احذري لصوصا يسرقون حليك (2)


ما زال بَوْحي بنيتي يهمس شجنا، يعلو ويخفت حبا وغيرة عليك، يسمعك كلاما صيغ بتأوهات أم رفضت أن تعجو وليدتها، تحتضنها بصدق المشاعر، وتهديها طيب النصح كلمات أصلها ثابت وفروعها بلغت عنان السماء لتعلو بمقامك كلما سمقت شجرة الامتثال.
فاعلمي بنيتي أن :
ج- حجابك تاجك، وعفافك نجاتك.
إنه تاج يزين رأسك، وراية ترفرف في سماء طهرك، ويشهد بعفافك، وصوت صدّاح يعلو الأفق يقول: قد أطاعت من لبستني وأقامت حدودي أمر ربها وامتثلت لحكمه.
ولكن قد تعجبين بغطاء الرأس المصنوع من «الموسلين» الشفاف، ويقول لك سارق معنى الستر منك: لا ضير أن تلبسيه لتظهري شعرك الحريري الجميل، كي لا يعتقد الناس أنك…
لا تفرغي حجابك من معناه، فتجعلي جمال الخميصة الفاني يسمه بقبح المعصية.
فالافتتان بالأزياء مصيدة نسج شباكها لصوص الحياء، فليكن دأبك كمن استنصرت بالرسول لما عراها اليهود فنادت: «وامحمداه !!»، فأجابها ،- كما تحكي لنا كتب السيرة- بطرد اليهود من المدينة.
لقد تحرك جيش المسلمين انتصارا لامرأة أبت مؤامرة اليهود، فصرخت رافضة إذلالها، فانتصري لحجابك بصراخ عملي تتمنعين به عن تصاميم العري، وترفضين مكائده. لئلا تجعليه صفرا في ميزان الطاعة والامتثال. وأيقني بعداوة من يعري طهرك بمسميات مزيفة. فأولئك لصوص يسرقون بهاء طاعتك ويلبسون مسوح الأتقياء، وحقيقتهم وسوسة شياطين، لما علموا غلاء سلعة الطهر والعفاف تنافسوا في المكر والخديعة فتلونوا بألوان الإغراء والغواية.
د- طهر التقيات
الطاهرات العفيفات في عهد النبي الأكرم ، لما نهاهن عن تبرج الجاهلية الأولى، تورعن ورعا قد يطير لب العقل من روعته، فهذه هند بنت الحارث الفراسية تروي حديث أم سلمة زوج النبي قالت: استيقظ رسول الله ليلة فزعا يقول : «سبحان الله ماذا أنزل الله من الخزائن وماذا أنزل من الفتن من يوقظ صواحب الحجرات يريد أزواجه لكي يصلين، رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة». قال الزهري: وكانت هند لها أزرار في كميها بين أصابعها (1).
لكي لا توصف هند بالكاسية في الدنيا العارية يوم القيامة اتخذت أزرارا لكميها خشية ربها في زمان سعت فيه أقدام الطاعة على أرض الاشتياق، فكيف بالعارية في الدنيا المباهية بعريها في زمن انتكست فيه الهمم على أرض النفاق؟
هـ- نزوة مردية
ستكسى الكاسية العارية لباسا من نار يوم القيامة. ولن تدخل الجنة ولن تجد ريحها.
قالها النبي : «صنفان من أهل النار لم أرهما: رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات على رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» (2)
إنها نزوة حب إظهار الجمال والمفاتن جعلت النبي يتبرأ من الكاسية العارية، فلم ينسبها لأمته. إنما نسبها لأمها الهاوية.
هي نزوة أطاعت بها الكاسية العارية الهوى فعصت المولى. وحرمت من الجنة وريحها، ونزعت بإيثارها ثوب الحياء فتوارى الإيمان لأن : «الحياء والإيمان قرناء جميعا فإذا رفع أحدهما رفع الآخر.» (3)
خابت من حملت ظلما
لقد أفصح الحديث الشريف عن غرض الكاسية العارية، فهي مائلة مميلة، زاحت عن الإضرار بنفسها، فتعدت وظلمت غيرها. وقد خاب من حمل ظلما (4)
عريها إمالة لغيرها عن الحق، استعملها الشيطان فجعلها من جنوده، فأغوى وفتن بها خلقا كثيرا.
لما ذبل توهجها في جنة الطاعة سعّرت لظاها في دركات المعصية فكانت فتنة، فحذر من فتنتها بقوله : «إن الدنيا حلوة خضرة. وإن الله عز وجل مستخلفكم فيها لينظر كيف تعملون. فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء. فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء».(5) وشتان بين من علت بها همة الاستخلاف، ومن سفل بها دنس الغواية.
ولما فاض دفقي نظما، استنهضت الهمة نصحا أن :
لا تركني لهمز لئيم أخبرت بعدائه غدار
منيته أن تحشري ذليلة لا شفاعة لا قـرار
تشاطرينه مستقر لظى، لعمري بئس الجـار
تصير أمك هاوية، وتلفح وجهك النـــــار
زينته تصير رمادا، إغواؤه لا شك ضـــــار
لا تضيعي صروف عمرك سدى، يسمك العار
ولتكن منك النفس رضية، لا تضطرب لا تحتار
تسلم لحكم الجبار منيبة، فهو الواحد القهـــــار
ذة. رجاء عبيد
———-
1 – صحيح البخاري
2 – رواه أحمد 8665 – مسلم 2128- الطبراني في الأوسط 1811
3 – رواه الحاكم في صحيح الترغيب والترهيب 2636
4 – طه :108
5 – رواه مسلم.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>