حددت القاعدة الأولى مقامات القول وظروفه ودواعيه (لكل مقام مقال). والقاعدة الثانية (لا كلام إلا ما تحته عمل) تندرج في نقطة مهمة من الأخرى، وهي دواعي الكلام. وهي تعني أن الكلام ا لذي لايندرج تحته عمل هو عبارة عن اللغو الذي لافائدة منه. وهي تدعو في ماتدعو إليه إلى قلة الكلام وكثرة العمل، وهي موافقة لمعنى الحديث المشهور : ” من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه” (رواه الترمذي)، فلو ترك كل مسلم مالايعنيه وقام بواجب مايعنيه، لكثر الخير وعمت البركة وانتظمت الأمور، وقل الخلاف وتقاربت الآراء. ومما يمكن إدراجه ضمن “لاكلام إلا عما تحته عمل” أن ” يتكلم العالم ويسكت الجاهل”، فاالجاهل بكل علم لايحق له أن يتكلم فيما لايعلم، لأنه لاعمل تحته، بل تحته الفتنة والخلاف الذي لاينبني على علم.
وهذه القاعدة تعتبر من أعم وأهم القواعد التربوية، ومجالات تطبيقها كثيرة جدا، فالمربي يصدر عنها في حديثه مع المربى من بدء تربيته إلى نهايتها، والمربي يصدر عنها في كل مجالات عمله التربوي.
فيميز بين الحديث مع الفرد والحديث مع الجماعة.
والمربي يصدر عنها في أحاديثه وتوجيهاته التربوية والدورات التكوينية و….
وبكلمة جامعة، في جميع المجالا ت التي يتكلم فيها أو يتصرف فيها أو يكتب فيها، بل حتى حين يفكر ويخطط ويرتب، كل ذلك ينبغي أن يكون الفكر فيه والقول والفعل والصمت مناسبا كل المناسبة لمقتضى المقام، وقديما قال العلماء : البلاغة مطابقة الكلام لمقتضى الحال. وقديما قالوا أيضا : البلاغة تكون في النطق وفي الصمت وفي القلم وفي اللسان وفي الفكر وفي الفعل. قال تعالى : {وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا} (النساء : 62). أي : قولا يدخل القلوب ويقتحمها، مؤثرا، محدثا الأثر المطلوب، وكيف يكونالقول بليغا إذا لم يكن موافقا للمقام؟.
وبالجملة فإن لكل مقام مقال يعني : مطابقة المقال لمقتضى الحال، وهي بذلك تعني مطابقة الفعل لمقتضى الحال ومطابقة الفكر لمقتضى الحال ومطا بقة التخطيط والترتيب لمقتضى الحال، ومطابقة الصمت لمقتضى الحال، ومطابقة المواقف لمقتضى الحال، ومطابقة البطء لمقتضى الحال ومطابقة السرعة لمقتضى الحال… إلخ.