الإنــفــاق الـسـلـيـــم
الإنفاق السليم أحد ركائز التنمية الاقتصادية
هناك طاقات كبيرة يجب أن يعاد النظر فيها، وأن يصحح التصرف فيها على ضوء الفقه الإسلامي، فقه الاقتصاد الإسلامي، أن يحاول المسلم ما أمكن أن ينفق، ولكن إنفاقا في محله، فكم من الأموال ننفقها ولكن فيما لا ينفع، فالإسلام لا يحارب فقط تكديس المال، ولكن أيضا قتل المال في المشاريع التي لا تفيد، وهكذا نجد أن الإسلام خلافا لكل هذا يدعو إلى تحريك المال، وإذا حرك لا يحرك إلا في وجهه، لأنه إذا تحرك دارت معه عجلة الاقتصاد، ونال كل إنسان نصيبه وحظه، نحن لابد أن نغير هذه العقلية، عقلية المنع والحبس والتحجير على المال، لابد أن نفكر في الإنفاق – ليس في الصدقات فقط – ولكن يجب أن يصبح الإنفاق جزءا من حياتنا، لا ينبغي أن يكون مجتمعنا حريصا بخيلا شحيحا، إذا لم ننفق لايمكن أبدا أن نكون أمة في مستوى العصر.
التصدق الهادف إلى توظيف الطاقات أحد ركائز التنمية الاجتماعية
بعض الفقهاء كان يقول: إن أفضل الصدقات هي التي تعطيها للفقير وهو لا يشعر أنه تُصُدِّقَ عليه، كأن تعطيه صدقة في صورة عمل، وتعطيه أكثر مما يستحق، وأنت تقصد أن ترفعه بها وتقصد أن تمنعه من أن يمد يده. هذه مساهمة في ترقية المجتمع، لماذا أنت تضيق على الناس الفقراء في أشياء لو أَرْفَقْتَهُم بها -وأنت تَحْسِبُها صدقة- وأنت تريد أن تُعِفَّهُم بها، وأن تمنعهم من التسول، لكان في ذلك ترقية كبيرة للمجتمع.
إن أبغض منظر على وجه الأرض، هو أن يرى الله عباده المؤمنين يسألون الناس الصدقة، إن الله تعالى كتب للمسلم العزة، ولا يريد له أن يكون ذليلا، فلماذا لا نفهم هذه الحقيقة ، ونعمل على إبرازها في شكل تعليم هادف، وتصنيع هادف، وتشغيل هادف، بدل أن نساهم في إذلاله، حيث نضيق عليه ونشدد عليه ونستغل ضعفه وحاجته ونلقي به إلى المهاوي، ونفرض عليه أن يتسول؟! لا لشيء إلا لأننا لا نؤدي واجباتنا كاملة، نحن نحسب لكل شيء حساباً، ولكننا لا نحسب للمجتمع حسابا، لابد أن يفكر الإنسان فيمن حوله، ويعمل على أن تكون في المجتمع حركة ولو رمزية، ولو شبه تجارة، المهم أن كل واحد من الناس يتحرك ويربح ولو كان الربح بسيطا، فإذا كان كل واحد يعود إلى أهله في نهاية اليوم وفي جيبه عشرة دراهم أو خمس عشرة درهما فهو يتصور أنه رابح بدون شك، فهذه المشاريع المُحَرِكَةُ للإنسان في النفع والانتفاع كلها صدقات، المهم أن هذا الإنسان يُقَدِّمُ خدمة ويُعِفُّ نفسه ولا يمد يده.
بيع المضطر حرام وظلم تجاري خبيث
الفقهاء كانوا يتحدثون عن بيع المضطر ويقررون أنه لا يجوز، فالذي يستغل حاجة امرأة مثلا مضطرة لبيع أثاث بعض منزلها لعلاج زوجها المريض أو إطعام أبنائها اليتامى، ليشتري منها ما تبيعه بثمن بخس لا يساوي الثمن الحقيقي، فهذا الشخص آكلللسحت و للمال الحرام، وما يقوم به ليس تجارة بل هو حرام وسحت، لأن هذا النوع من البيع يسمى بيع المضغوط، وهو لا يجوز.
