خطبة منبرية – مـــن آداب الإســـــــلام


الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ……
أما بعد :
فيقول الله تعالى في محكم كتابه المبين: وإذا بلغ الاطفال منكم الحلم فليستاذنوا كما استاذن الذين من قبلهم كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم
عباد الله:
آداب الإسلام وفضائله كثيرة تدخل في كل شأن من شؤون الحياة كما تشمل الكبير والصغير والرجل والمرأة، فالنساء شقائق الرجال كما قال النبي ، فما يطلب من الرجل يطلب كذلك من المرأة فهما معا يكونان المجتمع وبهما يعرض الإسلام ويعرف، هذه الآداب التي دعا الإسلام إليها وحض عليها لتكامل الشخصية المؤمنة وتحقق الانسجام بين الناس، ولا ريب أن التحلي بتلك الآداب والفضائل يعزز جمال سلوك المسلم ويزيد محاسنه ويحبب شخصيته ويدنيه من القلوب والنفوس، وهذه الآداب المذكورة هنا هي من لباب الشريعة ومقاصدها، فليس معنى تسميتها آدابا أنها على طرف الحياة والسلوك، يُخَيَّرُ الإنسان في فعلها وتركها، قال الإمام القرافي في كتابه الفروق وهو يتحدث عن موقع الأدب من العمل وبيان أنه مقدم في الرتبة عليه: [واعلم أن قليل الأدب خير من كثير من العمل ولذلك قال رويم لابنه: يا بني اجعل عملك ملحا وأدبك دقيقا، أي استكثر من الأدب حتى تكون نسبته في الكثرة نسبة الدقيق إلى الملح وكثير الأدب مع قليل من العمل الصالح خير من العمل مع قلة الأدب] وإن من الناس من تخلى عن الآداب الإسلامية التي جاء بها رسول الله وتمسك بعادات قومه وتقاليد قبيلته، ومن المسلمين من تخلى عن سنة نبيه وتمسك بآداب غير المسلمين وتعاملاتهم فيما بينهم ظنا منه أنهم أحسن منا أدبا في التعامل مع زوجاتهم ومع بعضهم البعض، فمن الآداب الإسلامية التي جاء بها رسول الله وحض عليها وتخلى عنها كثير من المسلمين للأسف أدب البيوت:
فمن آداب البيوت :
1 – إلقاء السلام أثناء الدخول للبيت : فإن كثيرا من المسلمين تخلوا عن إلقاء تحية السلام أثناء الدخول على أهلهم وأولادهم جهلا أو حياء أو تكبرا، ومن العجب أنك تجد الرجل من المدعين التمسك بالسنة والملتزمين بها، غير أن زوجته وأبناءه يشكون من سوء أخلاقه في البيت وآدابه فيه التي منها عدم إلقاء السلام، فإذا دخلت بيتك أخي المسلم أو خرجت منه فسلم على من فيه من ذكر أو أنثى بتحية المسلمين «السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته» ولا تعدل عن هذه التحية الإسلامية إلى غيرها من «صباح الخير» أو «مرحبا» أو نحوهما، فالسلام عليكم شعار الإسلام وعنوان المسلمين الذي رسمه لهم رسول الله بقوله وفعله وعمله. وهي تحية أهل الجنة وبها ينادون، قال تعالى مبينا خطاب أهل النار لأهل الجنة: وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْاعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا اَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطمَعُون (الأعراف : 46) وذكر سبحانه كذلك مناداة الملائكة لأهل الجنة بقولهم: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ وقال تعالى: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وقال تعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمُ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ اَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ومما روي عن أنس أنه قال: قال لي رسول الله : «يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم يكن بركة عليك وعلى أهلك»، قال تعالى: فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن كثير – أخو سليمان بن كثير – حدثنا جعفر بن سليمان، عن عوف، عن أبي رجاء العطاردي، عن عمران بن حصين، أن رجلا جاء إلى النبي فقال: السلام عليكم فرد عليه ثم جلس، فقال: «عشر» ثم جاء آخر فقال: «السلام عليكم ورحمة الله». فرد عليه، ثم جلس، فقال: «عشرون». ثم جاء آخر فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فرد عليه، ثم جلس، فقال: «ثلاثون». – أي حسنة لأن الحسنة يجزى صاحبها بعشر أمثالها، وذلك بناء على أن كلا من السلام ورحمة الله وبركاته حسنة مستقلة، فإذا أتى بواحدة منها حصل له عشر حسنات، وإن أتى بها كلها حصل له ثلاثون حسنة، وذلك لكل من البادئ والراد. -
