قبل ان ندخل في موضوع إمكانية تزاوج الأصالة والحداثة لابد أن نعرف أنهما ضدان من الناحية اللغوية أولا. فالأصالة تعني اتباع كل ماهو تقليدي وموروث من عادات وتراث وثقافة وسلوك وتفكير ومعمار وصناعة الخ. فهي بهذا النظام عيش كامل ومترابط تحكمه تعاليم ا لدين الإسلامي والحضارة الإسلامية, بالنسبة للمغربة, التي كونت مع ا لتراث العربي الأمزيغي نسيجا لأرضية الحياة الإحتماعية والسياسية والإقتصادية والدينية. أما الحداثة فهي تلك ا لطرق والوسائل الدخيلة التي اخذت في التوغل رويدا رويدا في النظام التقليدي, وهي بذلك لاتتوفر على عناصر الوجود الكامل لتسميتها نظاما وكل ما يمكننا قوله للتعريف بها هو أنها كل شئ مستحدث جديد نأخذه عن الدول الخارجية وخاصة الغربية بالنسبة لنا سواء في السلوك والمعاملات أو الميادين الحيوية من اقتصاد وتكنولوجيا وإدارة وغيرها, فالحداثة أسلوب متميز بكونه حديث الوجود في المحيط المعيش.
وتدخل الحداثة بأساليبها المتنوعة عن طريق البشر المهاجرين إلينا كالمستعمرين سابقا أو عن طريق وسائل الإعلام السمعية والبصرية والمكتوبة حاليا, فكان التطور التكنولوجي في هذا الميدان لصالح الحداثة كي تفرض نفسها ووجودها رغم أنف المعارضين وتقززهم, وكل شئ حديث يؤول إلى الاندثار بفعل الزمن والتغيير الدائم والخلق والابداع مما يجعل الشئ الجديد قديما بظهور شئ آخر يعوضه.
من هذا المنطلق نرى ان الحداثة إذا دخلت على الشئ أعدمته وانهت وجوده فهي كالهدامة التي تعمل دون استئذان ودون توقف. نعم هناك ما يستحب هدمه وإزالته لصالح السمو والرقي والتقدم والإزدهار لكن ولسوء الحظ الحداثة عمياء لاتفرق بين الصالح والطالح لذلك علينا أن نحتاط في تعاملنا مع الحداثة حتى لانسقط في الضلالة خاصة عندما يتعلقالأمر بحياة الإنسان ومستقبله وأخلاقه وسلوكه ودينه, وما عدا ذلك من تقنية أو صناعة أو معمار أو تجارة وغيرها فالحداثة تلعب دور المنشط والدم الجديد في الشرايين، حيث يزدهر الرواج والحركة الاقتصادية فتتحرر من الركود والجمود وتصبح الحداثة فيروسا يصيب كل ما ليس له مناعة كالموضة في اللباس مثلا حيث ينعت بالتخلف وقلة الذوق الحسي كل من أراد أن يحافظ على أصالته وهويته.
ولكي لايوصف الإنسان بهذه ا لصفة أي التخلف التي تعتبر مرادفة للجهل في هذا الميدان يتسابق الناس ويتهافتون لاتباع كل ما استجد متباهين مفتخرين حتى لو كان مايلبسونه يمس بالحياء والعفة عند الناظرين متذرعين بحرية الانسان في الاختيار متناسين أن الحرية مشروطة بوقفها عند حدودها، حق الآخرين، مما يستوجب مراعاة عدم استفزازه وإثارته, لهذا ليس كل مستحدث مستحب الأخذ به واستعماله دون استخدام عقلنا النقدي وحسنا الجمالي.
أما بالنسبة لتزاوج الاصالة بالحداثة فهذا غير ممكن طبعا لأن طبيعة كل واحدة منهما تختلف عن الأخرى كما رأينا فحين تدعو الأصالة إلى الحفاظ على التراث يكون التغيير هو الميزة الأساسية للحداثة, وحين مزاوجتهما يخلق شئ خليط بينهما لا هو أصيل تماما ولا هو حديث مطلقا كما نرى في بعض الأشكال المعمارية واللباس والديكور، ويمكن أن يكون لهذا المولود جماليته ومكانته في ا لوجود لكن عندما يتعلق الأمر بالسلوك فإنني أتساءل كيف يتعامل العقل في تلك الحالة دون السقوط في تشزوفيرينة سلوكية التي تعبر عن تشزوفرينية ثقافية وتؤدي إلى تشزوفرينية انتمائية لأن في الثقافة والسلوك والانتماء ترابط يؤثر الواحدة منهم في الآخر وهم العناصر الأساسية التي تحدد كينونة الانسان, فإما أن يكون الإنسان أولايكون في الوضعية المطلوبة. حقا إنه من الخصائل المستحبة لليونة التي تفرض نفسها في بعض الأحيان لكن الاستثناء ليس هو القاعدة ولاحكم عليه. فالهوية لاتتوقف عند الاسم ا لشخصي والانتساب العائلي بل هي مجموعة من المظاهر التي تبين جوهر الانسان وانتماءه الحضاري, لهذا يبقى النزوع إلى التجديد مرغوباً فيه في الميادين الاقتصادية والتكنولوجية والعلمية والتربوية وغيرها التي تؤدي إلى النمو والازدهار والتقدم حتى لايتقوقع البلد على نفسه فيفقد الحيوية والنشاط اللازم اللاستمرار في التواجد على المستوى العالمي شريطة ألا يمس فيروس الحداثة ذروة هويتنا فيقتلعنا ونصبح كالأوراق الهشة في مهب ا لرياح تتجاذبنا وتراقصنا على هواها.
> خديجة ادريسي