نتحدث عن الظلم وندينه، فكيف لا يوجد وهو مستشر في كل خلايا المجتمع، وأنت بدورك تظلم وتسهم في إنتاج الظلم، من أين يأتي العدل إذن، إذا صار الظلم عملة متبادلة فلابد أن يصيبك حظك من الظلم، ولابد أن تكون يوما ما مظلوما.
فالله عز وجل يدعو المؤمنين إلى هذه الخصيصة: خصيصة الإنفاق، وذلك لكي يقوم المجتمع المسلم بدوره المنوط به في تطهير المجتمع من الظلم والفحش والفساد. وكل ميدان لابد أن ينفق فيه بمقدار ما يفي بحاجته، وحين يصير لدينا هذا الفكر الذي يعطي كل شيء حقه ولا نَبْخَل، نكون قد امتثلنا لهذه الآية الكريمة {وأنفقوا خيراً لأنفسكم}.
أحسنوا صحبة الإسلام بالإنفاق
هذا الإنفاق بوجه عام، لكن الإسلام بعد هذا يحث المسلمين على الإنفاق من وجه آخر، على إنفاق تطوعي، على إنفاق يؤدي إلى قيام الحق على الأرض، وهو الإنفاق من أجل الفقراء والمحتاجين، من أجل ضمهم إلى المجتمع الإسلامي، الإنفاق من أجل قيام الأمة الإسلامية ووجودها بالمستوى الذي يتيح لها أن تقوم بمهمة الإشراف والقوامة على الناس. إذاً فهذا إنفاق آخر، الإنفاق الخاص هو الذي نجده في حياة رسول الله وحياة الصحابة رضوان الله عليهم، إن النبي كان يعلم الأمة الإسلامية أن تنبذ البخل والشح، فالرسول كان جوادا وكان كريما في حد ذاته، ولكان يوصي الصحابة بأن يكونوا كذلك، لأنهم بحكم كونهم مسلمين لا يناسبهم إلا أن يكونوا كراما، وقد رووا أن أول خطبة خطبها رسول الله في المدينة المنورة قال فيها: >أيها الناس إن الله سبحانه وتعالى قد اختار لكم الإسلام دينا فأحسنوا صحبة الإسلام بالسخاء وحسن الخلق<.
فإذا لم تكونوا أسخياء لا يمكنكم أن تؤدوا حق الإسلام، ولا يمكنكم أن تكونوا قد اعترفتم بفضل الله عليكم ومَنِّه عليكم، وفعلا فقد قام الإسلام وانتشر، وقد أحسن في صحبته الصحابة الذين ما قصروا في العطاء من أجل أن ينتصر الإسلام.
إن الصحابي الواحد كيفما كان، كان مجهودُه كاملا؛ أعطى ماله، أعطى ولده، أعطى أهله، أعطى حبه حينما هاجر من مكة إلى المدينة، أعطى أرضه حين شاطرها مع صاحبه من المهاجرين، أعطى كل شيء من أجل الإسلام. إن الصحابة لم يدخروا جهدا من أجل الإسلام، وأعطوا أرواحهم واسترخصوها في الغزوات الكثيرة، في أحد وفي حنين، وذهب منهم جنود وذهب منهم جيش من الصحابة الذين بقوا بعدهم لم يندموا على هذا العطاء، إنهم أحبوا هذا الأمر وأحبوا هذا الإسلام، وأحسنوا صحبة الإسلام بالسخاء وحسن الخلق، والرسول كان نموذجهم وكان مثالهم، وكان يعطي العطاء الكثير إلى درجة أن يأتيه الرجل فيسأله ويعطيه و يعطيه ويعطيه، ثم يأتي الرجُل النبيّ وليس له شيء فيقول له الرسول : اسْتَدِن أو اشتر ما شئت و احْسُبْ علي، أي أنا سأؤدي عنك، فكأن عمر بن الخطاب يعجب لهذا فقال: يا رسول الله لقد سألك وأعطيت و أعطيت وأعطيت، فالله لم يكلفك بهذا!!؟ فَرُئِي النبي وقد انقبض وجهه من قول عمر، فقام رجل من الصحابة وقال : يا رسول الله أنفق يا رسول الله ولا تخشش من ذي العرش إقلالا، فتهلل رسول الله وفرح بهذه المقالة وقال: بهذا وعدني جبريل عليه السلام. أي بهذه النفقة، فماذا وقع؟.
