الوعظ والخطابة  : واقع وآفاق


أما عن الاضطرابات والاخلالات المرصودة في واقع الوعظ والخطابة فيمكن تصنيفها إلى اختلالات في عملية التواصل برمتها، وعملية التواصل تتكون من المرسل، والمتلقي، والرسالة، لذلك نتحدث عن كل عنصر على حدة.

أولا : اخلالات في المرسل :(الخطيب أو الواعظ) :

- للأسف الشديد فإن عدداً كبيرا من الخطباء -مع احترامنا وتقديرنا للجميع- لا يدرك معنى الخطابة كفن من فنون الدعاية والإعلام وقيامه على : الإثارة، والإقناع،والإسْتِمَالَة.

- ومن الخطباء من يبالغون في الحماس في قضية لا تستحقه، ومنهم من يتناول الموضوع بكيفية باردة لا توقظ نائما ولا تهدي ضالا مما يفتح المجال للسأم والملل في نفوس المستمعين لايضع حداً له إلا سكوت الخطيب أو الواعظ.

- عدم وجود مركز لتكوين الوعاظ والخطباء لاجازتهم في هذا الأمر حتى لا يفتح المجال أمام كل من هب ودب للمارسة الوعظ والخطابة، وقد تكون هناك معايير غير مضبوطة في تحديد المواصفات المطلوبة في الخطيب والواعظ، والمعيار المعتبر الآن هو اجتيار امتحان تحت اشراف المجلس العلمي في الجانب المعرفي والعلمي دون اعتبارات أخرى تتعلق بالجَانب التطبيقي والأخلاقي وغيرهما.

- غياب فهم دقيق لشرائح الناس الذين يرتادون المسجد، وطبقاتهم الفكرية، وأحوالهم الاجتماعية وظروفهم المعيشية، فلا حياة لإعْلاَمٍ لا يعيش مشاكل الجماهير وقضاياه.

- تحويل المنبر الخطابي إلى بُرْجٍ عاجيٍّ يحجب الخطيب عن الجمهور المسلم فينعدم التواصل، وتبقى الخطبة مجرد صيحة في واد.

- الارتجال بلا كفاءة فقد يستغني الخطيب عن الورقة ويتحدث عن كل شيء ولا يقول أي شيء لذلك فإن تنظيم أذكار الخطبة شيء أساسيٌّ، وليس عيباً في الخطيب الماهر أن يرجع إلى الورقة.

ثانيا : اخلالات في الرسالة :

- الخطب الراتِبة الجاهزة للأسبوع والشهر والسنة والمكررة بنفس المادة والمنهج والأمثلة قد يحفظها الجمهور بكثرة سماعها، ويكون الهدف بمثل هذه الرسالة ملء الفراغ وتمثيل الدور المسرحي.

- اشتمال الخطبة الواحدة على عدة مواضيع لا يربط بينها رابط منطقي، ويُعَالَجُ هذا الإخلال بتوزيع المواضيع على عدة أسابيع لمعالجة كل موضوع على حدة.

- إهمال موضوعات أحداث الساعة التي تمس واقع المسلمين ووجودهم ومستقبلهم، وتعويضها بموضوعات لا يتفاعل معها الجُمهور لأنه لا يجد فيها مُتنفّسا لمشاعره وآلامه الغائرة، ولا يجد فيها موعظة مؤثرة تزيد من ايمانه عن طريق الترغيب والترهيب والتبشير والإنذار.

- الاطالة المملة الباعثة على الملل والضجر والنوم في كثير من الأحيان، ويُعَالَجُ بالتركيز الدقيق واختصار الخطبة إلى أبعد حد حتى لا يتجاوز الإلقاء : 15 إلى 20 دقيقة على الأكثر.

- ايراد الاستشهادات والأدلة دون شرحها وتوضيح معناها فيكون ذلك فتنة على المستمعين،لذلك يجب توضيح الاستشهاد والأقوال بكيفية مبسطة وسريعة لمخاطبة الناس على قدر عقولهم، وبدون إقلال ولا إملال.

- عدم بناء الأفكار والمعاني والاستنتاجات على أسس منطقية مقنعة تُراعي المقدّمة، والعرض، والخاتمة.

