بسم الله الرحمن الرحيم
أصحاب الفضيلة، أصحاب السعادة، حضرات السادة والسيدات كل باسمه وصفته
أيها الحضور الكريم يشرفني ويسعدني أن أحضر هذا المؤتمر العالمي الأول للباحثين في القرآن الكريم وعلومه في موضوع : جهود الأمة في خدمة القرآن وعلومه، الذي تنظمه مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع -فاس) ومعهد الدراسات المصطلحية فاس، بتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء.
لقد أنزل الله تعالى القرآن الكريم ليجعله دستور الأمة ليحافظ على كيانها ومجدها من الضياع، وحتى يسود فيها الأمن والأمان، ولتسير عليه إلى يوم قيام الساعة، ولأهمية القرآن الكريم في حياة الأمة المسلمة فإن الله تعالى أمر نبيه والأمة بالتمسك به لأن فيه عز الأمة وشرفها ومجدها وسؤددها ونصرها، قال تعالى : {فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم} وقال تعالى : {وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون} فما زالت الأمة قوية الجانب مهابة من الأعداء مادامت متمسكة بالقرآن الكريم وهدي النبي وفي الحديث تركت فيكم ما إن تمسكتم به له تضلوا بعدي :كتاب الله وسنتي.
واجبات المسلمين نحو القرآن الكريم :
ومن واجبات المسلمين حاليا تجاه القرآن ما يلي :
1- واجب تعلم القرآن وتعليمه الذي ينبغي أن يكون هم المسلمين جميعا، فتعطى له الأولويات في البيت، وفي مؤسسات التربية والتكوين والتعليم وفي وسائل الإعلام كلها مقروءة ومسموعة ومرئية، وفي المؤسسات الاجتماعية والثقافية، ورعاية المتخصصين المتقنين للقراءات، والعمل على نشر المقارئ في مراكز تحفيظ القرآن الكريم في العالم الإسلامي.
2- واجب الدعوة إليه : والأصل في هذا الواجب قوله تعالى : {وجاهدهم به جهادا كبيرا} وقوله : >بلغوا عني ولو آية<.
3- واجب البحث العلمي والدراسة الأكاديمية، فالأبحاث العلمية العميقة والدراسات الرصينة التي تنطلق من النص القرآني من أوجب الواجبات على المسلمين في كل زمان نحو كتاب الله تعالى، لأنه مصدر كل شيء.
4- واجب العمل بالقرآن والاحتكام إليه في أمور الدين والدنيا.
أيها السادة :
إن القرآن الكريم مصدر عز وكرامة للمسلمين، وهو سر سعادتهم في الدنيا والآخرة، ولذا فقد أولوه اهتمامهم البالغ، وعنايتهم الفائقة وأنزلوه المنزلة اللائقة به، ولم يحظ أي كتاب غيره من الكتب بمثل ما حظي به القرآن الكريم من العناية الشديدة، فقد وجه المسلمون كل جهودهم وبذلوا كل ما في وسعهم من أجل حفظ القرآن الكريم والحفاظ عليه كما أنزله الله تعالى على رسوله الأمين إلىأن وصل إلينا سالما محفوظا وسوف يبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وسيبقى موضع اهتمام المسلمين وعنايتهم.
جهود المعاصرين في خدمة القرآن الكريم وعلومه :
وإذا كان المسلمون القدامى قد أبْدَوا عناية خاصة بالقرآن الكريم تليق بمقامه ومكانته تليق بالوسائل والامكانيات المتوفرة لديهم عبر مختلف العصور فإن عناية المسلمين بالقرآن الكريم واهتمامهم به في العصر الحاضر قد تجلت بالخصوص في ما يلي :
- إنشاء مدارس خاصة لتعليم القرآن ودراسة كل ما يتعلق به من العلوم : من تجويد وقراءات وتفسير وغيرها من العلوم المتعلقة به في جميع مراحل التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي.
- إنشاء بعض الجامعات الاسلامية، وكليات خاصة لتحفيظ القرآن الكريم ودراسة العلوم المتعلقة به.
- إنشاء إذاعات متخصصة بالقرآن الكريم وقنوات تلفزية خاصة به في مختلف الدول الإسلامية، ومنها إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، والقناة السادسة القرآنية في المغرب على سبيل المثال.
ويتعين على القنوات الفضائية الإسهام في التوعية للعودة إلى هدى القرآن الكريم وتشويق الشباب وترغيبهم لتعلم القرآن وتدبر آياته والتمسك به.
كما انشئت مطابع لطباعة القرآن الكريم بكل عناية ودقة وأحدثها وأوثقها في وقتنا المعاصر، كما تولت هذه المطابع ترجمة القرآن الكريم إلى لغات كثيرة وانتجت تسجيلات صوتية لتلاوة القرآن الكريم بأصوات كبار القراء.
وفي الوقت الحاضر تنظم مسابقات محلية ودولية لحفظ القرآن الكريم وتجويده ومنها مثلا : تلك التي تنظم في المغرب دائما بمناسبة شهر رمضان بصفة خاصة.
