مع كتاب الله عز وجل  : تفسير سورة التغابن 20 {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا}


تأليه البشر خدعة لاستدامة الحكم والنفوذ

الناس الملحدون لا يومنون بالبشر النبي الرسول، ويومنون بالبشر المتأله، والبشر الميت، حيث نجد أن من أغرب ما ترى في عالم الكفر والإلحاد أنك تجد بعض الشعوب يكون فيهم بعض الناس صالحين فينتقلون إلى العالم الآخر فيعظُمُون في نفوس هؤلاء الناس ويرتفعون في أذهانهم إلى درجة أن يتصوروا أن هؤلاء الأموات صارت لهم سلطة على الأحياء فتتم هذه العلاقة بينهم عن طريق الرّؤى، إن هؤلاء المُعْجبين يرونهم مراتٍ في الأحلام موجّهين فالميت في العالم الأخروي يتحكم من الغيب في هؤلاء الناس ويقول له : افعل هذا أولا تفعل هذا، وإذا تاجرت بهذه التجارة فتجارتك رابحة، وبأنه سأتيك فلان ويقول لك كذا أو كذا.. فيرتبط في أذهان الناس أن هؤلاء الأموات صاروا آلهة عند بعض الشعوب القديمة بل حتى عند بعض الشعوب  التي ليس لها صلة بالدين إذ وجدت أن كلمة الإلاه -في زعمها- تعني >ميت<، فالالاه :هو من مات وقدس. وهذا الإلاه الميت المقدس يعظم ويرفع شأنه أما اتصال البشر به فيتم عن طريق القرابين والذبائح وغير ذلك. لاحظوا من أي ظلمة أخرجنا الإسلام، الآن وفي عصرنا المتحضر نجد مجموعة من البشر الأوروبيين المتحضرين يجتمعون فيقتلون أنفسهم ويضرمون النار في بعضهم امتثالا لأوامر عباد الشيطان {ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور}(سورة النور)، نحن آثرنا الله بالقرآن الكريم، و ر فع مستوانا وهذا ينبغي أن يكون معلوماً لدى المسلمين الذين رفع الله منزلة عقيدتهم بالقرآن.

فكرة الالاه البشر فكرة قديمة وفرعون ألّه نفسه، ولكنه الإه بشر حي، وكلما كان حاكم  سواء كان كسرى أو فرعون فهو يحمل صفة الألوهية لتعصمه من أن يثور ضده الناس، لأنه ما دام إلاها فيجب أن يخضع الناس له، فمن خرج عن طاعته فقد خرج عن طاعة ربه، لذلك كان هذا المعتقد يوطد ملكهم، ويثبّت بقاءهم، لأنهم يعتقدون أنفسهم آلهة، فمن خرج عن الإلهة فهو كافر أصلا. فهذا كان داعية لأن يستمر ملك فرعون وأمثاله سنوات وسنوات لولا أن بعث الله لبني اسرائيل موسى \ ليصحح هذا الخطأ، ويقول أن البشر بشر، وتأليهه خدعة  القصد منها دوام ملك الفراعنة.

المكرةُ من اليهود خرّبوا المسيحية من الداخل بفكرة التأليه البشري

هذه الفكرة المشئومة تدرجت فيما بعد فاقتنصها الدهاة الماكرون من اليهود،  واستعملوها بنجاح، لأن الاستعدادات كانت موجودة للتصديق بتأليه البشر، وحينها رفع الله عيسى ابتلاء للمومنين من أتباع عيسى \. فقد ذكر بعض المفسرين أن المومنين أتباع عيسى \ قد افترقوا ثلاث فرق كبيرة -بعد رفع عيسى \- فقالت فرقة كان الله فينا ما شاء -في شكل عيسى البشر- ثم صعد إلى السماء، وهؤلاء هم فرقة >اليعاقبة أو اليعقوبية< وقالت فرقة كا ن فينا ابن الله ما شاء ثم رفعه الله إليه، وهؤلاء النسطورية وقالت فرقة فينا عبد الله ورسوله ما شاء الله ثم رفعه الله إليه وهؤلاء المسلمون، فتظاهرت الكافرتان على المسلمة فقتلوها فلم يزل الإسلام طامسا حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالرسالة المصححة للعقيدة.

كانت النصرانية أخذت تكبر وتكبر وتنتشر في الناس وعندما رأى اليهود أنهم لن يقدروا أن يقضُوا عليها لأنها نور لله، لجأوا إلى طريقة خاصة هي الطريق التي لجأ إليها شاوول أو بولس القديس أو الرسول بولس (كما يسمونه).

