إن اللَّه تعالى عَاتَبَ المومنين الذِينَ يقولون مالا يفعلون، وعَدَّ مُخَالَفَةَ الأفعال للأقوال من الآثام الكبيرة التي توجب سخط اللَّه تعالى ومَقْتَهُ وغضبه، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَالاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَالاَ تَفْعَلُونَ}.(الصف : 2، 3)
هذا لم يُقْبَلْ بالنسبة للمومنين إذا ضَعُفُوا عن الاتباع الكامل للأنبياء والرُّسُل وفعلوا ما يناقض أقوالهم، فكيف يُقْبَلُ من الرُّسُل أنفسِهمْ أن يخالفوا ما أُرْسِلُوا به من اللَّه تعالى ؟؟ إن ذلك يُعْتَبَرُ عَبَثاً، و اللَّه تعالى مُنَزَّهٌ عن العَبَثِ، بل نجد أن اللَّه تعالى قال لرَسُوله مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم” {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوَتِينَ فَمَا مِنْكُم مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} (الحاقة : 46، 47) هذه عُقوبة التقوُّل والتزيُّد على اللَّه تعالى لَوْ وَقَعَ، فكيف تكون عُقُوبَةُ المخالفة العمليَّة لمبادئ الرسالة؟؟ لذلك كانت عصمة الأنبياء والرُّسُل من الوقوع في الآثام والفواحش ضرورية، لعدة حِكَمٍ منها:
< وجوب تطبيقهم ما أُمِرُوا بتبليغه للناس ليكونوا قدوة للناس في كل ما يأمرونهم به وينهونهم عنه قال تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا}(هود : 112) {لَقَد كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ}(الأحزاب : 21) {أُولَئِكَ الذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ}(الأنعام : 91).
< إقامة الحجة على المخالفين: لأن الذي لا يَسْتَجِيبُ لدعوة الرُّسُل يُوجِدُ لنفسه عِدَّةَ معاذير تجعله يُبَرِّئُ نفسَهُ من تَبِعاتِ الشركِ واقتراف الفواحش بدَعْوى مِثَالِيَّةِ الدِّين وارتفاعِهِ فَوْق المستوى البشري البعيدِ عن مُستوى الملائكةِ المطهَّرِين، فإذا رأى الناس الرَّسُول يدعو لنَبْذِ الشِّرْك وفي نفس الوقت لا يبالي برموزه ولا يتجه مطلقا إليها، بل ويكسِّرُها أحيانا كما فعل سيدنا إِبْرَاهِيم \ يكونُ ذلك أوْقَعَ في النفس، وكذلك يدعو للصلاة وفي نفس الوقت تكون الصلاة قرة عين الرَّسُول الداعي لها، وكذلك يدعو الناس للتطهُّر من رذيلة اللواط وهو في نفس الوقت يمقُتها ويَعْرِضُ بناتِه -صُلْباً وَوَلاَءً- على الشاردين عن الفطرة للتزوُّج بهن بَدَلَ اللواط، ويدعوهم إلى الصيام وهو في نفس الوقت أكثر صَوْماً… إلى غير ذلك من الأوامر والنواهي.
أقول: عندما يدعو الرَّسُول إلى فعل الشيء أو تركه ويكون هو نموذجا في الفعل أو الترك يقطع العذر على المتكبرين وعُبَّاد الهوى وضعاف النفوس غداً يوم القيامة عندما يقول لهم اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا الذِينَ كَفَرُوا لاَ تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُون}(التحريم : 7).
< تربية الأتباع تربية نموذجية: لأن الرُّسُل مُعَلِّمُون، يُعَلِّمُهم اللَّه تعالى في المدرسة الربانية، وهم يتولَّوْن تربية الناس المستجيبين على ما أحَبُّوه وتعلموه وطبَّقُوه ليكوِّنُوا مَدْرسةً إِيمانِيةً في المجتمع شاهدةً على سَفَاهة المنحلِّين الواغلين في الظلْم والآثام.
< إِقْنَاعُ الشَّاكِّ والْمُرْتاب بصلاحِيَّة الدِّينَ الذي يَدْعُونَ إليه لِكُلِّ مُتَطَلَّبَاتِ النفس الطيِّبَةِ، {إِنَّ هَذَا القُرْآن يَهْدِي لِلتي هِيَ أَقْوَمُ}(الإسراء : 9).
