.. أصابني أرق شديد ذات ليلة فأخذت أتجول عبر القنوات الفضائية عَلِّي أجد ما أشغل به الوقت ليس إلاّ. وأنا على هذه الحالة، استوقفتني قناة عربية لم أتبين مصدرها جيداً؛ طاولة مستديرة يجلس حولها نخبة من أبرز المفكرين والمحللين السياسيين وسط ديكور غاية في الأناقة والجمال. مسيِّر البرنامج شاب وسيم يدير الندوة بأسلوب غاية في الأدب واللّباقة والحِرَفِيَّة، يطرح أسئلة ذكية ودقيقة على المشاركين كل حسب تخصصه وهؤلاء يجيبون بطلاقة وبأسلوب عربي فصيح بلا تكلف ولا تشنج. كان البرنامج/الندوة رائعا ومفيداً جداً يشدُّك إليه شدّا قويا.. مُختلفا تماماً عما عهدناه من شجار وشتيمة في العديد من البرامج الحوارية..
أما موضوع الندوة فكان حول أبعاد القرار الأمريكي الجائر بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس إمعانا في تبكيت وتحقير الشعوب العربية والاسلامية، وتحديا صارخاً لكل الأعراف والقرارات الدولية وانحيازاً سافراً للكيان الصهيوني المغتصب للحق العربي والاسلامي…
كل المشاركين في الندوة أجمعوا على ضرورة الوقوف في صف واحد حكومات وشعوباً ومجتمعاً مدنياً في وجه هذا التحدي الأمريكي السافر وذلك من خلال :
- التعبئة الشاملة لمقاطعة أمريكا اقتصاديا ودبلوماسيا وعلى جميع المستويات حتى نشعرها بأن مصالحها باتت مهددة في المنطقة بسبب سياستها المنحازة للكيان الصهيوني.
- إحراج الإدارة الأمريكية في المحافل الدولية وفضح سياساتها الخرقاء وانحيازها السافر للصهاينة وأن ذلك لا يخدم الشعب الأمريكي نفسه وقد بدأ يشعر فعلا بذلك.
- إعادة النظر في وسائل الإعلام ومناهج التعليم في الوطن العربي والاسلامي وضرورة إصلاحها حتى تتماشى وطموحات الشعوب العربية والاسلامية لخدمة قضاياها الحقيقية.
- تفعيل ثقافة المقاومة عبر جميع الوسائل الممكنة، وتغيير أشكالها وأساليبها وإبقاء جذوتها حية ومتنامية في نفوس الأجيال الصاعدة.
- فضح ومحاصرة جميع المطبعين والمنبطحين من المثقفين والفنانين العرب.
لم أتمالك نفسي وأنا أتابع هذه المداخلات الصادقة وهي تعبر حقيقة عن مشاعر ووجدان هذه الأمة المكلومة، تذكرت وقتها قوله تعالى :{سبحان الذي يحيي العظام وهي رميم}، فسرت في جسدي المتهالك قشعريرة فتوة وحماس ممزوجة بشئ من الأمل باقتراب الخلاص، وانبلاج صبح جديد يُنير عتمة الضياع واليأس.
لم أشعر إلا وأنا أهلل وأكبر بأعلى صوتي لفرط فرحتي وابتهاجي.. فاستفقت فجأة على صوت زوجتي الخافت وهي تقرأ على رأسي المعوذتين وتعيدني برفق إلى فراشي..
لأبدأ أشراط حلم جديد…
عبد القادر لوكيلي