حـوار العـدد – الدكتور أحمد الريسوني لجريدة المحجة عن الدرس المقاصدي وأهميته في التجديد والترشيد


على هامش الدورة العلمية في مقاصد الشريعة التي نظمت تحت عنوان «إعمال المقاصد بين التهيب والتسيب» التقت جريدة المحجة الدكتور أحمد الريسوني، وكان لها معه هذا الحوار في أثر مقاصد الشريعة الإسلامية في حل معضلات الأمة السياسية والتربوية والاقتصادية وغيرها من المعضلات والإشكالات.

بطاقة تعريف

> ولد أحمد الريسوني بالعرائش شمال المغرب سنة 1953م.
> حصل على على الإجازة من كلية الشريعة بجامعة القرويين بفاس سنة 1978م.
> التحق لإتمام دراساته العليا بجامعة محمد الخامس بالرباط، فحصل منها على :
< شهادة الدراسات الجامعية العليا سنة 1986م.
< دبلوم الدراسات العليا (ماجستير) في مقاصد الشريعة سنة 1989م.
< دكتوراه الدولة في أصول الفقه سنة 1992م. > يدير «مركز المقاصد للدراسات والبحوث» بالرباط منذ أواخر 2012.
> انتخب نائبا لرئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين سنة 2013.