إذن فالعِصْمَة للرسل -بمعنى حفظ ظواهرهم وبواطنهم من المعاصي- واجبة، ويستحيل عليهم ضدُّها وهو الخيانة للَّه تعالى الذي أرسلهم، فهم محفوظون ظاهراً من الزنا والسرقة، وشرب الخمر، والكذب وأمثال ذلك من المنهيات، كما أنهم محفوظون باطنا من الحسد، والكبر، والرياء إلى غير ذلك من المستقبحات الباطنية(1)
وبناءً على هذه الحقيقة العَقَدِيَّة ينبغي تأويلُ كلِّ ما يُشْعِرُ بالحَطِّ من عصمة الأنبياء، والطَّعْن في طهارة أخلاقهم، وحَمْلُه على الْمَحْمَلِ الحسن، وفهْمُه في ظل العقيدة التي لا تَقْبَلُ الخَدْشَ في أنبياء اللَّه ورسله صَفْوَةِ الخَلْقِ، وقُدْوَةِ الحَقِّ.
وهكذا نَفْهم مثلا:
< أنَّ هَمَّ يُوسُفَ \ في قوله تعالى: {ولقد همَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا}(يوسف : 24) لَمْ يَقَعْ للاعتبارات التالية:
أ – أن اللَّه تعالى قال: {وَلَمَا بَلَغَ أشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}(يوسف : 22) إِذْ كيف نتصوَّرُ أن الهَمَّ بامرأة -مهما كان حسنها وجمالها وتوقُّدُ غريزتها- يَصْدُر مِمَّن آتاه اللَّه تعالىالعلم والحكمة جزاء على إحسانه الْمُتَوِّج لعُمْقِ إيمانه وصلابة عُودِ يقينه.
ب – أن اللَّه تعالى قال: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ}(يوسف : 24) فكيف يكون قد صُرِفَ عنه السوء وهو قد تَهَيَّأَ لِفِعْل الفاحشة، وأصْغَى إلى شيطان الغِوَاية؟؟
جــ – قال يُوسُف \ عندما راودته امرأة العزيز عن نفسه: {مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيَ أَحْسَنَ مَثْوَاي إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُون}(يوسف : 23) فكيف يكون قد هَمَّ بِهَا وهو قد استعَاذَ باللَّه تعالى، و اللَّهُ تعالى أخبرنا أنه أعَاذَه وَحَمَاه وحفِظه، ثم كيف يكون قد هَمَّ بِهَا وهو يعرف أنه ظالمٌ منتهك لحُرمة سيده الذي أحسن مثواه؟ إن المستحضِر لهذه الحيثيَّاتِ كلها لا يُمْكن أن تسوِّلَ له نفسه الحَوَمَانَ حول دواعي الفحش، فالرَّسُول صلى الله عليه وسلم يقول: >لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُومِنٌ< أي دوافع الزنا تختفي عند حضور الإِيمَان.
وبالنسبة لقول اللَّه تعالى: {وَهَمَّ بِهَا لَوْلاَ أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}(يوسف: 24) يكون التقدير: ولقد هَمَّتْ بِهِ وَلَوْلاَ أن رأى بُرهان ربه لَهَمَّ بها، قال أبو عبيدة: >هذا على التقديم والتأخير، أو يكونُ الجوابُ محذوفاً، فيكون المعنى: لَوْلاَ رُؤْيَةُ بُرْهَان رَبِّهِ لَكَانَ مَا كَانَ، أي لكان الهَمُّ، ولكنَّ الهَمَّ ما كان لرؤية البرهان.
أو يكون الهَمُّ بمعنى هاجس نَفْسِيٍّ خَطَر ثم ذهب، وهذا لا تترتبُ عليه معصية ولا ذنبٌ، قال القرطبي في قول اللَّه تعالى: {وَلَمَا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً}(يوسف : 22) خَبَرُ اللَّه تعالى عن يُوسُفَ \ صِدْقٌ، وَوَصْفُهُ صَحِيحٌ، وكَلاَمُهُ حَقٌّ، فقد عَمِل يُوسُفُ بما عَلَّمَهُ اللَّهُ من تحريم الزِّنَا ومُقَدِّمَاته، وخيانة السَّيِّدِ والجار والأجْنَبِيِّ في أهْلِهِ، فما تَعَرَّض لامْرَأة العزيز، ولا أجَابَ إلى المُرَاوَدَةِ، بل أدْبَرَ عنها وفَرَّ عنها، حِكمَةً خُصَّ بها. وعملا بِمُقْتَضَى ما عَلَّمَهُ اللَّه، قال \ مخبرا عن ربه: (إِذَا هَمَّ عَبْدِي بِسَيِّئَةٍ فلا تكتبوها عليه فإن عملها فاكتبوها سيئة وإذا هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة فإن عملها فاكتبوها عشراً)(2) فإن كان ما يَهُمُّ به العبد من السيئة يُكْتَبُ له بترْكِها حسنةً، فلا ذنْب.
