دعيتُ لإلقاء عرض في شأن جدوى القراءة في زمن الاكتساح المعلوماتي بإحدى المؤسسات التعليمية الخاصة، وأنا أبحث في عدة مراجع لتهييء مداخلتي، استوقفتني بعض الدرر لرواد عرب وأجانب تبرز مدى الحيز الهام الذي كانت تحتله القراءة في حياة هؤلاء… يقول عباس محمود العقاد : “… لست أهوى القراءة لأكتب أو أزداد عمرا في تقدير الحساب، إنما أهوى القراءة لأن لي في هذه الدنيا حياة واحدة، وحياة واحدة لا تكفيني، ففكرتك فكرة واحدة، وشعورك شعور واحد، وخيالك خيال واحد، ولكنك بالقراءة تلتقي فكرتك بأفكار أخرى، وشعورك بشعور آخر، وخيالك بخيال غيرك، وهكذا تصبح الفكرة مئات الأفكار…”(1)… وسأل أحد أبناء الفيلسوف الأمريكي وليم جيمس أباه :
- إذا سألني الناس عن مهنتك ماذا سأقول لهم؟ فرد عليه : قل لهم يا بني، إن أبي دائم التجوال، يلتقي الأدباء والعلماء والمفكرين من كل عصر وجنس ودين، يصغى إليهم سواء كانوا أمواتا أو أحياء، يصافحهم، ويكلمهم رغم بعد المسافات. الذين يزعمون أن زمن القراءة ولى بدخول عالم التكنولوجيا واقتحامه لكافة مجالات حياتنا واهمون… فحياة الأمة ما زالت تقاس بالكم المعرفي الذي تستهلكه عن طريق القراءة، والكم المعرفي الذي تنتجه عن طريق الورق، وهكذا كانت الحضارات ومازالت، فاليونان نشرت سيطرتها على المعمور حينما كانت أمة قارئة ومنتجة للفكر، والحضارة الإسلامية سادت العالم قرونا عدة لما كان للقراءة مكانتها وريادتها، والحضارة الغربية اليوم تهيمن على سائر الحضارات بما تقرؤه وتبدعه، فالإنسان الأمريكي يقرأ ما معدله أحد عشر كتابا في السنة والإنسان البريطاني يقرأ ما معدله ثمانية كتب في السنة، بينما نساء العالم العربي يقرأن ما معدله نصف صفحة في السنة، حسب ما أوردته المنظمة العالمية للتربية والعلوم (اليونسكو).. هنا يكمن الخلل!!… فتحت سن القلم يصنع مستقبل الأمم، والأمة التي لا تقرأ تموت قبل أوانها كما قال مالك بن نبي رحمه الله.. وصدق رب العزة الذي جعل من هذه الأمة أمة اقرأ : {اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم}(العلق) صدق الله العظيم.
—— 1-2- كتاب : القراءة أولا، دار الفكر -بيروت- الطبعة الثانية المؤلف : محمد سالم عدنان 1994