كما بذل المسلمون كل ما في وُسْعِهم من أجل العناية بالقرآن الكريم والمحافظة على سلامته من أي تحريف أو ضياع وبقائه كما أنزله الله تعالى بكل حرص واهتمام بالغ.
وفي عصر المعلوميات والانترنيت فإن على جميع المسلمين العمل على استغلال مختلف هذه الوسائل لخدمة القرآن الكريم وعلومه، ونتوفر الآن في الأنترنيت على عشرات المواقع المهتمة بالقرآن الكريم وهي في اتساع مستمر، كما أن المواقع باللغات غير العربية المهتمة بالقرآن الكريم وترجمة معانيه وعلومه متوفرة الآن بعشرات اللغات أيضا، وهي توفر مواقع لتفسير القرآن الكريم وعلومه والإجابة عن استفسارات السائلين، كما أن المعالجة الصوتية للقرآن الكريم قد شقت طريقها هي الأخرى، فالتسجيلات الصوتية للمقرئين، وتعليم قواعد التجويد وغيرها قد مكنت من عرض القرآن الكريم وتعليمه بأساليب حديثة وناجعة وعالية التأثير.
ومع كل ما سبق فإن على المسلمين ألا يغفلوا أو يتهاونوا في مواجهة كل ممارسة تعبر عن العداء للقرآن الكريم منذ أن أشرقت شمس القرآن على الدنيا وسطع نوره في الكون وهو يبدد الظلام ويهدي إلى الطريقة الأقوم كما قال تعالى : {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} ولذلك لم يَرُق لفئات من الناس الذين اعلنوا حربهم عليه وعداوته له ومنذ الوهلة الأولى لنزوله على سيدنا محمد رسول الله ، واستمرت بعد وفاته هذه العداوة إلى يومنا هذا، واتخذ أعداء القرآن في حربهم عليه وسائل شتى وأساليب متنوعة عبر القرون، دافعهم في ذلك الحسد والحقد فيما خص الله به هذه الأمة. وهدفهم في ذلك إطفاء هذا النور الذي أمرهم به، وآخر ما بقي من هذا العداء للقرآن الكريم إقدام القس الأمريكي تيري جونس على إحراق نسخة من القرآن الكريم بتاريخ 20 مارس من السنة الماضية.
إلا أنه مهما كان حجم هذا العدوان للقرآن الكريم وأهله ومهما كان حجم هذه الحروب التي تقام ضده، ومهما كانت إمكانات من يقوم بذلك فقد تكلف الله جل وعلا بحفظ كتابه، فقال : {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}، ووعد بنصر هذا الدين وظهوره وهيمنته لأنه هو الدين الحق {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره علىالدين كله ولو كره المشركون}.
جهود جامعة سيدي محمد بن عبد الله :
ومن جهتها فإن جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس تولي أهمية كبرى لكل ما يتعلق بالقرآن الكريم وعلومه، ولا أدل على ذلك ما تقوم به مُختلف شعب الدراسات الاسلامية بالجامعة، وغيرها من الشعب الأخرى وما تقوم به مختلف المختبرات وفرق البحث التي ينشطها ثلة من خيرة أساتذة الجامعة الذين لا يكتفون فقط بالبحث في كثير من القضايا التي تهم القرآن الكريم والنشر، ولكن الإشراف أيضا على الكثير من بحوث الطلبة سواء في الإجازة أو الماستر أو الدكتوراه.
ووعيا منها بواجبها تجاه القرآن الكريم فإن جامعتنا ما فتئت تشجع كل المبادرات الهادفة إلى عقد لقاءات أو ندوات لها علاقة بالموضوع، وتشجع الباحثين في هذا الإطار، ولعل آخر ما أنجزته الجامعة في هذا الباب هو مصادقة مجلس الجامعة بتاريخ 29 دجنبر 2010م على إحداث كرسي للإعجاز العلمي في مجال القرآن الكريم والسنة النبوية، وهي مستعدة لبذل مزيد من الجهود في سبيل انتشار علوم القرآن وتطوير الدراسات المتعلقة به، وبيان إعجازه واستنباط الهدى منه.
أيها السادة :
لقد وضعتم نصب أعينكم في هذا المؤتمر رصد جهود الأمة في خدمة القرآن الكريم وعلومه ليكون مقدمة لما ينبغي أن يكون، وفسح المجال أمام النقاش العلمي الجاد، والتعبير عن الرأي والرأي الآخر، والوقوف على التوجهات والمقترحات والتوصيات من أجل النهوض بعلوم القرآن الكريم، مما سوف يساعد في مشاريع تستجيب لحاجة الأمة في هذا العصر، وتوظف مختلف المناهج لتحقيق النهضة العلمية المنشودة.
وإذ نثمن هذا المجهود عاليا ونقدره فإننا نرجو صادقين أن تتفوقوا في تحقيق مراميه وأهدافه.
نتمنى لمؤتمركم النجاح والتوفيق والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
كلمة السيد رئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله التي ألقاها بالنيابة الدكتور محمد آيت المكي نائب ر ئيس الجامعة للشؤون الأكاديمية: