أجمل صورة من صور إيمانك، هي صورتك وأنت منغمس في عبادة ربك، تركع له وتسجد، وتكبر وتحمد، وتسبح وتمجد، في خشوع كامل، وخضوع شامل، وتذلل لله رب العالمين، يخفق قلبك، ويهتز فؤادك، وتذرف عيناك، وتسمو في العلياء روحك. إنها الصلاة، وما أدراك ما الصلاة؟ عمود الدين، وركن الملة المتين، إذا صلحت صلح سائر عملك، وإذا فسدت فسد سائر عملك، ما أمر الله تعالى بشيء أمره بها، وما أوصى الحبيب عليه السلام بشيء إيصاءه بها، وما داوم الصالحون من هذه الأمة على شيء مداومتهم عليها، وما اهتم العلماء بشيء اهتمامهم بها، وما خاف المحبون على شيء خوفهم عليها. وإخالك تعلم أن سيدنا الكريم، ونبينا العظيم، عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، كان إذا حانت الصلاة فكأنه لا يعرف أهله ولا يعرفونه، وهو الذي قال: >وجعلت قرة عيني في الصلاة<، وتعلم أن صاحبه وخليفته من بعده، سيدنا أبا بكر الصديق رضي الله عنه، كان إذا دخل في الصلاة لا يتبين أحدٌ قراءته من شدة بكائه، وقد كان من سلفنا رحمهم الله من قطعت ساقه وهو في الصلاة فما أحس بذلك، ومنهم من سقطت بعض سواري المسجد وزواياه وهو في الصلاة فما شعر بما هنالك، ومنهم ومنهم… كل ذلك لأنهم كانوا في الصلاة، أي إنهم كانوا مع الله جل وعلا، فتأمل كيف أدركوا هذا الحال، وكيف بلغوا هذا المنزل، وكيف تحققوا بهذه العبادة، فإن بإمكانك أن تصل. وإن مما يعينك على ذلك الورع، وترك الشبهات، فإن من ترك الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، وأنا أذكر لك -وفقك الله وسدد خطاك- حال أحد الصالحين، والعلماء الورعين: أبا عبد الله محمد بن علي بن عبد الله الأموي محدث سبتة السليبة في زمانه المتوفى عام 400 والمشهور بابن الشيخ الراوي. أذكر لك حالا واحدة من أحواله في الصلاة لا لتكون مثله، وإنما لتجتهد في القرب من الله تعالى، والانصهار في العبادة، أكثر وأكثر، فقد قال تعالى: {واسجد واقترب}.
ذكر أبو عبد الله محمد ولد القاضي عياض رحمه الله في كتابه: التعريف بالقاضي عياض ص 42، قال: أخبرني أبي رضي الله عنه في كتابه بخطه ومنه نقلت، قال: أخبرنا أبو الربيع عن عثمان عن بعض الأشياخ أنه رأى الشيخ الراوي إذا صلى نزع قلنسوته عن رأسه ووضعها بين يديه، وكان في زمن بارد، قال: فكلمته في ذلك فقال لي: عن كل شيء تسأل! إن هذه القلنسوة أعرف خرقها من حيث هي، فأعطيتها لخياط خاطها، فلا أعلم الخيوط من حيث هي، فأنا أكره الصلاة بها لذلك! تذكر حال هذا الرجل جيدا حين تريد أن تقف بين يدي سيدك ومولاك، فإنه أعون على الخشوع، وأدعى للقبول. وفقك الله وتقبل منك.
ذ. امحمد العمراوي من علماء القرويين amraui@yahoo.fr