إن المرأة المسلمة الملتزمة بدينها تشارك مشاركة فاعلة في النشاط الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. ومع هذا لا يزال حجم التجديد الإصلاحي وعمقه فيما يتعلق بقضية المرأة محدودا وذلك بفعل استمرار قوة الشد إلى الوراء خلطا بين قيم الدين التحررية وتقاليد المجتمع المتخلفة المتأثرة برد الفعل تجاه الحلولية المادية الغربية التي ألغت الفوارق بين الخير والشر والحسن والقبيح والذكورة والأنوثة، تأليها للجسد ونزواته واستجابة لرغبة التلذذ والسيطرة، حيث يعد جسد المرأة أخصب مورد للاستغلال الرأسمالي وحيث انتهت التحررية النسوية إلى حركة مضادة ومعادية للرجال في اتجاه الاستغناء عنهم لتكتفي الأنثى بنفسها. إن حركة التجديد الإسلامي في المقالة النسوية ما تزال تصطدم بعوائق الماضي وانحرافات الحداثة الغربية، وربط كل حديث عن مشاركة المرأة في الإصلاح الاجتماعي العام حتى كاد يقترن حضور المرأة بحضور الشهوة والجنس والفساد ودخلت الثقافة الإسلامية مفاهيم غربية عن الفقه مثل مفهوم الاختلاط حاملا ظلال من الغموض والفساد كلما وجد الرجال والنساء تحت سقف واحد حتى لو كان مسجدا أو قاعة محاضرات أو ساحة عامة للتظاهر والاحتجاج أو ميدان جهاد. وهكذا يصبح شرط من شروط التطهر والتقوى غياب المرأة وانسحابها من المجال العام، مع أن أمر النساء بلبس الزي المحتشم يحمل في ذاته إمكان حضورها في المجالات العامة مع الرجال وإلا انتفت الحكمة من ذلك ولقد بلغت نزوعات المحافظة عند بعض الشباب من التشدد حد الجدل حول مدى حق المرأة في المشاركة السياسية حتى كناخبة، فما بالك بتوليها منصب النيابة البرلمانية أو الوزارة أو الرئاسة، الأمر الذي ألقى بظلال سوداء على الإسلام وأمد محترفي التحريض ضد الإسلام بمادة ثرية لعملائهم. وهذا يفرض على دعاة الإصلاح في الإسلام ألا يَفْتُروا في الإبانة عن مقتضيات الديانة في هذه المسألة الحيوية ونعني بها مسألة مكانة المرأة في المجتمع الإسلامي وعلماء الأصول يقررون أن المساواة بين الرجال والنساء هي القيمة الإسلامية الأصلية في النظر إليهما وأنهما مخاطبان على حد سواء بالخطاب الإسلامي العام. فكلما ورد الخطاب بصفة {يا أيها الناس} أو {يا أيها الذين آمنوا} وأمثالهما إلا وكانا معنيين بفحوى الخطاب بما يجعل التمييز خلافا للأصل يحتاج إلى دليل خاص، ومع ذلك فإنهما مشتركان على حد سواء في التكريم الإلاهي قال تعالى : {ولقد كرمنا بني آدم} وفي تمتعهما بمقام الاستخلاف عن الله تبارك وتعالى في عمارة الكون وفق ما جاء به المشروع الإلهي لحياة البشر قال تعالى : {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} وتتجلى المساواة في القيمة الإنسانية وفي الجزاء والعقاب أمام القانون الإلهي في الدنيا والآخرة. قال تعالى : {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة} لا تعتبر في مفهومها الإسلامي نفي الفوارق الخلقية والنفسية بين الجنسين واختلاف الأدوار الاجتماعية، أنها لا تعني المماثلة في كل شيء ولا نفيها في كل شيء، بل يؤكد الإسلام على ما هو مشترك بين الجنسين في القيمة، وفي الأوصاف الإنسانية العامة الخلقية والعقلية والجسدية والنفسية، كما يؤكد أن المشترك حقيقي ومؤكد وهو الأوسع فإن المختلف حقيقي أيضا ومهم جدا. فكلاهما ينبغي أن يراعى في التربية وفي توزيع الأدوار وكلاهما مقصود في أصل الخلقة وفي القرآن الكريم توجيه عظيم. قال تعالى : {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله}.
فكل من الرجل والمرأة فضل بميزات عن الآخر مطلوب اكتشافها والتمسك بها واعتبارها لا للشموخ والتطاول على الآخر ولا الغض منها والتهوين من شأنها وذلكمما يجعل حقيقة العلاقة هي التكامل بين كل ما فضل به كل منهما وذلك عن طريق التعاون معه تكميلا لنقصه بما هو نقطة تفوق عندك واستظهارا بما هو عنصر تفوق عنده لاستدراك ماهو نقص عندك فيكون التنافس على هذا المستوى، مستوى التعاون والتكامل لتجميع نقاط القوة لدى الطرفين من أجل التغلب على نقاط ضعف لأن المشترك والمختلف كلاهما مقصود في أصل الخلقة لأداء أدوار مرادة وإنما جاء جانب من الخلل والانحراف في موضوع وضع المرأة في المجتمع من باب تغليب لهذا إلى جانب ـ المشترك ـ مع معسكر العلمانيين ونفي الخصوصية والتفضيل أو التركيز على الخصوصية والاختلاف لدى أهل الدين.
وعلى أية حال يأتي حديث الإسلام عن تنزل الأحكام الشرعية المختلفة بين الجنسين الواردة في الشريعة مثل إضافة حظ زائد للرجل عن المرأة في الإرث ومن تكليفه بالقوامة بمعنى رئاسة الأسرة وما يترتب على هذه الرئاسة من معاني كواجب الإنفاق.
والخلاصة أن المساواة في الخلقة والتكريم والاستخلاف وعموم الواجبات الإسلامية للرجال والنساء وهذه المساواة لا تعني التماثل وإنما التكامل في الخصوصيات التي للجنسين وأن الإسلام كرم المرأة ولم يحط من قيمتها.
> محمد باديس