المتخيل والواقع في الـ”إتم” و”2M”


الاعلام محراث الأرض وهو الوسيلة المثلى لتبليغ الأفكار والتصورات وتغطية الأحداث وتقريبها إلى أذن المتلقي وعينه حتى يكون على بينة مما يجري من حوله، ولذلك مطلوب فيه الصدق والأمانة والتحري. ونظرا لأهميته سواء كان مرئيا أو مسموعا أو مكتوبا فقد أصبح قوة وسلطة توجه الرأي، وهذا ما نلاحظه في البلدان التي تعرف قيمة الإعلام حيث لم يعد الاعلام يقتصر على وظائفه التقليدية، بل أصبح مقاولة تعتمد التسيير الذاتي، فأصبح بذلك مؤسسة تنتج وتراعي مصلحة المستهلك وتبحث عن الربح المادي والمعنوي. لكن للأسف الشديد أن إعلامنا الوطني السمعي البصري خاصة لم يفقه هذا الدرس، ولذلك فنصيبه في التنمية سواء كانت فكرية أو روحية أو مادية لازال هزيلا بالمقارنة مع طموحات المواطنين الذين يتشوقون إلى من يتكلم بلغتهم ولسانهم، ويعبر عن وجدانهم وشعورهم، ولعل ملاحظة بسيطة لواقع القناتين الأولى والثانية يوضح أننا أمام إعلام مشلول منه ما لا يسمع ومنه من يرى بعين واحدة ومنه ما هو أعرج يحتاج إلى كراسي متنقلة ومنه ما هو مريض يحتاج إلى طبيب جراح يداويه من علله، فهو يتكلم بغير لغتنا ويعبر عن مشاكل ليست في مجتمعنا، فالفن مثلا هو غذاء روحي وذوق حضاري سواء كان مسرحا أو سينما أو نشيد لكنه في عين الـ”إتم” و”2M” أغاني مصورة وصاخبة فيها عويل وهذيان وشطحات الحمقى والمجنونين وهو أيضا مسرحيات مدبلجة ساقطة فيها لغة سخيفة ومشاهد خليعة لا تراعي لأخلاقنا الإسلامية والوطنية حرمة ولا تبقي للانسان شخصية لما تحمله من رموز ودلالات ولما تروجه من مآسي تثقل كاهل الانسان الغربي كالقتل والسرقة والاغتصاب والخيانة والمطاردة، وكل هذا ينقل إلينا مصورا وسط طقوس مسيحية يهودية تحكي عن حياة الكنائس المشوهة المليئة بالتناقضات. وهو متابعة لمباريات في كرة القدم، أو اليد أو السلة أو التنس أو الگولف أو غيرها في أي نقطة من نقاط العالم مهما كلف ذلك من ثمن، بل قد تتوقف البرامج من أجل ذلك، ولكن الـ”إتم” لا تستطيع الخروج عن مدينة الرباط لمعاينة مشاكل المجتمع، اللهم إذا تعلق الأمر بالمواسم والأعياد ومناسبات الأضرحة مما يوضح أن العام زين بلغة المغاربة، أما “2M” فهي لا تخرج عن مدينة الدار البيضاء والله في عونها لأن المدينة كبيرة جدا تحتاج إلى قنوات! لكن هي الأخرى تشارك الأولى في خصائصها وتزيد عليها فهي عربية وفرنسية في آن واحد ولذلك ينبغي أن تقدم لكل ذوق طرف في طبق واحد فتمزج بين الشيء وضده وتمزج بين الحلو من الشيء ومره فتفسد الذوق كله، ولعل متابعة بسيطة ليوم واحد لبرامجها تبين لمن كان له حس حضاري أن هذه الإزدواجية تسبب في لَكْنَةٍ حضارية وانفصام في الشخصية ولذلك إما أن تكون عربية أو فرنسية فما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه.

أما بالنسبة للأخبار في القناتين فهي عبارة عن اجترار لما تنقله الفضائيات الاجنبية الشيء الذي يدفع المشاهدين إلى تتبع القنوات العالمية المختلفة حتى فيما يتعلق بالقضايا الوطنية ولعلني لن أبالغ إذا قلت أن الكثيرين يقفلون الشاشة عندما تأتي نشرة الأخبار نظرا للتعتيم الذي تمارسه في حق مشاكل المجتمع رغبة أو رهبة أو عجزا في الامكانيات أو نقصا في الكفاءات.

وأخيرا إذا كانت القناة الأولى قد وضعت الحبائل والمشانيق لأحلام الشعب طيلة عقود من الزمن فإن القناة الثانية بطابعها الفرونكفوني لا تعمل إلا على إطلاق البارود وتصويب المنجنيق اتجاه ذاكرة المجتمع، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن القناتين شر محض بل هناك مخرجون ومحررون ومراسلون ومديعون وأصحاب برامج وغيرهم ممن يستحق التحية والتقدير والاحترام لكن وزنهم بالمقارنة مع غيرهم خفيف ولذلك يحق لنا أن نقول: هل يصلح العطار ما أفسده الدهر؟ هذا هو الواقع وهو في أحسن أحواله تقليد ومحاكاة تشبه تماما تقليد الغراب للحمامة، أما المتخيل في الاعلام عامة والسمعي البصري خاصة هو أن يكون مرآة تعكس حقيقة المجتمع، إذ المطلوب فيه أن يجوب خلايا الدروب ويعانق هموم أصحابه أما القناتين الأولى والثانية فخيالهما يقول : “عيني بصيرة” لكن واقعهما ينادي “يدي قصيرة”. وفي ذلك دلالة على عجزهما إذ لا مجال لمقارنة متخيلهما بواقعهما سواء من المجتمع أو الفضائيات الأخرى فهما كالمثل الوارد في قوله تعالى : ((وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كلٌّ على مولاه أينما يوجهه لا يات بخير، هل يستوي هو ومن يامر بالعدل وهو على صراط مستقيم))(النحل : 76).

عبد الرحمان محجوبي

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>