأجيال المتعاقبة الصورة الحية الخالدة في كمال خلقه وشمول عظمته…
سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : ((كان خلقه القرآن)).
إنها لإجابة دقيقة مختصرة شاملة ضمت في معانيها منهج القرآن الشامل ومبادئ الأخلاق الفاضلة.. حقاً إن النبي صلى الله عليه وسلم كان الترجمان الحي لفضائل القرآن والصورة المتحركة لتوجيهاته الخالدة….
من يستطيع أن يحوم حول حماه أو يصل نقطة من بحره العظيم؟
يكفيه عليه الصلاة والسلام فخرا وشرفاً وخلوداً أن يعلن عن نفسه أن الله سبحانه صنعه على عينه وأدبه فأحسن تأديبه ليكون دائمًا كالعافية للأبدان والشمس للأكوان والبدر المتألق في بحار الظلمات.
روى العسكري وابن السمعاني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((أدبني ربي فأحسن تأديبي)) ومما يدل على تأديب الله له وأنه صلى الله عليه وسلم محوط بالعناية الربانية اتصافه بصفات النبوة الأساسية قبل النبوة وبعدها، فمن المعلوم أنه صلى الله عليه وسلم لم يقترف إثمًا من آثام الجاهلية بل كان معروفاً بالمعفف الطاهر أما من ناحية صدقه وأمانته فكانت الجاهلية تناديه بالصادق الأمين وهي التى قالت له في مجتمع كبير من الناس :ما جربنا عليك كذباً. أما من ناحية ذكائه وفطانته فكان لا يدانيه أحد.. ويكفيه صلى الله عليه وسلم شرفاًً وفخراً وخلودًا أن استطاع بتدبيره وحكمته أن يضع لقومه الحل المناسب في وضع الحجر الأسود وأن يخلص الناس من حرب طاحنة مدمرة لا يعلم مداها إلا الله وحده أما من ناحية تبليغ الدعوة فكان عليه الصلاة والسلام لا يطيب له نوم ولا يهنأ له عيش ولا يرتاح له بال حتى يرى الأمة قد استجابت لدعوة الإسلام ودخلت في دين الله وكثيرًا ما كانت الآيات تنزل حاضة النبي صلى الله عليه وسلم على أن يخفف من همه وحزنه ويهدىء من حركته وتبليغه حتى لا تذهب نفسه حسرات وحتى لا يتعرض جسمه للهلاك..فمن هذه الآيات :
{فلعلك باخع نفسك على آثرهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا}
{إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء}
{فلا تذهب نفسك عليهم حسرات}
ومع كل هذا كان عليه الصلاة والسلام مضرب المثل في صموده وثباته وصبره واحتماله ومثابرته وجهاده وهكذا الرسل من أولي العزم يجتهدون ويجاهدون حتى يروا أقوامهم دخلوا في دين الله أفواجا……

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>