ولقد أورد الأستاذ عبد الوهاب النجار -رحمه اللَّه تعالى – في كتابه قصص الأنبياء >لَطِيفَةً< للإمام الفخر الرازي في تفسيره، خلاصتها: >أن يُوسُفَ قد شَهِدَ اللَّه تعالى بِبَرَاءَتِهِ بقوله: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}(يوسف : 24) وشهد الشيطان ببراءته بقوله: {فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم الْمُخْلَصِينَ}(سورة ص : 81، 82).
وشهد ببراءته الشاهد من أهل العزيز، إِذْ قال: {وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِين}(يوسف : 27) وشهد ببراءته النسوة اللائي قَطَّعْنَ أيديهن بقولهن: {مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ}(يوسف : 51) وشَهِدَتْ بِبَرَاءَتِهِ زوجة العزيز بقولها: {الآنَ حَصْحَصَ الحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَن نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِين}(يوسف : 51) فالذي يريد أن يتهم يُوسُف بالهَمِّ عليه أن يختار أن يكون من حزب اللَّه أو من حزب الشيطان، وكِلاَهُمَا شهِدَ ببراءة يُوسُف، فلا مَفَرَّ له من الإقرار بالحقِّ على أيِّ حال. ص129 وما قبلها وبعدها.
< وكذلك يقال في داود وسليمان عليهما السلام وفي كل أنبياء اللَّه تعالى ورسله عليهم السلام، لأنهم معصومون من الفواحش والآثام.
وقد تقدم أن اللَّه تعالى حفظه -في صغره- من مشاركة أهل اللَّهو في ملاهيهم، وحفظه -في شبابه ورجولته- من كشف العَوْرة أثناء نَقْلِه الحجارةَ لِتَجْديد بناء الكعبة، ولقد حفظه اللَّه تعالى قبل ذلك من فعل الجاهلية التي يأتي على رأسها التقرُّب للأصنام، أو التمسح بها، أو الطواف حولها، أو المشاركة في مواسم الاحتفال بها، فقد حماه اللَّه تعالى من كل ذلك، وخصوصاً عندما سلَّمَهُ من مَكَائد قَرِينِهِ من الجنِّ وحَكَّمَهُ فيه، عن ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَا مِنكُم مِنْ أَحَدٍ إلاَّ وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الجِنِّ وَقَرِينُهُ مِنَ المَلاَئِكَةِ، قَالُوا: وَإِيَّاكَ يارَسُولَ اللَّه؟، قال: وَإيَّايَ إلاَّ أنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ، فَأَسْلَمَ، فَلاَ يَأْمُرُنِي إلاَّ بِخَيْرٍ)(5)
ونضيف هنا أنواعا أخرى من الرعاية والحفظ لتتضح الصورة أكثر فأكثر للتربية الربانيَّة للقدوة النبويَّة، من جملة ذلك:
* عدم الأكل مما يُذْبَحُ على الأنْصَابِ والأصْنَامِ: وقد ذكر رواة الأحاديث والسير أن بعض الْمُتَحَنِّفِينَ من العرب كَزَيْدِ بن عَمْرو بْن نُفَيْلٍ كان أَيضاً -بحُكْمِ سَلاَمَةِ فِطْرَتِهِ- لا يأكل من الذبائح المذبوحة على الأصنام، وطبْعاً إذا كان أمثال هؤلاء بتحنُّفِهِمْ اهتَدَوْا إلى هذا الخُلُق، فرَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أولى بهذا الخُلُقِ لهداية اللَّه تعالى له، وحِفْظِهِ من كُلِّ مَكْروه.