وقال البزار: قد روي هذا عن النبي من وجوه هذا أحسنها إسنادا.
2 – إشعار الأهل بالدخول للبيت: فإن كثيرا من الناس من يدخل بيته وكأنه لص يريد أن يسرق شيئا، فإذا دخلت بيتك فأشعر من فيه بدخولك قبل وصولك إليهم لئلا يرتاعوا بمفاجئتك أو تكون كالمُتَخَوِّنِ الفاحص لهم، قال أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن مسعود: كان أبي عبد الله بن مسعود إذا دخل الدار استأنس – أي أشعر أهلها بما يؤنسهم – وتكلم ورفع صوته حتى يستأنسوا، وقال الإمام أحمد: إذا دخل الرجل بيته استحب له أن يتنحنح أو يحرك نعليه، قال عبد الله بن الإمام أحمد: كان أبي إذا رجع من المسجد إلى البيت يضرب برجله قبل أن يدخل الدار حتى يسمع ضرب نعله لدخوله إلى الدار وربما تنحنح لِيُعلِم من في الدار بدخوله، ولهذا جاء في الحديث عن جابر أن رسول الله نهى أن يطرق الرجل أهله ليلا يَتَخَوَّنُهُم أو يلتمس عثراتهم .
3 – الاستئذان قبل الدخول: فإن بعض الناس يدخلون بيوتهم وكأنهم يدخلون مرابد البهائم بدون استئذان أو إشعار، فإذا كان بعض أهلك قارا في حجرته من دارك وأردت الدخول عليه فاستأذن لئلا تراه على حال لا يحب أو لا تحب أن تراه عليها، سواء كان من الحلائل أو المحارم أو غيرهم كأمك وأبيك أو بناتك أو أبنائك، روى الإمام مالك في الموطأ عن عطاء بن يسار أن رجلا سأل رسول الله فقال : أستأذن على أمي؟ فقال : نعم، فقال الرجل : إني معها في البيت، فقال رسول الله : استأذن عليها، فقال الرجل إني خادمها، فقال : استأذن عليها أتحب أن تراها عريانة؟ قال : لا، قال: فاستأذن عليها. وحكى ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح قال: سألت ابن عباس: أأستأذن على أختاي؟ قال: نعم، قلت إنهما في حجري وأنا أمونهما وأنفق عليهما؟ قال: أتحب أن تراهما عريانتين؟ ثم قرأ قوله تعالى: وإذا بلغ الاطفال منكم الحلم فليستاذنوا كما استاذن الذين من قبلهم .
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخـطبة الثانيـة :
ومن آداب الصداقة كذلك في الإسلام :
• احترام الصديق لزوجة صديقه : فإن كثيرا من المسلمين ابتلوا بما شاع عند غير المسلمين، من أن الرجل إذا زاره صديقه أدخله على زوجته وبناته وأجلسه بينهن، ظنا منه أن هذا لا حرج فيه ولا شيء عليه، وهو مدخل كبير من مداخل الشيطان، بل إنه كان السبب في كثير من الحالات التي خربت فيها الأسر وتشرد بسببها الأبناء. فكثيرا ما أعجب الصديق بزوجة صديقه وانتابه جمالها فحرص على الالتقاء بها والسعي على تطليقها من صديقه وتزوجها، بل في بعض المرات الزنى بها والعياذ بالله، لذلك كان من الواجب والأولى أن يحرص الإنسان على الآداب الإسلامية في هذا الباب، فإن الصحابة كانوا يدخلون على رسول الله فلا ينظرون إلى زوجاته ولا يجالسونهن، وما وصف أحدهم زوجة من زوجات رسول الله ذلك الوصف الدقيق الذي يدل على الرؤية المباشرة لهن، بل إنه لما توفى رسول الله وكان بعض الصحابة يدخل على أمنا عائشة رضي الله عنها ليتعلم منها أو ليسألها عن أحوال النبي كان يفصل بينه وبينها حجاب. قال تعالى: وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ، وقد روي أن بعض الصحابة رأوا النبي قد وقف مع أحد زوجاته فأسرعوا في المشي حتى لا يحرجوه بذلك رضي الله عنهم. لذلك إذا دخل الصديق على صديقه فلا يجلس مع زوجته ولا يَمُدَّنَ إليها بصره احتراما لها وإعلاء لمكانتها، فقد روى البخاري في الأدب المفرد عن ثوبان قال: قال رسول الله : «لا يحل لامرئ أن ينظر إلى جوف بيت حتى يستأذن فإن فعل فقد دخل»، وقال عمر بن الخطاب : «من ملأ عينه من قاعة البيت قبل أن يؤذن له فقد فسق» وهذا في النظر إلى داخل البيت وساحته فما بالك بمد النظر للمرأة والأهل.
جعلنا الله من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

ذ. امحمد رحماني*
———–
* خطيب مسجد المركز الإسلامي بمدينة زايست بهولندا

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>