العطاء من “أساسات” الحضارة الإسلامية
الذي وقع أن هذه الحضارة الإسلامية كلها نشأت بالعطاء، الأمة الإسلامية قامت بجميع وظائفها أمام الفقراء، أمام مؤسسات العلم، أمام كل شيء، ثم جاءت الأمة التي تريد أن تدخل الجنة بالتمتمات والتسبيح، فميزان الشرع واضح، أغنياؤنا لم يقدموا شيئا للإسلام، لماذا؟ لأن الذين قدموا شيئا لأممهم نحن نعرف الآن أين هم، الذين قدموا هم الذين كونوا الدولة التي يظلمون بها المسلمين، هؤلاء اليهود هؤلاء الصهاينة، إن هديتهم لم تأت هدية من فراغ، إنهم بذلوا الجهد الكبير وأعطوا العطاء العظيم من أجل أن يصلوا إلى هذا الهدف، ولم يبدؤوا باحتلال فلسطين والمسلمون أقوياء يومئذ لا، بل عملوا من أجل ذلك لسنوات، تصوروا أن مؤتمر هرتزل الذي كان في بال سنة 1897، أي قبل مائة عام من الآن، حدد الأهداف، وقال يجب أن يدفع اليهودي بكل قوته من أجل أن تتحقق الدولة الصهيونية، الحركة الصهيونية التي دعا إليها هرتزل حددت أهدافها منذ البداية، وقالوا يجب أولا أن نستولي على الإعلام، وقالوا إننا إذا لم نتمكن من وسائل الإعلام فلا يمكن أبدا أن نُنجح مشروعنا الصهيوني، وشرعوا في العمل ووضعوا خططهم، وقالوا أول شيء يجب أن يقوم به الإعلام هو أن يغير صورة اليهودي في نظر العالم، فالناس في كل بقاع العالم سواء كانوا نصارى أو مسلمين أو غيرهم كانوا يرون أن اليهود قوم سوء لا يصلحون، فكانوا مبغوضين مكروهين، فقالوا لابد أن نغير هذه الصورة، فصاروا يكتبون عن اليهودي المظلوم، المشرد، استغلوا ما فعله هتلر شر استغلال، كم من أشرطة تصور حياة هتلر، وبأنهم كانوا يساقون، والأطفال يذبحون، وكانوا يلقون في الأفران وما إلى ذلك، فأصبحوا يكتسحون ، ثم أنشأوا مؤسسات ضخمة، وكالات الأنباء الكبرى في العالم هي وكالات صهيونية، في بريطانيا في فرنسا والولايات المتحدة، وكالات أسسها يهود، و هناك وكالات أخرى لم تكن يهودية وهجم عليها يهود واشتروها، وكان من الوكالات البريطانية وكالة ” التايمز” كانت على أبواب الإفلاس فاشتراها يهودي ب: 43 مليون دولار، وصار البريطانيون ينظرون إلى اليهود على أنهم منقذون، وحين تمكنوا من الوكالات أصبحوا ينشرون ما يشاؤون، والآن لازالت وكالاتهم وصحفهم كثيرة جدا، الصحف التي تنشر ما تشاء في بريطانيا 15 صحيفة ذات توجه صهيوني تُصدر يوميا 23 مليون نسخة، تصور العرب على أنهم عباد شهوات وأنهم ظلاميون، وأنهم …. وأنهم….، ولا تزال إلى الآن وسائل الإعلام تلتقي بالرؤساء وبالمسؤولين في البلاد الإسلامية، وأول ما تسألهم عنه هو رأيهم في التطرف الديني وفي الأصولية، وانتهى الأمر إلى ما أصبحنا نعرفه الآن من أوضاع، وأصبحنا نختار أو نرجو أن يظلمنا فلان بدل فلان، عندما تقترب الانتخابات الإسرائيلية ندعو الله أن ينجح فلان ولا ينجح فلان، مع العلم أن اليهود صنف واحد، ليس هناك “ليكود” ولا “عمل”، هناك يهود لهم نفس المرجعية التي أخبرنا الله بها {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ}( آل عمران) .
ولهذا فإننا سنظل نتأرجح بين “اللكود” و”العمل”، ندعم هذا وندعو على ذاك حتى نضيع، وحقيقة اليهود كما يصورها القرآن لم ولن تتغير، وهي أنهم لا يعطون لأحد شيئا إِلاَّ مُكْرَهِين، و إلاَّ إذا انتُزِعَ منهمبالقوة انتزاعاً.