كلها أيام الله… فيا لله للرجال من ثامن مارس


ياألله! كم يُجهد العالم نفسَه في كل ثامن مارس، وكأنه آخر يوم من أيام الدنيا، تطلع فيه الشمس على كائن أريد له بإيعاز المغرضين وتأليب المتآمرين، أن يحتل صورة قاتمة إطارها هضم حقوق واستيلاب ذات!.

كم يُجهد العالَم الغافل نفسه وهو يحتفل بعيد المرأة، لو التفت إلى عظمة التنزيل وأدرك الروعة في السيرة النبوية الغراء، حيث كرمت المرأة وبُوِّئت أسمى المراتب ونالت أوفر الحقوق، لعرف أن كل أيام النساء أعياد، ولما كانت هذه الضجة التي تقوم لها الدنيا ولا تقعد إلا بإذن المقنَّعين بأقنعة الحقوق المزعومة وأيديهم تمارس ـ في جزء آخر من العالم ـ أبشع أساليب التقتيل، وأفظع جرائم الاغتصاب والتنكيل والنخاسة، وما حال أفغانستان والبوسنة عنا ببعيد..

من يمكن أن يعظ من؟ هل الأمة التي سمع فيها الحق سبحانه وتعالى المجادِلة في زوجها من فوق سبع سماوات؟ أم أمم استرخصت الأعراض وابتذلت الأجساد في مسابقات الجمال ودور عرض الأزياء وأشرطة الدعارة؟ من يبشر من بأوفر الحقوق؟ أهي أمة صانت المرأة في جسدها وعرضها ومالها وبيتها؟ أم أمم عَرَّتِ المرأة واعترضت على حجابها تحت قبة البرلمان وتاجرت بها في صفقات الاقتصاد وخلف كواليس السياسة وسخرتها وسيلة لتحقيق الالتفاف حول العالم واحتوائه؟.

أليست الأيام واحدة؟ أليست كلها أيام الله؟ أو ليست أيامنا في ظل نعمة الاسلام وصفاء الإيمان وسخاء الحقوق كلها أعيادا؟ وحينما يحل ثامن مارس مؤذنا بعيد المرأة، ويؤكد المنذرون بأن هذا الكائن على موعد مع الحزن والظلم والحيف خلال ثلاثمائة وتسعة وخمسين يوما الباقية، عند كل أمم الأرض، أما عندنا نحن ـ المسلمين ـ فإن كل أيام السنة أعياد للمرأة بل للانسان، لو أدركنا سر العظمة في التشريع الإلهي الخالد، واستنرنا به، ولم نستبدله بتوصيات مُمْلاة وخطط مزعومة.

فيا لبؤس حواء حينما يُفرد لها يوم واحد من أيام السنة عيدا وكأن يومها لا يختلف في شيء عن يوم المجاعة ويوم البيئة ويوم الشجرة، أفلا عيد للرجل؟ أو ليس بين الرجال شباب قضمهم القرش ولفظتهم قوارب الموت؟ أو ليس بين الرجال عاطل أنهكته الخصاصة وسُدت في وجهه منافذ العيش؟ أو ليس بين الرجال جائع ينقب عن فضلة خبز في صناديق القمامة؟ أو ليس بينهم لص فاتك استعاض بالحِرابة واقتناص حقائب النساء عما استنزفه منه لصوص المال العام ذوو الياقات النظيفة؟ أو ليس بين الرجال زوج مقموع كتمت أنفاسه زوجة جبارة طاغية فلم يجد أمام (فرعنتها) طَوْلاً ولا حيلة؟

وبعد، ألا َعِيدَ للرجال في مجتمع استبدل النهج الكامل بالمنحرف الفاسد، فيا لله للرجال من ثامن مارس..

وإذا سلمنا جدلا بجدوى هذا العيد الذي لا يألو يذكرنا بالدونية، ويفصل ذلك الفصل القسري بين الرجل والمرأة في مجتمع كرم الله فيه الإنسان وسوى بين الجنسين في الثواب والعقاب، إذا سلمنا بهذا العيد فمن الأحق فيه بالتكريم من بين فئات النساء؟ لقد دأب الناشطون على تلميع الصورة في كل ثامن مارس فنظموا الملتقيات الأدبية والمنتديات الفكرية والحوارات الاجتماعية ودعوا لذلك من نساء المجتمع من شاؤوا، فلا تكاد تقع عينك في القنوات الفضائية إلا على محاوِرَة متجملة ومتأنقة ومناضلة مكشرة. كل يعرض بضاعته وآخر ما وصل إليه من براعة في تحدي هذا المخلوق ـ الرجل ـ والتفوق عليه وانتزاع الحقوق منه حيث لا إيمان للجميع إلا بمنطق الصراع والتصادم، وما أبعد أمتنا الإسلامية عن هذا المنطق العدائي المنافي للمودة والرحمة والإحسان. أفلا يُعَرِّي هؤلاء الناشطون الوجه الحقيقي لمجتمعاتهم ويحشدون أمام وسائل إعلامهم طوابير من النساء المسحوقات والمضطهدات، من المياومات والخادمات والطباخات وقَيِّمات الحمامات وجموع العجائز والثكالى والأرامل والمتسولات والمنبوذات… لتتحدث كل بلغتها وتُسمع العالم نبض قلبها وتذرف أمام الملأ دمعا ذرفته في جوف الظلام دما..؟

هل يقبل أولئك بالتحدي ويكشفون أقنعة البؤس التي تغطي وجه العالم كله حتى ذلك الذي يدعي التمدن والحداثة والريادة في مجال حقوق الانسان؟ وليتركوا لأولئك النساء أن يتحدثن بسليقتهن عما فعله فيهن الجشع والتكالب والأنانية ليدرك المزمرون والمطبلون أن قضية الإنسان، لا المرأة فحسب، لا تحل في يوم ولا في سنة، ولن تحل أبدا حتى يقوم العدل في الأرض كما يريده الله لا كما تريده كف الجبروت ومنطق الغلبة والتركيع.

فلأولئك النساء المهمشات وراء متاريس الإقصاء تحية إسلامية طيبة في كل أيام الله :

ـ للأرملة المكافحة التي ربت اليتامى وكونت الرجال وربَّات الحجال.

ـ للمطلقة التي لم تستقر بها الحياة في كنف زوج ما أدرك معنى السكن الروحي.

ـ للمياومات والخادمات اللواتي أنهكهن عمل البيوت وذهب بنضارة وجوههن وزهرة أحلامهن في مجتمع لا يراقب عقاب الله.

ـ لكل من سدت في وجهها أبواب الخَلْق ولم تغلق أبواب الخالق.

ـ لكل الصابرات على فقد الزوج والولد والأخ بنار القهر والاستكبار العالمي.

وتحية إسلامية لكل الرجال المضطهدين والمحرومين والمعوزين والمرضى والعاجزين…

وسيبقى فينا عيد المرأة اليوم (ولربما عيد البقرة غدا، وعيد الزرافة بعد غد) إقرارا من العالَم بالدونية وإصرارا على صراع وهمي وتنكرا لحق أريد به باطل، وتلك مشيئة الله ولله في مشيئته حِكَم وتدابير.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>