نحو وعي تربوي – دروس نبوية للنساء (3)


إن  الحقائق التي أشرنا إليها في وضع المرأة في العدد السابق، والأخطار المحدقة بها وبالمجتعات عن طريقها، كانت موضع اهتمام في الإسلام بما نزل في كتاب الله عزوجل من آيات، وبما ورد فيها من أمثلة على مصير المجتمعات والأمم التي تستجيب لدعوات الشيطان وسبل الإغراء والغواية والشهوات، كما فيه أمثلة على مواقف الصالحات، وجزائهن في الدنيا والآخرة.

وكذلك في حديث رسول الله  الذي ترك لنا الصور العملية، والنماذج الحية لمجتمع النساء المؤمنات، ومسؤوليتهن الكبيرة في حمل الأمانة، وتبليغ الرسالة، وبناء المجتعات، وإقامة الدول على شرع الله عزوجل.

وليس من قبيل المصادفة أن يقضي الله عزوجل لرسوله الخاتم بأن يتزوج من خديجة رضي الله عنها المرأة الوضيئة الرزينة العاقلة الحصينة الطاهرة(1)، التي استعلت على مغريات الجاه، والشهوة والإطراء والمال، واختارت الاستقامة والعفة والرشاد وكانت فيما بعد الزوجة الصالحة الوفية، والأم المربية المؤمنة التي ضربت أروع الأمثلة، في بناء الأسرة المؤمنة الصالحة، الأسرة الواعية الراعية، الأسرة التي تقف جسدا واحدا للوصول إلى تبليغ الرسالة. ولهذا استحقت أن تكون من خير نساء الدنيا : ( عن أنس قال : قال رسول الله  : >خير نساء العالمين: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد <.

وقال : >أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون<(2).

وقال عليه الصلاة والسلام، نقلا عن جبريل عليه السلام : >بشر خديجة ببيت في الجنة من قطب، لانصب فيه ولا صخب<(3).

أليست هي الزوجة -لرسول الله  - الرفيقة الصالحة، التي قالت لزوجها وهو عائد من غار حراء، وفؤاده يرتجف، وهو يقول : >زملوني زملوني<وسمعت منه ما رأى : >كلا والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتقري الضيف وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الدهر< ثم بشرته وقالت: >أبشر يا بن العم واثبت، فوالذي نفس خديجة بيده، إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة<.

ثم تحققت من نظرتها هذه عندما ذهبت مع رسول الله  إلى ورقة بن نوفل -وكان من الحنفاء-وسمعت منه ما يؤكد ذلك. وكانت أول من أسلم، وكان بيتها هو أول بيت في الإسلام، وكان إيمانها أمنا وسلاما، حيث كانت هي السكن الذي يأوي إليه رسول الله  بما فيه من رحمة ومؤازرة وتصديق وتثبيت وتشجيع، وتخفيف عما يلاقي من الأذى والمتاعب والمعارضة (4). وبذلك أصبح لخديجة منزلة فوق منزلة نساء النبيين جميعا، وصارت لها منزلة في الذروة من نساء العالمين. ولا عجب في ذلك أن يصنع لنا رسول الله  منهجا في التعامل مع الزوجة الوفية، والوفاء مع الشريكة الصالحة، فيعلن مخاطبا أم المؤمنين عائشة، بأنه لم يبدله الله عنها، وأن يسمي العام الذي توفيت فيه عام الحزن، فهي التي أذهبت عنه الحزن يوم جاءها يرجف فؤاده من أول لقاء الوحي الإلاهي وهي التي كانت تأسو جراح قلبه كلما لقي من قومه صدودا أو أذى، وهي التي شاركته في حمل ضرائه، وبذلت له المال والنفس لمرضاة ربها عزوجل.

وظل  يذكرها دائما بالخير، يحب من كانت تحبه، ويواد من كانت توده ويقول : >ما أبدلني خيرا منها، وقد آمنت بي إذ كفربي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وآستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء<(5).

ذ. محمد حسن بريغش

————-

(1) أسد الغابة – ترجمة خديجة  رضي الله عنها : >قال الزبير : كانت تدعى في الجاهلية الطاهرة و روى ابن إسحاق أنها كانت امرأة حازمة لبيبة، شريفة … وكانت أوسط نساء قريش نسبا، وأعظمهن شرفا، وأكثرهن مالا…<  صحيح البخاري (3432) و (3815).

(2) صحيح مسلم(2430) و (2432) و (2433) والمسند والترمذي والبزار وعبد الرزاق وغيرهم.

(3) البخاري (3815) و (3432) وغيره.

(4)خاتم النبيين / د . محمد أبو زهره ج 1 418-416/

5) المرجع السابق ج1 581/

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>