لقد جاء في كتاب العهد الجديد أن الإنجيل رسائل كثيرةٌ لبولس إذ فيها أربع عشرة رسالة له. هذه الرسائل جاءت كلها بمفاهيم جديدة لم يكن للمسيحيين -أصحاب عيسى- بها علم، وسان بولس هذا كان  يهوديا، لم يلتق يوما ما بعيسى \، وكان شديدا على النصارى، وكان يحاربهم ويحرق كنائسهم،وأماكن تجمعهم، فلما رفع عيسى وتشتت أصحابه استغل هذا الوضع بولس بإيعاز وبتأييد من اليهود فقال: إني كنت في الطريق إلى بيت المقدس وخاطبني عيسى، وقال لي : أنت تحمل ا لرسالة من بعدي، وصارت اليهودية في يد بولس اليهودي، وكان ماكرا وذكيا، من أهم معْتمداتِه النظَرُ في النصوص وتحريفُها لأجْل الوصول لأهدافه، فقد كان عند لغة موسى كلمة >خادم يهوه< تعني الإنسان الذي يخدم الالاه، وعندما ترجمت إلى العبرانية كانت تعطي مَعْنَيَيْن : الخادم، والطفل، لكن بولس استعمل ترجمة طفل الالاه، بدل خادم الإلاه، وانتقل من الطفل إلى الابن، من هنا تسربت فكرة ابن الالاه.

وعاش يدعو إلى هذه الفكرة إلى سنة 68 للميلاد حيث مات بولوس، فاضطربت هذه الفكرة ولم يعد لها وجود ظاهر، حتى تبناها يهودي آخر، وهو أحد كتاب الأناجيل >يوحنا<. يوحنا هذا ليس يوحنا المعروف عند المسيحيين ولكنه يو حنا  آخر. فهذا الإنجيل المنسوب إلى يوحنا (اليهودي) يظن المسيحيون أنه من كتابة يُوحنا الحَوَارِيّ بن صياد،فقد أثبتت الدراسات التي أجريت فيما بعد بأزمنة كثيرة، كماأثبت دائرة المعارف البريطانية أن حوالي 500 من علماء التاريخ أثبتوا أن هذا الذي ينسب إليه الإنجيل ليس هو يوحنا الحواري، إنما هو رجل متأخر.

إنجيل  يوحنا هذا هو الذي تضمّن الإشارة إلى >ابن الله< وظلت هذه الفكرة مضطربة متأرجحة ولم تترسّم عند المسيحيين إلا في القرن الرابع في 325م حينما انعقد مجْمَع نيقية وأقرَّ فِكْرَة عِيسى بْنِ الله، ومنذ ذلك الحين والمسيحية تتخبط وتضطرب وتبحث كيف امتزج اللاهوت  بالناسوت، هل بينهما امتزاج كليٌّ، أو امتزاجٌ مع انفصال، واقتتلت الطوائف المسيحية منذ القديم في هذه الفكرة. البعض يعتبر اللاهوت والناسوت في  عيسى مندمجِين كاخْتِلاط الماء بالخمر، (اللاهوت : الجانب الإلاهي في البشر، والناسوت : الجانب البشري فيه) والبعض اعتبرهما مندمجين مع تميز كاختلاط الزيت بالماء. والمسيحيون لا زالوا  على هذه الضلالة، فجاء القرآن ليردّ هذه الفرية ويفنذ هذه الضلالة.

مقالات كلّ الجماعات المخرّبة للعقيدة منْبعُها من الضلالات اليهودية الأولى

هذه الضلالة أُحْيِيَتْ فيما بعد، لتظهر من جديد عند المسلمين الآن في شكل دعوة جديدة في الهند وهي دعوة أحمد رضاخان المتوفي 1921، هذا المنحرف تتلمذ على يد شقيق  المؤسس للقديانية وهو(مذهب يبطل الجهاد) وهذا المذهب شجع عليه الانجليز ليخدم أغراضه، وهو مذهب له تصورات ومعتقدات عبر عنها مؤسّسه في كتب منشورة له وهذه الملة الجديدة وإن كان أصحابها في أصلهم مسلمين ولكنهم ظلوا يقولون بأشياء كثيرة  مخالفة للإسلام، من جملتها زعمُهم أن الناس لم يفهموا حقيقة هذا النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن هذا النبي له طاقة أخرى غير هاته التي يتصورها الناس، فله أولا القدرة على التصرف في الكون كله، فهو يعطي من يشاء ويمنع من يشاء، ويعزُّ من يشاء، ويذل من يشاء، وهذه الصفة تكون أيضا للأولياء فيما بعد، فالأولياء لهم هذه الخصوصية، يستطيعون أن يعطوا ويمنعوا، بل نجد بعض البسطاء يقولون : نعم هناك تجمُّع للصالحين (ديوان الصالحين) يقررون الحل ماذا سيقع العام  المقبل وهؤلاء هم الأقطاب المعينون، ومن تحتهم أبدالٌ ومن تحتهم نقباء ومن تحتهم نجباء.