- استعمال أساليب القدح والسب والشتم وإعلان الحرب الشعواء على تاركي الصلاة، وعلى شاربي الخمر.. وتعيير التائبين بأنهم يَصلُّون صلاة الجُمَع، والأعياد، ورمضان فقط، والمطلوب استخدام أسلوب الترغيب والتيسير.

- استهلاك المنبر في بعض القضايا الجُزْئِية والخلافية الضيقة، بينما المنبر هو مركز توحيد وتصفيف للأمة وليس محلاً للخلافات الجزئية والمذهبية.

ثالثا : اخلالات في المتلقي :

- تفاوت الناس في درجات الفهم والاستيعاب يجعل الموضوعات الفكرية والقضايا الخاصة تحرم العامة من الاستفادة، والقضايا المبسطة تحرم الطبقة الخاصة والمثقفة، ويصعب ارضاء جميع الفئات ويعالج بتنوع الخطب وبالجمع بين الجوانب الفكرية والجوانب العاطفية والوجدانية.

- ما يريده الجمهور من الخطيب هو إعلان الخصومة والعداء للسلطة، واتهامها بالتقصير والانحراف الموجود في المجتمع، ومنهم من لا يرضيه إلا هذا التوجه، وإذا كانت الخطب موجهة إلى الإنسان المستمع ليصلح نفسه ويُغَيِّر ما بداخله هو {فَلاَ تَلُومُونِي ولُومُوا أنْفُسَكُمْ}(ابراهيم :24) أي أن بعض الناس يستنكفون لأنك تنبههم إلى عيوبهم، وطبيعة الإنسان أن يرى القذي في أعين الناس ولا يرى الحصاة في عينيه هو، وهذه إحْدَى بليات العصر مع الجمهور.

- تبرم الجماهير من الخطب المناسباتية المتعلقة بالأعياد الوطنية والأحداث الرسمية التي تشرف على موضوعها وزارة الأوقاف وتدعو إلى توحيدها وتعميمها، وهذه تعالج بتجديد النظرة للمناسبات، وتجديد التناول، وإعطاء الخطيب حرية التصرف، والاجتهاد والإبداع -إن كان ممن يستحقون اعتلاء المنبار-.

- تصنيف الخطباء والوعاظ بحسب توجهاتهم وانتماءاتهم مما يجعل بعض الناس يلصقون بكل خطيب أو واعظ -يافطة- عليها : خطيب سلفي -واعظ رسمي -خطيب تقليدي -داعية حركي.. فيقبلون على هذا ويعزفون عن الآخر تبعاً لمعرفة الحق بالرجال وليس معرفة الرجال بالحق، وهذه تعالج باختيار الخطباء الربانيين السالكين طريق الوسطية بدون تلوينٍ ولا مَيْل مع هذا أو ذلك.

اقتراحات من أجل النهوض بوظيفتي الوعظ والخطابة :

- العمل على إحداث وتشجيع مراكز ومعاهد لتأهيل الوعاظ والخطباء لتخريج إعلاميين مقتدرين : علما ومنهجا وأداء وتبليغاً وقدوة في القول والعمل.

- تأليف مرشد ودليل خاص بالوعاظ والخطباء يحتوي على المعلومات والتوجيهات التي تُعين الخطيب على مهمته، يشرف عليه لجنة من علماء المسلمين المتمرسين في مجال الدعوة إلى الله.

- تأليف كتاب أنموذجي في الخطب والمواعظ التي تغطي الموضوعات الإسلامية الأساسية : عقيدة، وعبادة وأخلاقا ومعاملات تكون موضوعاً للاستئناس من طرف المبتدئين، يُجَدَّدُ تنقيحُه بعد وقوع كل حدَق له تأثير على الوطن بصفة خاصة، والأمة بصفة عامة.

- إقامة صندوق الاقتراحات والتوجيهات والارشادات بكل مسجد ليرجع إليه الخطيب لتقويم خطبه ومواعظه.

- على الصحافة المكتوبة والمسموعة أن تعمل على نشر الخطب القيمة لتعُمَّ الفائدة ويتحقق المقصود.

- استغلال المناسبات الراتبة والطارئة وتوظيفها لصالح الدعوة لتشكيل  رأي اسلامي موحد في إطاره الصحيح.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>