العلماء في مواجهة التحديات


طوبى للغرباء

صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : >بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء<.

بدأ الحبيب المصطفىصلى الله عليه وسلم دعوته وحيدا مباشرة بعد نزول الوحي الذي يكلفه بقيادة العالم إلى  الفضيلة والخير، فآمنت معه زوجته خديجة رضي الله تعالى عنها، والتحق بالركب صاحبه الصديق رضي الله عنه فأبى إلا أن يبدأ عمله مباشرة بعد إسلامه، وسَأَل الرسولَ الكريم صلى الله عليه وسلم عن المطلوب منه بعد دخوله في الإسلام فأخبره قائلا : >عملك هو عملي< أي : الدعوة لهذا الدين، فخرج ولم يعد إلا ومعه ستة من المبشَّرِين بالجنة. وانطلقت الدعوة على بركة الله، وواجه المسلمون تحديات كبرى في مكة وخارجها تصدى لها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أولي العزم من الصحابة الكرام، فقاوموا وصبروا وثبتوا على دينهمحتى استوى أمر الإسلام كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ  فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار، وعز الإسلام بأهله، وانتصر جند الله في الغزوات الكبرى، ونزلت الملائكة لتقاتل مع المؤمنين بأمر الله عز وجل، ونصر الله جنده بالرعب مسيرة شهر، وفتحت مكة ودخلت تحت راية الإسلام حتى أكمل الله الدين وأتم النعمة ورضي للناس الإسلام دينا، وانتقل الحبيب المصطفىصلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، وخلفه أصحابه فكانوا من خير القرون كما وصفهم صلى الله عليه وسلم، فانطلقت الفتوحات، وشرق الإسلام وغرب، ولم يعد غريبا كما بدأ بفضل الله عز وجل ثم بفضل رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه..

من كل خلف عدوله

فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، وفرطوا في الدين، وأصبح الوعي بالدين والالتزام به في انحسار مستمر وأضحى الدعاة إلى الله يواجهون تحديات كبيرة، كلما تقدم الزمان وطال الأمد، ولكن…

>يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين<.

ولكن…

>لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم<.

على عاتقهم تقع مسؤولية دراسة واقع الأمة وتحدياتها المختلفة، ووضع الأسس التي تؤصل للعمل الدعوي لمواجهة التحديات الفكرية والثقافية والتشريعية والقانونية، والتربوية والاجتماعية والعلمية والإعلامية والاقتصادية والسياسية.

إن العلماء والوعاظ والقيمين الدينيين بشكل عام عليهم تقع مسؤولية توحيد الأمة المسلمة في فكرها وسلوكها  وتطلعاتها، وعليهم تقع مسؤولية إعداد أبناء الأمة وجعلهم قادرين على الوقوف في المكان المناسب.

وعليهم تقع مسؤولية المجاهدة والمرابطة لإثبات القدرة على الإسهام الفاعل في بناء الحضارة الإنسانية والإقلاع بالإنسان نحو الفضيلة والخير والصلاح في الدين والدنيا. وعليهم تقع مسؤولية ابتكار الوسائل المساعدة في عرض سلعة الله الغالية بأحسن صورة وبأجلى مظهر، وعليهم تقع مسؤولية الوقوف في وجه طوفان العولمة  المقيت الذي يستهدف مقومات الأمة المسلمة بكل شرائحها، وعليهم تقع مسؤولية انتشال الأسرة المسلمة من مأزقها وإنقاذ الشباب المسلم من المخدرات والإدمان والعنف وكل المشكلات التي تهدد الكيان الاجتماعي.

إن التغلب على تحديات العصر يحتم على العلماء والدعاة والمؤسسات الدعوية رسمية كانت أو أهلية أن يتكتلوا في إطار مشروع يجمع كل هذه الفئات على هدف واحد هو بناء الفرد المسلم بناء تربويا حتى يستطيع مواجهة الحياة بإيجابية ومن ثم التأثير في الأسرة التي يعيش فيها الفرد وصولا إلى المجتمع الذي من المفروض أن تنطلق منه القوة الكامنة للدعوة الإسلامية بسماحتها وأخلاقها وفطريتُها وتشريعاتها وشمولها نحو العالم، مؤكدة عالمية هذا الدين وصلاحيته لكل زمان ومكان.

عبد الحميد الرازي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>