الإعلام هو إيصال المعلومة، وعملية التوصيل هذه تتركب من عناصر عدة تتكامل معا لبلوغ الهدف المطلوب، هذه العناصر هي :
- المعلومة بحد ذاتها من حيث ثبوتها ومضمونها وصوابها.
- المُعلم الذي ينقل المعلومة لجهة طريقة عرضها.
- الوسيلة المستخدمة لإيصال المعلومة.
- المتلقي الذي يتلقى المعلومة.
ولئن كان الإعلام هو بث المعلومة، فإن التحكم الإعلامي يعني كيفية استعمال هذه المعلومة، وتوظيفها في تغيير مجرى التفكير ودفع الاتجاهات النفسية إلى أهداف مقصودة ومحددة مسبقاً، وعملية التحكم هذه هي الأهم، إذ تكمن وراءها مجموعة علوم وخبرات وتخصصات تساهم في صناعة الاتجاهات التفكيرية والنفسية، فيما يعرف بالرأي العام.
أهمية الإعلام
كل حركة شمولية أو جزئية تحتاج إلى الإعلام لتضمن لنفسها الحياة بناء على الرسالة التي اختارتها لنفسها، ولكن الحركة الإسلامية هي أكثر من يحتاج إلى الإعلام لتبليغ الرسالة التي أنزلها الله وأمر بتبليغها.
إن عنصر المعلومة لدى المسلمين على درجة كبيرة من الأهمية لأن فيه السعادة في الدنيا والآخرة، وهو قول من رب العالمين ورسوله الأمين، وفي الحالين فإن الصوابية مطلقة، هذه هي الرسالة التي يحملها المسلمون والرسالة تعني الإعلام.
الإعلام مع تطور وسائله
كان الإعلام بالماضي ضرورة للتعبير عن الذات، إلا أنه اليوم أكثر من ضرورة. كأن الإعلام فيما مضى انعكاساً للحدث، لكنه اليوم أصبح هو الذي يصنع الحدث لما له من دور في صناعة القناعات وتالياً تشكيل القوى الشعبية.
بمقدور الصناعة الإعلامية اليوم أن تستعمر شعوباً دون أن تدري، بل شعوباً ربما تبالغ في التغني بالاستقلال والسيادة في حين أن المستعمر يجتاح بيوتها ومعتقداتها يومياً عن طريق الإعلام.
في عالم اليوم نعيش في دول مختلفة سياسياً وجغرافياً،ولكننا نعيش في دولة واحدة إعلامياً، لأن وسائل الإعلام الحديثة حطمت الحدود الجغرافية واختزلت المسافات والأزمان، لدرجة أن الإنسان بات بمقدروه أن يحمل العالم في حقيبة يد تزوده بجميع أخبار الأرض والفضاء لحظياً.
وعليه فإن مفهوم السيادة الصارم بات شيئا من الماضي، لأن الإعلام صار قادراً على اختراق الحدود وبث المعلومة التي تسعد أو تغضب النظام القائم في أي بلد، فيما الأقمار الصناعية تجوب الفضاء وتعد أنفاس الناس، وكل ذلك يدعو للتوجس من خطر التحكم الإعلامي الذي بات صناعة من الحجم الثقيل، له أنشئت الجامعات والمعاهد وسُخرت العلوم والخبرات.
أين نحن من التطور الإعلامي؟
لن نجافي الحقيقة إذا قلنا أن الحروب والاشتباكات الإعلامية في هذه الأيام كثيراً ما تعلو على صوت الحروب والاشتباكات العسكرية، وأن الصناعة الإعلامية باتت في كثير من البلدان الغربية أهم من الصناعة العسكرية، أمافي بلدان المسلمين فإن التخلف الإعلامي واضح وهو أحد مظاهر التخلف العامة.
وإذا كانت الحركة المعوّل عليها لإعادة بعث النهضة في الأمة هي الحركة الإسلامية من خلال بث روح الإسلام فيها من جديد، فإن العبء في ذلك سوف ينصب على القسم الإعلامي في الحركة، التي لا تملك إلا الكلمة الطيبة التي تمكث في الأرض بأصل ثابت وفرع ممتد لينير الدرب للعالمين، فهل كان الجهد المبذول في هذا الواجب على القدر المطلوب؟ بالطبع لا، إن الإسلاميين لم يؤثروا بالشكل المطلوب في الشريحة الأقرب لهم وهم رواد المساجد، فكيف بالشرائح الأبعد عنهم؟ بدليل أن نسبة كبيرة من جمهور المسجد لا تمنح صوتها للمشروع الإسلامي إذا ما جرت الانتخابات نقابية أو بلدية أو نيابية أو رئاسية (في البلاد التي ينتخب فيها الرئيس مباشرة من الشعب).
هذا فضلاً عن التخلف عن إدراك الوسائل الإعلامية المتطورة التي ما زالت حكراً على المعادين يشوّهون فيها صورة الإسلام ويصنعون التيارات المناوئة له.
قد يقال في هذا المجال إن الاستبداد السياسي والاعلامي هو السبب، وقد يصح ذلك في أكثر البلدان الإسلامية المسكينة. ولكنه لا يصح في جميع البلاد الإسلامية، كما أن الوسيلة الإعلامية صارت على قدر من التطور بحيث تستطيع أن تتحدى الارادة السياسية في أي بلد من خلال التمركز خارج هذا البلد وممارسة دورها في البث الفضائي الرقمي العادي أو المرمز أو البث الطرفي من خلال شبكة الانترنت، وهنا يأتي دور العائق المادي الذي يكثر الحديث عنه..
إن أمراً بهذا القدر الهائل من الأهمية هو من أوجب الواجبات التي على الحركة الإسلامية أن تستعصر نفسها من أجل افراز المال الكافي له لأنه سلاحها الذي تكبر به وتنمو.
أما الوسائل التقليدية التي مازالت الحركة الإسلامية تمتلكها دون سواها كمنابر الجمعة ومحاريب الجماعة ومواقف الوعظ في المآتم والمناسبات، فإن الاستبداد والقمع يقف عاجزاً عن انتزاعها من الإسلاميين، وهي فضلاً عن ذلك لا تتطلب توظيفات مالية ترهق الحركة. ولكن هل أحسن استخدامها وتوظيفها في عملية التحكم الإعلامي؟؟ ونحن نشهد عدداً من الخطب الساذجة أو السطحية التي لا تحاكي هموم الناس، ومنها ما يزيد من الارتماء في أحضان الإعلام المضاد، ومنها ما هو حماسي يستثير العواطف ولا يحرك العقول!!
حلم الإعلام الإسلامي
إن ترشيد الخطاب المسجدي التقليدي ليس بالأمر العسير بالرغم من انتماء الخطباء إلى مشارب دينية متعددة. وهو ممكن من خلال نشرة أو مجلة أسبوعية تصل إلى كل خطيب أو واعظ لتمارس التوجيه العام في القضايا الكبرى على الأقل.
إلا أن استنقاذ الإعلام التقليدي ما هو إلا البداية، لأنه لابد من المطبعة الإسلامية والجريدة الإسلامية والإذاعة الإسلامية والتلفاز الإسلامي والمسرح الإسلامي.. ما استطاعت الحركة الإسلاميةإلى ذلك سبيلا.
فادي شامية
الأمان ع 99/382