لا أستطيع… بل  أستطيع


توطئة :

الشباب عنوان القوة والطموح، يهون عليه كل صعب، ولا يقف أمامه حاجز، فالهمة تتوقد والأمل يكبر والشعور فياض، والفتوة تدفع إلى الأمام.

لكن من الشباب من أنس من نفسه ثقلا وانجذاباً إلى الأرض، ودخله اليأس والقنوط، وأصبحت الأمور الهينة كبيرة على نفسه صعبة المنال، فيخيل إليه أنه عاجز عن الفعل لا يستطيع.

فنقول له : بل تستطيع، وإليه نهدي هذا المقال الممتاز.

يقول ابن القيم – رحمه الله- : لو أن رجلا وقف أمام جبل وعزم على إزالته، لأزاله.

لقد توصلت – بعد سنوات من الدراسة والبحث والتأمل- إلى : أنه لا مستحيل في الحياة، سوى أمرين فقط.

الأول: ما كانت استحالته كونية {فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر} (البقرة: 258).

الثاني: ما كانت استحالته شرعية؛ مما هو قطعي الدلالة، والثبوت، فلا يمكن أن تجعل صلاة المغرب ركعتين، ولا أن يؤخر شهر الحج عن موعده {الحج أشهر معلومات} (البقرة: 197)، ولا أن يباح زواج الرجل من امرأة أبيه {إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا} (النساء: 22) وما عدا هذين الأمرين وما يندرج تحتهما من فروع؛ فليس بمستحيل.

قد تكون هناك استحالة نسبية لا كلية، وهو ما يدخل تحت قاعدة عدم الاستطاعة فقد يعجز فرد عن أمر؛ ولكن يستطيعه آخرون، وقد لا يتحقق هدف في زمن؛ ولكن يمكن تحقيقه في زمن آخر، وقد لا يتأتى إقامة مشروع في مكان، ويسهل في مكان ثان، وهكذا.

إن الخطورة: تحويل الاستحالة الفردية، والجزئية، والنسبية، إلى استحالة كلية شاملة عامة.

إن عدم الاستطاعة هو تعبير عن قدرة الفرد ذاته، أما الاستحالة؛ فهو وصف للأمر المراد تحقيقه، وقد حدث خلط كبير بينهما عند كثير من الناس، فاطلقوا الأول على الثاني.

إن من الخطأ أن نحول عجزنا الفردي إلى استحالة عامة؛ تكون سببا في تثبيط الآخرين، ووأد قدراتهم، وإمكاناتهم في مهدها.

إن أول عوامل النجاح، وتحقيق الأهداف الكبرى هو: التخلص من وهم (لا أستطيع- مستحيل)، وهو بعبارة أخرى: التخلص من العجز الذهني، وقصور العقل الباطن، ووهن القوى العقلية.

إن الأخذ بالأسباب الشرعية، والمادية يجعل ما هو بعيد المنال حقيقة و اقعة.

إن كثيرا من الذين يكررون عبارة: لا أستطيع، لا يشخصون حقيقة واقعة، يعذرون بها شرعا وإنما هو انعكاس لهزيمة داخلية للتخلص من المسؤولية.

إن من الخطوات العملية لتحقيق الأهداف الكبرى هو: الإيمان بالله، وبما وهبك من إمكانات هائلة تستحق الشكر، ومن شكرها: استثمارها، لتحقيق تلك الأهداف التي خلقت من أجله.

أي  عذر لإنسان؛ وهبه الله جميع القوى التي تؤهله للزواج، ثم هو يعرض عن ذلك دون مبرر شرعي. عن هذا من كفر النعمة لا من شكرها، وهو تعطيل لضرورة من الضرورات الخ مس التي أجمعت جميع الديانات السماوية على وجوب المحافظة عليها، وهو النسل.

وحري، بمن فعل ذلك أن تسلب منه هذه النعمة الكبرى {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد}(ابراهيم: 7) .                        وقل مثل ذلك: في كل نعمة، وموهبة وهبها الله الإنسان.

إنني لست بصدد بيان عوامل النجاح، ومرتكزات القيادة، والريادة، ولكنني أحاول أن أزيل هذا الوهم  الذي سيطر على عقول كثير من رجال الأمة، وشبابها؛ فأوصلنا إلى الحالة التي سرّت العدو، وأحزنت الصديق.

إن الأمة تمر بحالة تاريخية ذهبية من العودة إلى الله، وتلمس طريق النجاة، والنجاح، والسعادة، والرقي.

وإذا لم تستثمر تلك الإمكانات، والطاقات الهائلة، والأمة في حال إقبالها، فإنه سيكون ا لأمر أشد وأعسر في حال فتورها.

إن من الأخطاء التي تحول بين الكثيرين، وبين تحقيق أعظم الأهداف، وأعلاها ثمناً تصور أنه لا يحقق ذلك إلا الأذكياء.

إن الدراسات أثبتت أن عددا من عظماء التاريخ كانوا أناسا عاديين، بل إن بعضهم قد يكون فشل في كثير من المجالات كالدراسة مثلاً.

لاشك أن الأغبياء لا يصنعون التاريخ؛ ولكن الذكاء أمر نسبي يختلف فيه الناس ويتفاوتون، وحكم الناس غالبا على الذكاء الظاهر، بينما هناك قدرات خفية خارقة لا يراها الناس؛ بل قد لا يدركها صاحبها إلا صدفة، أو عندما يصر على تحقيق هدف ما؛ فسرعان ما تتفجر تلك المواهب مخلفة وراءها أعظم الانتصارات، الأمجاد. إن كل ا لناس يعيشون أحلان اليقظة، ولكن الفرق بين العظماء وغيرهم : أن أولئك العظماء لديهم القدرة، وقوة الإرادة والتصميم على تحويل تلك الأحلام إلى واقع ملموس، وحقيقة قائمة، وإبراز ما في العقل الباطن إلى شيء يراه ا لناس، ويتفينون في ظلاله. حياة الأمم، والقادة، فهل رأيت دولة خاضت حروبها دون زي هزيمة تذكر؟!

