ألزمت المؤسسة الدينية في مجال تحصين المسلم وتربيته الداعية باستيعاب دعوته كل المسلمين وألا تستثني منهم أحدا إذ النصح يجب أن يبدى إلى جميعهم فالمسلمون في المجتمعات غير المسلمة منهم المذنبون ومنهم دون ذلك، وهذه سنة الله تعالى في الذين آمنوا، قال رسول الله : «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم»(1).
فالعصمة لله ولرسوله ، والدعوة يجب أن يجد فيها كل مسلم -مهما كانت درجة إيمانه- موقعه فيها.
وإن المجتمع المديني على عهد رسول الله كان على هذه الشاكلة وهو مضمون كلام الله ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد، ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله، ذلك هو الفضل الكبير (2).
وقد حد النبي رجلا شرب خمرا ثم أوتي به مرة ثانية فجلده، فقال رجل من القوم “اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به”، فقال النبي : «لا تلعنوه فإنه يحب الله ورسوله»(3).
وهذا كان سببا في توبته وصلاحه.
وما أمر ماعز والغامدية عنا بخفي.
وهذا أبو محجن الثقفي يؤتى به إلى سعد بن أبي وقاص يوم القادسية، وقد شرب الخمر، فأمر سعد فقيد وأودع في القصر، فلما رأى أبو محجن الخيول تجول حول حمى القصر وكان بطلا شجاعا…
ثم قال لابنته حفصة امرأة سعد: أطلقيني ولك –والله علي- إن سلمني الله أن أرجع حتى أضع رجلي في القيد فإن قتلت استرحتم مني، فحلته حتى التقى الناس، فوثب أبو محجن على فرس لسعد ثم أخذ رمحا، فجعل لا يحمل على ناحية من العدو إلا هزمهم، وجعل الناس يقولون هذا ملك… فلما هزم العدو رجع أبو مجحن حتى وضع رجليه في القيد، فأخبرت ابنته حفصة سعدا بما كان من أمره، فقال سعد “لا والله لا أضرب اليوم رجلا أبلى للمسلمين ما أبلى لهم فخلى سبيله، فقال أبو محجن: قد كنت أشربها إذ يقام علي الحد، وأطهر منها، فأما إذ بهرجتني فوالله لا أشربها أبدا”(4).
وهذا أبو الدرداء يمر على رجل قد أصاب ذنبا فكانوا يسبونه فقال: أرأيتم لو وجدتموه في قليب ألم تكونوا مستخرجيه؟ قالوا: بلى! قال فلا تسبوا أخاكم واحمدوا الله الذي عافاكم! قالوا: أفلا تبغضه؟ قال: “إنما أبغض عمله، فإذا تركه فهو أخي”(5).
ويقول ابن مسعود : “إذا رأيتم أخاكم قارف ذنبا فلا تكونوا أعوانا للشيطان عليه، تقولون اللهم أخزه، اللهم العنه، ولكن سلوا الله العافية، فأما نحن أصحاب محمد فكنا لا نقول في أحد شيئا حتى نعلم علام يموت، فإن ختم له بخير علمنا أنه قد أصاب خيرا، وإن ختم له بشر خفنا عليه”(6).
فإذا كان هذا واقعا في المجتمع المسلم، فكيف يهجر المسلم في المجتمع غير المسلم، أو ليس من باب أولى أن يحافظ عليه في معسكر الإيمان، وألا يزج به في معكسر الكفر فيضل ويشقى، ويضيع أجر حمر النعم، «لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم»(7).
فلابد إذن من تربيته بإصلاح تصوره، وسلوكه، والتزامه، وبإعداده إعدادا يؤهله لتبليغ دعوة ربه﴿ ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين (8)﴾ مع مراعاة سنة التدرج في كل ذلك، بدءا بالأهم فالمهم. هكذا يكون البناء بإحكام، وهكذا كان البلاغ أول مرة: ﴿ وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك (9).
وقال رسول الله لمعاذ : «إنك تأتي قوما أهل كتاب فادعهم إلى شهادة ألا إله إلا الله وأني رسول الله» وفي رواية «فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله…»(10).
د. زكرياء المرابط
————–
1 – صحيح مسلم شرح النووي 77/86.
2 – سورة باطر، الآية 32.
3 – صحيح البخاري، كتاب الحدود، باب ما يكره من لعن شارب الخمر، وأنه ليس بخارج من الملة رقم 6780
4 -
5 – ذكره أبو نعيم في الحلية 1/225 وينظر في حياة الصحابة 2/344.
6 – ذكره أبو نعيم في الحلية 4/205 وينظر حياة الصحابة 2/344.
7 -
8 – سورة فصلت الىية 32.
9 – سورة الفرقان، الآية 32.
10 – صحيح البخاري كتاب الزكاة باب اخذ الزكاة من الأغنياء، ترد على الفقراء رقم 1496.