مَن كان يعتقدُ  أن الكون يصرّفه غير الله فقد َزّل وضل ضلالا بعيدا، وهؤلاء كانوا يخاطبون  النبي صلى الله عليه وسلم بالمغيث ويقولون أن النبي صلى الله عليه وسلم يغيث المنقطعين والمضطرين إلى آخرهالترهات العقدية، بل إن هذا الرجل أحمد رضاخان يقول في كتابه الخاص المسمى >حدائق بخسوس< يقول في جزء منه في صفحة 145 >يا محمد لا أقول لك يا إلاه ولكني لا أفرق بينكما، ولا أعلم حقيقة أمرك فحقيقتك عند الله<، لم يقل بعد يا محمد يا إلاه، ولكنه لا يستطيع أن يفرق بين محمد وبين الله، فالحقيقة عند الله تعالى، هذا تشكيك في العقيدة، كما يقولون أن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس بشرا، وإنما هو نور اعتمادا على النص القرآني قال تعالى: {قد جاءَكُم من الله نور}. فهم يقضون بهذا النص على الآيات التي فيها الرسول بشرا، فهو بالتالي ليس بشرا، وهو ب التالي يرتفع فوق مستوى البشر، وله خصوصيات أخرى كما يقولون كذلك إن هنالك شهودا، ومعناه أن النبي صلى الله عليه وسلم شاهد  مع الناس حيث ما كانوا، فلا يكون اثنان إلا ورسول الله هو معهم.

وعندهم عقيدة أخرى تسمى عقيدة الإسقاط، فيها حقيقةً إسقاطٌ لأَفْعَالِ الإسلام يقولون :  إن من لم يُصََل أو من لم يَصُم فإن بإمكانه أن يُسْقِطَ كل ذلك عن نفسه عن طريق إعطاء شيء يقدَّر بالمُدّ الذي يقدِّمُه الصائم، صَاعُ الصائم،  وبإمكان الإنسان أن يجمع أمداداًكثيرة لصلوات كثيرة، فيعطيها لشخص، فهذا يسمى إسقاطا، ويجوز للآخر أن يردها هِبَةً، ويقولون بإسقاط الحج، والقديانية تقول بإسقاط الجهاد، المهم عندنا هو القول بمثل ما قاله المسيحيون أي النصارى، من عدم بشريه عيسى \، فقياسا على ذلك لا ينبغي أن يكون  محمد صلى الله عليه وسلم في نظر المسلمين بشرا، بل هو أكثر من ذلك، وأكثر من ذلك هو إلاه، إذن فمحمد والإلاه شيء واحد.

هذه الفئة عاشت برعاية الإنجليز قصدها محدد لإحداث اضطراب وخلخلة في  العالم  الإسلامي، لأن ضرب العقيدة،  وضرب وحدة الكلمة يمنع هذه الأمة من محاربة  الكافر.

والآن هذا المد القدياني منتشر في جهات كثيرة مثل الشعوب، التي يوجد فيها أناس يحرقون  أنفسهم بالنار ونحن في بلد  نحمد الله أن أهله لا يقبلون هاته الأفكار، لكن انتشار كل الخرافات ممكن عندما يزول الإسلام، إذ عندما يزول الإسلام يكون الإنسان معرضاً لكل الأشياء،فعلينا أن نحكِّم الدين والشرع في كل شيء. الأصل هو الشريعة والكتاب والسنة، والمسلمون في هذا العصر عصر البارابول، محتاجون أكثر من أي وقت مضى أن يكونوا على وعي كبير بالعقيدة الإسلامية.

قديما كانت العقيدة الإسلامية في الظل أما آلان فيوميا يحاول الغرب أن يقتلع المسلمين إذا لم يكن لمه فهم صحيح للإسلام. جماعات كثيرة من المسلمين يسألون عن ماذا يقول القديانيون والبهائيون والأحمديون؟؟ يجب على  المسلم  أن يعلم أن كل هذه المقالاتِ ضَلاَلاَتٌ وشناعاتٌ، وأنها تعود إلى الأصل اليهودي الذي شوه المسيحية، ويَسْعَى الآن إلى تشويه العقيدة الإسلامية، وعلى نحو ما فكر بولس في تفجير المسيحية من الداخل يحاول الآن أعداء الإسلام أن يفجروا الإسلام من الداخل، بزرع كل فكر مشوّه، وباستئجار مرتزقة من أجل أن يخلخلوا أبناء الأمة الإسلامية، بالقدف بعشرات الأفكار التي تؤدي إلى تشويش الفكر، وتفقد الأمة وحدتها، بل هي قطاعات وجماعات مختلفة ومتباينة، وسوف يتدخل الغرب ليحمي هذه الجماعات تحت غطاء حماية الأقليات،  والدفاع عن حقوق التعبير، والدفاع عن حقوق التدين، وأنتم ترون أن أمريكا مفروض عليها أن تكون على وعي كبير وحِذق عظيم، وعلماء المسلمين عليهم أن يكونوا منتبهين إلى هذا، وعلى الشباب أن يتفحص هذا الأمر لكي يواجهه.

د. مصطفى بنحمزة

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>