تـوطـئـة
يقول الله عز وجل : {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}(آل عمران : 104)، ويقول سبحانه : {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة}(النحل : 125).
والذي يتعين عليهم الاستجابة لهذا الأمر الرباني، على الوجه الذي أمر به عز وجل هم من أوكل إليهم مهمة الدعوة إلى الله.
والدعوة إلى الله هي : تبليغ الإسلام وتعليمه وتطبيقه، ويلحق بها التذكير والوعظ والنصح والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وهذه الأمور كلها من الأمور اللازمة للمجتمع الإسلامي، تتحمل الأمة الإسلامية إعداد ما يلزم للقيام بها على الوجه المطلوب، ومن ذلك إعداد الدعاة والوعاظ والمرشدين ليقوموا بالدعوة على المنهج الذي أمر الله عز وجل به في كتابه، وسار عليه النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته.
وقدوفق الله جماعة من العلماء الغيورين على هذا الدين، الذين تبينوا تلك المناهج من الكتاب والسنة، فأرسوا على أساسها دعائم علم خاص، هو علم الدعوة إلى الله، وقد أصبحت الحاجة ملحة ـ وخاصة ببلدنا العزيزـ لما يكتنف القيام بهذا الأمر من خلل واضطراب لدى بعض القائمين به، لقصور المناهج وخطإ الأساليب، وتداركا لهذا الأمر، تأتي مبادرات المجلس العلمي المحلي لفاس، لعقد دورات تدريبية للوعاظ والواعظات والمرشدين والمرشدات. وقد خصصت هذه الدورة لموضوع: “الوعظ الديني في مواجهة التحديات” ليعين القائمين بهذا الأمر على القيام أحسن قيام بالدور المنوط بهم، والوظيفة الأساسية الموكولة إليهم، باعتبارهم حراس الشريعة، والقائمين بإرشاد من ضل من هذه الأمة، ووعظ وتذكير من غفل، وتعليم من جهل.
نرجو الله عز وجل أن يوفقنا للقيام بهذه المهمة على الوجه الذي يرضاه الله عز وجل ونسأله سبحانه أن يعينناعليها، ويلهمنا رشدنا ويهدينا سواء السبيل، فهو ولينا ومولانا وهو حسبنا ونعم الوكيل.
والموضوع الذي سأتناوله في هذه الدورة الموفقة بإذن الله هو: “الوعظ وتعريفه وأنواعه”.
تتداول بين الناس ألفاظ عدة يطلقونها على وظيفة أو مهمة من أعظم المهام في الأمة الإسلامية، فيسمونها تارة الدعوة إلى الله، وأخرى الوعظ أو الإرشاد أو التذكير، أو النصح. وسأتناول بالتعريف والبيان ـ على قدر الإمكان ـ كل واحدة من هذه الألفاظ على حدة.
> أولا : الدعوة إلى الله :
الدعوة في اللغة : في لسان العرب(1) : دعاه إلى الأمر ساقه، وقوله تعالى :{وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا} معناه داعيا إلى توحيد الله، وما يقرب منه، والنبي صلى الله عليه وسلم داع إلى الله، وكذلك المؤذن”.
فالدعوة إلى الشيء أو الأمر به هي الطلب مع الحث على الاستجابة لما تكون الدعوة إليه أخذا أو تركا من اعتقاد أو عمل(2).
والدعوةإلى الإسلام : هي الطلب بحرص والحث على الدخول في دين الله الإسلام اعتقادا وقولا وعملا ظاهرا وباطنا(3) ومنها قوله تعالى : {يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم، وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والارض وكان الله عليما حكيما}(النساء : 169)
والأصل في الدعوة إلى الله أن تكون لغير المسلمين، وقد تكون لبعض المسلمين حينما يكون حالهم مقتضيا لذلك.
والمهمة التي نقوم بها في نطاق المجالس العلمية موجهة بالأساس إلى المواطنين المسلمين المومنين، سواء كانوا داخل الوطن أو خارجه، فهي دعوة إلى الاستقامة وتحقيق الهداية إلى الصراط المستقيم.
> ثانيا : النصح :
أصل النصح الخلوص من الشوائب، يقال نصح الذهب : إذا خلص من الشوائب ونصحت العسل صفيته.
والفعل منه نصح، يتعدى بنفسه فيقال نصحته، وباللام فيقال : نصحت له نصحا ونصيحة، وهذه اللغة الأخيرة هي النصيحة، ومنها قولهتعالى : { ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن انصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون}(هود : 34).
والنصح : تحري فعل أو قول فيه صلاح صاحبه. وفي كتاب الله عز وجل حكاية عن سيدنا نوح : “قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين، أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون}(الأعراف : 60- 61).
وهو -أي النصح- من قولهم نصحت له الود : أي أخلصته، وناصح العمل خالصه” والنصح : عرفه العلماء بأنه الدلالة على الخير، والترغيب فيه والحث عليه، شرط أن يكون هذا النصح خاليا من الغش والخديعة والتوريط فيما لا خير فيه”. وعرفه الإمام الراغب بقوله : “النصح إخلاص المحبة لغيره في إظهار ما فيه صلاحه، وهو دون المحبة المختصة بالفضيلة،ودون محبة النفع واللذة(4)
والنصيحة : هي المقالة الهادية إلى خير المنصوح الخالصة الخالية من دخل أو غش(5) وقد عظم الإسلام أمر النصيحة وحث عليها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع أصحابه على النصح لكل مسلم، روى الإمام مسلم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : “بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم”(6). ولأهمية النصيحة جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم النصيحة هي الدين في الحديث الذي رواه تميم الداري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : <الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم<(7).
قال الإمام الخطابي : النصيحة كلمة جامعة يعبر بها عن جملة إرادة الخير للمنصوح له، وليس يمكن أن يعبر عنها بكلمة تحصرها.
> ثالثا : الإرشاد :
الإرشاد في اللغة الهداية، يقال أرشده إلى الأمر إرشادا هداه إليه(8).
وهو مصدر قياسي للفعل الرباعي المزيد بالهمزة، الذي هو أرشد، ومعناه نبهه إلى ما يوصله إلى مبتغاه، محسوسا كان، كأن يقال : أرشدته إلى المكان، أو معنويا كأن يقال أرشدته إلى الخير، وفعل الإرشاد متعد إما بنفسه فقط، كأن يقال : أرشده الله، أو أرشده فلان، وإما بنفسه وبإلى ، كأن يقال : أرشده فلان إلى الخير.
> رابعا : الوعظ :
الوعظ في اللغة(9) : مصدر وعظ يعظ وعظا وعِظة كعدة، وموعظة، النصح والتذكير بالعواقب.
واتعظ، ائتمر وكف نفسه. وعرف العلماء الوعظ بتعاريف عدة. قال الإمام الراغب : “الوعظ زجر مقترن بتخويف(10) وقال الخليل : هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب(11). وقيل الوعظ : هو تنبيه الغير إلى الأوامر والنواهي مع التذكير بالعواقب.
وإذا نحن أمعنا النظر في معاني هذه الألفاظ الثلاثة المتقدمة، النصح، الإرشاد، الوعظ، فإننا نجد أن الوعظ تنبيه وتذكير بالعواقب، وأن الإرشاد تنبيه إلى ما يوصل إلى المبتغى ، فهو تنبيه أيضا، إلا أنه إما أن يقع الإرشاد إلى شيء محسوس أو إلى شيءمعنوي غير محسوس، وهو بهذا المعنى أعم من الوعظ، فيجتمعان في أن كلا منهما تنبيه للغير، فإن كان التنبيه مع قيد التذكير بالعواقب فهو وعظ وهو أيضا إرشاد ويزيد الإرشاد بتنبيه الغير، وإن لم يكن تذكيرا بالعواقب، فبينهما عموم وخصوص بإطلاق وعظ إرشاد، وليس كل إرشاد وعظا.
أما النصح، ومعناه : تنبيه الغير إلى الصلاح مع رغبة المنبه في أن يتحقق للمنصوح ذلك الصلاح، فبينه وبين الوعظ عموم وخصوص من وجه، يجتمعان في تنبيه الغير إلى الخير، وينفرد الوعظ بالتذكير بالعواقب، وينفرد النصح بقيد رغبة الناصح في إيصال الخير إلى المنصوح.
ولما كان الإنسان ينسى، وما سمي إنسانا إلا لنسيانه، فإنه يحتاج إلى أن يذكر بما وعظ أو نصح به أو أرشد إليه.
والتذكرة : ما يحصل به تذكر الشيء، حتى لا يطويه أو يستبعده النسيان عن الحفظ ومن هنا أطلق على القرآن وآياته : “تذكرة” لأن تلاوتها وإعادة قراءتها تذكر بمفهوم الدين وتعاليمه وأحكامه وشرائعه.
قال الله عز وجل : {فما لهم عن التذكرة معرضين}(المدثر: 49)، وقال سبحانه : {طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى}(طه : 20) وقال تعالى : {وإنه لتذكرة للمتقين}(الحاقة : 69)
وعرف بعضهم التذكير بأنه “إعادة ما سبق تبليغه وبيانه وشرحه، ليذكره من كان قد تبلغه، حتى مستوى الفهم الصحيح الوافي بأن يجعله حاضرا في ذاكرته ويستخرجه من مطويات نفسه، رجاء أن ينتفع به اعتقادا أو قولا أو عملا(12).
أنـــواع الـوعــظ
عملية الوعظ أو الإرشاد أو النصح أو التذكير التي نمارسها، نقدمها على شكل خطاب مباشر، نوجهه في الغالب على شكل دروس تتخللها مواعظ.
و”الموعظة: كلمة مؤثرة رقيقة تأخذ بمجامع القلوب، لتحركها وتوقظها من غفلتها”(13).
والقرآن الكريم والسنة النبوية حافلان بالمواعظ، الموجهة للمومنين ولغيرهم من الناس. وهذه المواعظ هي التي ترسم للواعظ الطريق التي عليه أن يسلكها في وعظه، فهي تطرح الموضوعات الهامة التي على الواعظ أن يتناولها، وتبين المناهج والأساليب التي عليه أن يتبناها ويسلكها وكل ذلك في حاجة ماسة إلى من يسبر غوره، ويستخرج مكنوناته، لنسير في هذا الأمر على هدي من الله ورسوله.
“والموعظة كما وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية نوعان : عامة وخاصة(14). فالمواعظ العامة، يراد منها تذكير المومنين كافة، ومن أمثلتها قوله تعالى : {ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون، ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم}(آل عمران : 102- 105).
فهذه الموعظة أمرت المؤمنين بتقوى الله عز وجل، وذكرتهم بما يجب عليهم من التضامن والائتلاف، وحذرتهم عاقبة التفرق والاختلاف، فهي موعظة عامة في أصل عام وأمثلة هذه المواعظ كثيرة في القرآن الكريم، وسار على هدي القرآن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تكن تفوته مناسبة إلا ويعظ الناس ويذكرهم، ففي كتاب العيدين من صحيح البخاري باب الوعظ في العيدين عن أبي سعيد الخدري قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم، فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم(15).
والموعظة العامة في القرآن الكريم والسنة النبوية، تهتم بالدعوة إلى توحيد الله عز وجل، والإقرار بالعبودية له سبحانه، وتذكر بنعم الله سبحانه على العباد، وتخوف من الاغترار بالحياة الدنيا، وبالأماني الكاذبة التي يمني بها الشيطان، وتبين سوء العاقبة لمن اعتبر بذلك وحسن عاقبة المومنين على طريقة جمع القرآن الكريم بين الترغيب والترهيب. وهي توجه للمومنين وللناس عموما.
والقرآن الكريم يقدم الترغيب على الترهيب إذا كان الخطاب للمومنين ليأخذ بيدهم إلى الخير وعمل الصالحات، من ذلك قوله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد، واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون، ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون، لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون}(الحشر : 18- 20)
فإذا كانت الموعظة لتذكير الناس كافة، أتت بالأدلة على ألوهيته سبحانه وذكرت بنعم الله على العباد وقدمت الترهيب على الترغيب من ذلك قوله عز وجل : {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون، الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنت تعلمون، وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله، وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين، فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الانهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون}(البقرة : 20- 24).
ومن أهم الأهداف التي تهدف إليها المواعظ في القرآن الكريم والسنة النبوية إصلاح المجتمعات وإرشاد الناس إلى ما يحقق هذا الصلاح، والنهي عن المفاسد وتطهير المجتمعات من الأخلاق الفاسدة والسلوكات المنحرفة.