< أولا كيف تقيمون الجهود المبذولة اليوم في مجال الدراسات المقاصدية؟ >> بسم الله الرحمن الرحيم، الحقيقة الماثلة أمامنا والتي نعيشها ونراها هو أن هناك ما يمكن وصفه بنهضة مقاصدية وصحوة مقاصدية وانطلاقة قوية للفكر المقاصدي والإنتاج المقاصدي. ولا شك أن المغرب يعد في نظر -حتى الباحثين والمهتمين من خارجه- مهدا لهذه الانطلاقة الحديثة وأيضا له باعه القديم. فإذن هناك نهضة مقاصدية في العالم الإسلامي كله؛ في الجامعات الإسلامية، وفي المثقفين المسلمين حتى في التخصصات غير الشرعية.
وقد تدارسنا -والحمد لله تعالى- في هذه الدورة كيفية ترشيد هذا الحراك المقاصدي، هذا النهوض، وهذا الإنتاج العلمي الغزير فعلا هو في حاجة إلى ترشيد وتقويم. وهناك اليوم وعي متزايد بأهمية المقاصد وإقبال مدهش على الدرس المقاصدي لكنه يحتاج فعلا إلى جهد كبير في التصحيح والترشيد والتقويم، وهو ما سعت إليه مجموعة من الدورات والمؤتمرات والمؤلفات، ودورتنا هذه تندرج في هذا الإطار.
< تحدثتم عن اهتمام واسع ونهضة عامة للدرس المقاصدي، ترى ما هي الأبواب والمجالات التي يمكن لعلم المقاصد أن يسهم بنجاعة في حل معضلاتها الكبرى والملحة؟ >> أولا -وكما اتفقنا وذكر هذا مرارا- أن علم المقاصد يعد اليوم من المداخل القوية والفعالة في تجديد العلوم الشرعية، بل إن المتخصصين في علوم أخرى من غير المقاصد من تفسير وفقه وعقيدة -كما عبر الشيخ بن بيه- أصبحوا يستنجدون بالمقاصد لزرع الروح والتجديد لهذه العلوم من خلال إدخال مقاصد الشريعة فيها.
إذن هذا هو الهدف الأكبر، وهذه هي الوظيفة الكبرى والحقيقية للمقاصد، لأنها لا تعطي في مجالها فقط بل تزرع روح التجديد والنهوض والتطور في كافة العلوم الإسلامية الأخرى، والفكر الإسلامي والتفسير والفقه والعقيدة…إلخ
وأكثر من هذا فهناك الآن ومنذ مدة غير يسيرة متخصصون كثر في غير العلوم الشرعية المعروفة مثل الاقتصاد والتربية والإعلام والسياسة الشرعية والقانون بدؤوا يلتفتون إلى المقاصد واستثمار قواعدها وتوظيفها لتجديد هذه العلوم، ووجدوا في المقاصد زادا ومبدءا وهداية لهم في هذه المجالات العلمية المتخصصة.
فهناك اليوم العناية بالمقاصد التربوية، والمقاصد الاقتصادية ومقاصد الشريعة في المال، ومقاصد الشريعة في الحكم وفي التنمية، وفي البيئة، وفي غير هذا كثير، مما يعني أن علم المقاصد دخل كتغذية قوية في كثير من التخصصات الشرعية والعلمية والاجتماعية…
< ارتباطا بهذا الأمر واعتبارا للتوسع الذي أخذت تحظى به المقاصد الشرعية توظيفا وإعمالا وتوسيعا ألا يخشى من التسيب والانفلات في هذا التوظيف؟ وكيف يمكن حماية الشريعة الإسلامية قواعد ومقاصد من التطاول عليها وإساءة فهم المقاصد وتوظيفها سلبيا في نقض الشريعة وتعطيل أحكامها باسم المقاصد؟ >> نحن كما تعلم دورتنا هذه التي امتدت على ثلاثة أيام خصصت لهذا الغرض وجعلنا عنوانها : «إعمال المقاصد بين التهيب والتسيب»، فهناك المتهيبون الذين يعطلون المقاصد أو يفتحونها في أضيق الحدود، وهناك من أخذوا المقاصد وذهبوا بها كل مذهب، يقولون فيها بدون ضوابط ولا قواعد، فكانت دورتنا هذه تعكس هذا الوعي بضرورة التقعيد وضرورة وضع المنهاج، فبعض ذاك أنجزناه في بعض بحوث هذه الدورة، وبعضها الآخر قررنا أن نواصل البحث فيه إن شاء الله تعالى.
< تعرف الساحة السياسية في عالم العربي والإسلامي حراكا سياسيا تتقاطب فيه التصورات والتحركات وتتجاذب المواقف وتتنابذ، وأصبحت الحاجة ملحة إلى فقه السياسة الشرعية فقها شرعيا واقعيا مواكبا للمستجدات في إطار قواعد الشريعة وروحها، كيف يمكن في نظركم أن يسهم تفعيل علم المقاصد بقواعده وروحه في ترشيد حركة الأمة وتقريب الهوة ورأب الصدع، وتوحيد الصفوف من أجل بعث إسلامي قوي، رائد وراشد؟ >> هذا حقيقةً مهم جدا، فإعمال المقاصد في المجال السياسي يحظى اليوم أيضا بعناية متقدمة في مجال الدرس المقاصدي، فعلى سبيل المثال في السنة الماضية في مثل هذا الوقت، انعقدت في تونس ندوة دولية عن المقاصد في المجال السياسي والدستوري تحديدا، ونشرت بحوثها، وانعقدت ندوات عديدة في استنبول والقاهرة والدوحة كلها تهدف إلى هذا الذي أشرتم إليه، لأن فقهاء الشريعة والسياسيين الإسلاميين أصبحوا يجدون في مقاصد الشريعة منجما ثرا لترشيد السياسات وترشيد الفكر السياسي، لأن المقاصد تمدهم برؤية استراتيجية وشمولية، يكفي على سبيل المثال أن أذكر، ويذكره دائما الشيخ عبد الله بن بيه، إذ يقول : نحن نقول لحكامنا وزعمائنا خذوا هذه الضروريات واحفظوها لنا وانتهى الأمر ولا نطالبكم بأكثر من هذا. هي كلمات لكن هي منهج حياة وهي استراتيجية عمل للسياسة والسياسيين.
فإذن مقاصد الشريعة تحقيق الحرية والكرامة والعدالة وحفظ مصالح الإنسان ودرء المفاسد، وحفظ الأبدان، هذه كلها رموز وشعارات لا توجد تقريبا في سياسة راشدة إلا وتراعيها وتحفظها.
فإذن مقاصد الشريعة تلهم وتهدي السياسيين بشكل كبير جدا.
< أنشأتم مركزا للدراسات المقاصدية، لماذا هذا المركز؟ وما هي الأهداف التي يروم تحقيقها؟ والثغرات التي يسعى إلى سدها؟ وما المشروعات والوسائل والإجراءات التي تشتغلون بها لتحقيق ذلك؟ >> هذا المركز اسمه : «مركز المقاصد للدراسات والبحوث» أسس في 2013 قبل سنة ونصف تقريبا، وهو طبعا ليس متخصصا في المقاصد، وإن كانت المقاصد من أبرز اهتماماته لكنه يهتم بصفة خاصة بالدراسات والبحوث الإسلامية في القضايا الراهنة ذات الأولوية وذات الأهمية سواء أكانت فقهية أو أصولية أو منهجية، أو سياسية أو فلسفية، أو اجتماعية أو دعوية، فالمعيار عندنا هو مدى الحاجة وشدتها، لا نريد أن ننجز بحوثا لنيل الشهادات، أو لمجرد التأليف، بل نخدم قضايا معينة تشتد حاجة الأمة إليها، فإذا أُخبرنا أو طُلب منا، أو إذا نحن أدركنا أن هناك قضية فيها إشكالات وتحتاج إلى معالجة علمية عميقة ورصينة نتبنى هذا الموضوع ونشرع فيه.
طبعا نحن الآن في البداية ومع ذلك عندنا بعض المشاريع التي بدأت تتحرك على أرض الواقع وينخرط فيها عدد من الباحثين، منها : المقاصد التربوية للأجيال والشباب والصغار، أي خاصة بالمراحل الأولى من عمر الإنسان، وهناك المقاصد التربوية الخاصة بكل مرحلة.
وهكذا فعندنا عدة مشاريع قيد الدراسة في مجالات مختلفة معيارنا فيها ما تشتد إليه حاجة الأمة فعلا، فلا يدخل ضمن اهتمامنا قضايا بعيدة ولا نظرية ولا تراثية ولكن نعالج قضايا راهنة وملحة.
< يلاحظ اليوم -وكما تفضلتم بذكره سابقا- اهتمام واسع بالمقاصد وانخراط العديد من الباحثين فيها، ويلاحظ معها تكرار الأعمال وغياب التنسيق، كيف يمكن تلافي هذا الخلل وترشيد البحث المقاصدي ووقايته من التكرار والاجترار وهدر الجهود والارتقاء به إلى مستوى التنسيق والجدة الفعالية؟ >> الحقيقة أن مثل هذه الدروات والمؤتمرات والملتقيات العلمية هي أفضل طريقة، وفعلا يحس الباحثون فيها بروح التعاون والتشاور وأنها فرصة كبيرة لأن يلتقوا ويتعارفوا ويتبادلوا المعارف والخبرات والتجارب على تفاوتها، ومن خلالها تربط علاقات شخصية لمزيد من التعارف وإتاحة الفرص للصلة واستمرار التواصل.
< هل من كلمة أخيرة أستاذنا الفاضل؟ >> كلمتي الأخيرة هي أن جريدة المحجة وهي تفاتحني بهذا الحوار أعتبر ذلك بمثابة زيارة في الله وتواصل في الله بيني وبين أهلها، فقد غادرت المغرب لفترة طويلة، وباعدت بيننا أشغال واهتمامات, والآن فقد أحيا في هذا الاتصال وهذا الحوار الصلة صلة الرحم، ولقد ذكرني هذا اللقاء بأستاذنا العزيز المفضل فلواتي رحمه الله تعالى الذي نذكر جيدا كيف أن هذه المبادرة بتأسيس هذه الجريدة تحت رعايته في بيته وبماله وبوقته وجهده، فإذن هذه صلة رحم أسأل الله تعالى أن يبارك في القائمين الجدد والمتجددين على هذا المنبر الإعلامي الإسلامي الأصيل، وأدام الله في نفعه وعمره وبارك في خطواته
< جزى الله العلي القدير أستاذنا الفاضل على هذا الحوار المفيد وبارك في عمركم وعلمكم ، وإلى فرص أخرى إن شاء الله تعالى.

حاوره : الدكتور الطيب الوزاني

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>