عن عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي زَيْدَ بْنَ عَمْرو بْن نُفَيْلٍ بأسفل بَلْدَحٍ -مكان قرب مكة- قبل أن ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوَحْيُ، فقُدِّمَتْ إلى النبي صلى الله عليه وسلم سُفْرَةٌ -المائدة وما عليها من طعام- فَأَبَى أنْ يأكل منها. ثم قال زيد: إنِّي لَسْتُ آكُلُ مما تَذْبَحُونَ على أصنامكم، ولا آكُلُ إلاَّ ما ذُكِرَ اسْمُ اللَّه عليه. وإن زيد بن عمرو كان يعيبُ على قُرَيْش ذَبَائِحَهُمْ ويقول: الشَّاه خلقها اللَّه، وأنزل لها من السَّمَاء الماء، وأنْبَتَ لها من الأرض، ثم تذبحونها على غير اسم اللَّه إنكاراً لذلك وإعْظَاماً لَه)(21)
< توفِيقُه صلى الله عليه وسلم للوقُوفِ بعرفَةَ: لقد كانت قُرَيْش تُسَمَّى بين العَرب بالحُمْس، والأَحْمَسُ الشديد على دينه، ولقد استزَلَّهُم الشيطان واستهواهم، فقال لهم: إنكم إن عَظَّمْتُمْ غَيْرَ حُرَمِكُمْ استَخَفَّ الناس بحُرَمكم، فكانوا لا يقفون بعرفَةَ يَوْمَ عرفة -مخالفَةً للناس وتَميُّزاً عنهم- وكان سائر الناس يقفون بعرفة، وكانت شريعة إِبْرَاهِيم صلى الله عليه وسلم الوقوف بعرفة، وجاءت شريعة الإسلام بالوقوف بعرفة، في الوقت الذي كانت قُرَيْش لا تقف بعرفة كان مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم يقف بعرفة توفيقا من اللَّه تعالى، عن مُحَمَّد بن جُبير عن أبيه جبير بن مطعم قال: أَضْلَلْتُ بعيراً لي، فَذَهبتُ أطلبه يوم عرفة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم واقفاً بعرفة، فقلت:>هَذَا وَاللَّهِ مِنَ الحُمْسِ فَمَا شَأْنُهُ هَهُنَا<(22)
وهكذا >شَبَّ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم واللَّه تعالى يَكْلَؤُه ويَحْفَظُه، ويحوطُه من أقذار الجاهلية، لما يُريدُ به من كَرَامَتِهِ ورسالته، حتى بَلَغَ أن كان رَجُلاً أَفْضَلَ قومِه مُرُوءةً، وأحْسَنَهُم خُلُقاً، وأكرمَهُمْ حَسَباً، وأحسنَهُمْ جِواراً، وأعْطَمَهم حِلْماً، وأصْدَقَهُمْ حديثاً، وأعْظَمَهُمْ أمانةً، وأبْعَدَهم من الفُحْش والأخلاق التي تدنِّسُ الرجال، تَنَزُّها وتكرُّماً، حتى ما اسْمُهُ في قومه إلا الأمين، لما جَمَعَ اللَّه فيه من الأمور الصالحة<.
تبلُغنا بَعْضُ الأصداء عن مجهودات المهتمِّين بالدّعوة في تنشئة العاملين للدّعوة، وإعْدَادِهِمْ إعداداً مناسبا لظروفهم وقُدْراتهم ومناهجهم وهِمَمِهِم وعَزْماتهم، وهو عملٌ مشكور، واجتهاد محمود، له مصدره ومَنْبَعُه ودليله في السُّنَّة الربانية التي أعَدَّت مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم وأهَّلَتْه من كل النواحي ليكون رحمةً للعالمين، وهُدىً لجميع الصالحين والمصلحين.
ولكن الدَّرْسَ مازال لم يُسْتَوْعَبْ الاستيعاب المطلوب فيعمل المهتمُّون بالعمل الدعوي -بعد أنْ أَدَارَتْ الدول الإسلامية ظهرها كليا للدّعوة- على إخراج القُدْوة عِلْماً وَعَمَلاً وخُلُقاً وحِكْمَةً وفَهْماً وفِقْهاَ وتَدَبُّراً وإخلاصاً وتجرداً إلى درجة أن تُفْرِدَهُ المجتمعات بألْقاب التقدير والاحترام والهَيْبَةِ، وإن خالفَتْهُ وعارضَتْ دعوته، فالكثير من كُبراء مكة لَمْ يكن هواهم مع دعوة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم ولكن قلوبهم تُكِنُّ له الإِعْزَازَ لِمَا فَرَضَ عليهم بخُلُقه المتميز من الاعتراف >بأمانته< قبل أن يُبْعَث.
إن الحاجة شديدة إلى إحْياء ألقاب الدّعوة النابعة تلقائيا من الشعوب الظامئة للقدوات في كل ميدان، فأسواق المادة مملوءة بالألقاب الطينية التي يكرَّم أصحابُها بالطين في محافل الطين، فلماذا أسواق المادة الفانية عامرة، وأسواق الدّعوة المكرمة للإنسان تكريما دائما فارغة؟
يكتبها :
ذ. المفضل فلواتي
———-
1- انظر تبسيط العقائد لحسن أيوب، ص 102.
2- صحيح مسلم رقم الحديث 183 كتاب الإيمان.
3- رواه مسلم 8/139.
4- رواه البخاري وغيره،.
5- المرجع السابق: وقفات تربوية 53. روى الحديث البخاري في كتاب الحج ومسلم.