فمما يهدف إلى إصلاح المجتمعات قوله سبحانه : {إن الله يامر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون}( النحل :90- 91).
ومن أمثلة ما ينهى عن إفساد المجتمعات عن طريق المس بالأعراض قصة الإفك فهي من المواعظ الجامعة في هذا الباب، وهي من الزواجر عرفت بعظم الذنب الذي ارتكبه ملفقها، وأوعدته بالعذاب في الدنيا والآخرة، ونبهت على رحمة الله بالمومنين في قوله سبحانه : {ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم، وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم، يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مومنين، ويبين لكم الآيات والله عليم حكيم، إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون}(النور : 14- 19).
ومن أمثلة ما يدعو إلى الأخلاق الفاضلة وينهى عن إفساد العلاقات بين الناس قوله عز من قائل {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن، ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالالقاب بيس الاسم الفسوق بعد الايمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون.. إلى قوله تعالى عليم خبير}(الحجرات : 11- 13)
وأمثلة هذا في القرآن والسنة كثيرة تصعب الإحاطة بها في هذه العجالة.
أما الموعظة الخاصة في القرآن الكريم والسنة النبوية فهي موجهة إما إلى شخص معين مثل وصية لقمان لابنه الواردة في قوله سبحانه : {وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم، ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن، وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلى المصير.. إلى قوله تعالى : إن أنكر الاصواتلصوت الحمير}(لقمان : 12- 18).
ومن هذه المواعظ ما هو موجه إلى بعض الناس مثل المطلقين في قوله تعالى : {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف، ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا، ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه، ولا تتخذوا آيات الله هزؤا، واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم}(البقرة : 231).
ومن أمثلة هذا في السنة النبوية، وعظ النبي صلى الله عليه وسلم للنساء يوم العيد من ذلك ما أخرجه الإمام البخاري في كتاب العلم من صحيحه : باب عظة الإمام النساء وتعليمهن، أورد فيه حديث عطاء قال سمعت ابن عباس رضي الله عنهما قال أشهد على النبي صلى الله عليه وسلم، أو قال عطاء أشهد على ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ومعه بلال فظن أنه لم يسمع النساء، فوعظهن وأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تلقيالقرط والخاتم، وبلال يأخذ في طرف ثوبه(16).
ومن أمثلة ذلك وعظه صلى الله عليه وسلم للخصوم. أخرج الإمام البخاري في الصحيح عن أم سلمة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : >إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه شيئا، فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار<(17).
فهذا قليل من كثير مما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية، مما يرشدنا إلى المواضيع الهامة التي علينا أن نهتم بها في توجيه الناس إلى ما يصلح دنياهم وآخرتهم، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يراعي المناسبات والأحوال التي ترق فيها القلوب مثل نزول البلاء والأسقام، أو عند حضور الموت. مما يدل على أن المواعظ يجب أن يراعى فيها الزمان والمكان والأحوال.
وفقنا الله عز وجل لاتباع هديه وهدي رسوله عليه الصلاة والسلام، ووفقنالما يحبه ويرضاه. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد بدءا وختاما. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
دة. نعيمة بنيس
——————
1) ابن منظور/ لسان العرب 14/259
2) 3) د. عبد الرحمان حبنكة الميداني/ فقه الدعوة إلى الله 1/15-16 بتصرف يسير
4) 5) الإمام الراغب الاصبهاني/ الذريعة إلى مكارم الشريعة ص 295
6) رواه الإمام البخاري/ الصحيح ح رقم 53/47
7) الامام مسلم الصحيح رقم
8) د. عبد الرحمان الميداني/ فقه الدعوة والإرشاد 1/20
9) ابن منظور/ لسان العرب 7/466
10) (11) الإمام الراغب/ مفردات غريب القرآن ص 564
12) عبد الرحمن الميداني/ فقه الدعوة والإرشاد 1/17
13) د. عبد الحميد هنداوي/ منهج الدعوة في واقعنا المعاصر ص 88
14) نفس المرجع ص
15) حديث رقم 956
16) الإمام البخاري/ الصحيح ح رقم
17) نفس المصدر حديث رقم 69 71