وهل رأيت قائداً لم يهزم في معركة قط؟!

والشذوذ يؤكد  القاعدة، ويؤصلها، ولا ينقضها.

إن من أعظم قادة الجيوش في تاريخ أمتنا -خالد بن الوليد- سيف الله المسلول، وقد خاض معارك هزم فيها في الجاهلية، والإسلام، ولم يمنع ذلك من المضي قدما في تحقيق أعظم الانتصارات، وأروعها.

ومن أعظم المخترعين في التاريخ الحديث؛ مخترع الكهرباء (أديسون) وقد فشل في قرابة ألف محاولة؛ حتى توصل إلى اختراعه العظيم، الذي أكتب لكم هذه الكمات في ضوء اختراعه الخالد.

وقد ذكر أحد الكتاب الغربيين؛ أنه لا يمكن أن يحقق ا لمرء نجاحا باهراً حتى يتخطى عقبات كبرى في حياته.

إن الذين يخافون من الفشل النسبي، قد وقعوا في الفشل الكلي الذريع {ألا في الفِتْنة سقطوا}(التوبة : 49).

ومن يتهيب صعود الجبال

يعش أبد الدهر بين الحفر

إن البيئة شديدة التأثير على أفرادها؛ حيث تصوغهم ولا يصوغونها {إنا وجَدْنا آباءنا على أمّة وإنّا على آثارهم مُقتدون}(الزخرف : 23)، ولذلك فهي من أهم الركائز في التقدم، أو التخلف، والرجال الذين ملكوا ناصية القيادة أو الريادة؛ لم يستسلموا للبيئة الفاسدة ولم تمنعهم من نقل تلك البيئة إلى مجتمع يتسم بالمجد والرقي والتقدم؛ ولذلك أصبح المجدد مجدداً؛ لأنه جدد لأمته ما ا ندرس من دينها وتاريخها وقد ختمت النبوة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فلم يبق إلا المجددون والمصلحون؛ يخرجونها من الظلمات إلى النور فحري بك أن تكون أحد هؤلاء.

وأختم هذه المقالة بإشارات تفتح لك مغاليق الطريق :

1- ذلك الكم الهائل من عمرك والذي يعد بعشرات السنين، قد تحقق من أنفاس متعاقبة وثوان متلاحقة، وآلاف الكيلو مترات التي قطعتها في حياتك؛ ليست إلا خطوات تراكمت فأصبحت شيئاً مذكوراً.

وكذلك الأهداف الكبرى؛ تتحقق رويداً رويداً، وخطوة خطوة، فعشرات المجلدات التي يكتبها عالم من العلماء، ليست إلا مجموعة من الحروف ضم بعضها إلى بعض حرفا حرفاً، فأصبحت تراثاً خالداً على مر الدهور والأجيال.

2- علو الهدف يحقق العجائب، من كافح ليكون ترتيبية الأول، يحزن إذا كان الثاني ومن كان همه دخول الدور الثاني؛ يفرح إذا لم يرسب إلا في نصف المقررات والمواد.

وإذا كانت النفوس كباراً   تعبت في مرادها الأجسام

من يهن يسهل عليه    ما لجرح بميت إيلام

3- الإبداع لا يستجلب بالقوة، وتوتر الأعصاب، وإنما بالهدوء، والسكينة وقوة الإيمان، والثقة بما وهبك الله من إمكانات، مع الصبر والتصميم، وقوة الإرادة والعزيمة، ولذلك فأكثر الطلاب تفوقاً، أكثرهم هدوءاً، وأقلهم اضطراباً عند الامتحان. وكان النبي صلى الله عليه وسلم أشجع الناس، وأربطهم جأشاً، وأثبتهم جناناً، وأقواهم بأساً؛ يتقون به عند الفزع لا يعرف الخوف إلى قلبه سبيلاً.

4- التفكير السليم المنطقي يقود إلى النجاح، والتخطيط العلمي العملي طريق لا يضل سالكه.

وفشل كثير من المشروعات منشؤه الخطأ في طريقة التفكير، والمقدمات الخاطئة تقود إلى نتائج خاطئة.

5- الواقعية لا تتعارض مع تحقيق أعظم الانتصارات، والريادة في صناعة الحياة؛ بل هي ركن أساس من أركانها، وركيزة يبنى عليها ما بعده، وعاصم من الفشل والإخفاق بإذن الله.

6- كثير من المشكلات الأسرية، والشخصية، والاجتماعية، منشؤها توهم صعوبة حلها، أو استحالته. بينما قد يكون الحل قاب قوسين أو أدنى، ولكن الأمر يحتاج إلى عزيمة وتفكير، يبدأ من تحديد المشكلة ثم تفكيكها إلى أجزاء، ومن ثم المباشرة في علاة كل جزء بما يناسبه.

7- {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين}(الفاتحة : 5) جماع الأمر، ومدار العمل، والقاعدة الصلبة التي بدونها تكون الحياة هباء منثوراً، أخذنا من وقتكم كثيراً، فهلموا إلى العمل والمجد والخلو.

الشيخ ناصر العمر

عن : www.qoqaz.com

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>