قال الله تعالى : {والطور وكتاب مسطور في رق منشور، والبيت المعمور والسقف المرفوع، والبحر المسجور إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع}(الطور : 1- 2).
في هذه الآيات يقسم الحق جل وعلا في كتابه الكريم خمس مرات على أن عذابه واقع لا شك في ذلك ولا ريب.
هذا العذاب الذي جاء وصفه في القرآن الكريم بالشديد والأليم، والغليظ والعظيم والقريب والمستقر، والواصب والأكبر والنُّكُر.. وبأنه عذاب الخزي والحريق، والهون والجحيم، والخلد والسموم..
أقول : هذا العذاب تحدث عنه كتاب الله تعالى كثيرا، بأساليب شتى، وفي حالات متعددة، تخويفا للناس وتحذيرا وتنبيها لهم حتى لا يضيعوا فرائضه، ولا يتعدوا حدوده، ولا يقتحموا حرماته، خصوصا و أن النبي قد أعلمنا في حديثه الصحيح أن أقل الناس عذابا يوم القيامة رجل توضع تحت أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه<!! فكيف بأشدهم عذابا، وأكثرهم عقابا؟ ولو تتبعنا الآيات الواردة في نوع واحد من أنواع العذاب المسلط على أهل النار يوم القيامة لرأينا ما تقشعر من هوله الأبدان، وتشيب من خطورته الولدان، وكمثال على ذلك طعام أهل النار وشرابهم في سور المزمل(1- 13) والصافات (62-67) والدخان (43- 46) و الغاشية(6- 7) والحاقة(35- 37) والواقعة(51- 55) وإبراهيم(16- 17) وا لكهف 29 وغير ذلك من السور..
إنه عذاب خطير، وعقاب مخيف، أقسم الله على وقوعه، وأكد ذلك بجميع أنواع المؤكدات إن، الجملة الاسمية، اللام هذا القسم، وذلك التأكيد وصل إلى عدد من القلوب، فتجاوبت معه، وكانت هذه المواقف :
1- موقف سيدنا عمر بن الخطاب ] : روى الحافظ ابن أبي الدنيا عن جعفر بن زيد العبدي قال : >خرج عمر يعس المدينة ذات ليلة، فمر بدار رجل من المسلمين، فوافقه قائما يصلي فوقف يستمع قراءته، فقرأ {والطور -حتى بلغ- إنعذاب ربك لواقع} قال : قسم -ورب الكعبة- حق، فنزل عن حما ره، واستند إلى حائط فمكث مليا، ثم رجع إلى منزله، فمكث شهرا يعوده الناس لا يدرون ما مرضه ]<(تفسير ابن كثير).
2- موقف جبير بن مطعم ] : فقد قال : قدمت المدينة لأسأل رسول الله في أسارى بدر، فوافيته يقرأ في صلاة المغرب >والطور -إلى قوله إن عذاب ربك لواقع، ما له من دافع} فكأنما صدع قلبي، فأسلمت خوفا من نزول العذاب، وما كنت أظن أن أقوم من مقامي حتى يقع العذاب..(الجامع لأحكام القرآن + الإصابة في تمييز الصحابة).
3- موقف الحسن ومالك بن دينار رضي الله عنهما : قال هشام بن حسان : انطلقت أنا ومالك بن دينار إلى الحسن وعنده رجل يقرأ {والطور} حتى بلغ {إن عذاب ربك لواقع، ما له من دافع} فبكى الحسن وبكى أصحابه فجعل مالك يضطرب حتى غشي عليه (الجامع لأحكام القرآن).
4- موقف بكار القاضي : قال القرطبي : لما ولي بكار القضاء جاءإليه رجلان يختصمان فتوجهت على أحدهما اليمين، فرغب إلى الصلح بينهما، وأنه يعطي خصمه من عنده عوضا من يمينه فأبى إلا اليمين، فأحلفه بأول “والطور”، إلى أن قال له، قل : {إن عذاب ربك لواقع} إن كنت كاذبا، فقالها، فخرج فكسر من حينه(المرجع السابق).
فاللهم احفظنا من عذابك، ونجنا من عقابك، وأعتق رقابنا من النار برحمتك آمين.
> امحمد العمراوي