تعريف بالحملة العالمية لإحياء المنهج النبوي في التعامل مع القرآن 1


1 – فكرتها:

استفراغ الوسع في إحياء منهج نبينا  في التعامل مع القرآن على كل المستويات، تعبداً وتعلماً وتعليماً، وصلاحاً وإصلاحاً.

2 – أهميتها:

لن يكون الناس في عصمةٍ وأمان، من الضلال والشقاء والمخاوف والأحزان، إلا إذا اتبعوا القرآن ومنهجية نبينا العدنان؛ وخصوصاً في التعامل مع القرآن؛ قال تعالى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (طه: 123)، وقال سبحانه: فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة: 38)، وأجمع المفسرون على أن (الهدى) هنا رسالة ورسول.

ولن يعود للأمة مجدها، إلا إذا عادت لمنهاج نبيها، وخصوصاً في أمر التعامل مع القرآن؛ لأن نبينا  قد أخبر أن (منهاج النبوة) هو شرط عودة الخلافة والمجد ومقياس صلاحها، فقال : «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَة عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ» (مسند أحمد (18430) وحسنه الأرنؤوط, وحسنه الألباني في الصَّحِيحَة (5)).

وبما أن تَعَلُّم القرآن وتعليمه عبادة من أفضل العبادات إذا تم القيام به على مراد الله، فإنه يشترط لقبوله عند الله والحصول على الأجر والأثر الكامل المترتب عليه، أن يكون خالصاً لله على منهج رسول الله  أو بعبارة أخرى (سداد النية، وسداد المنهجية). وأي خللٍ في النية أو المنهجية يهدد القبول، كما يهدد الأجر والأثر المأمول.

ولقد قام المنهج النبوي في التعامل مع القرآن، علىثلاثة أركان رئيسية:

الأول: العناية بالمعاني والمباني معاً”الإيمان والقرآن”.

والثاني: العناية بالمعاني أكثر من المباني وتقديمها على المباني”الإيمان قبل القرآن”.

والثالث: العناية بالمعاني كانت “علماً وعملاً”.

لكن واقعنا اليوم يحكي متألماً أن معظم الجهود منصرفة إلى المباني (الألفاظ) فقط؛ وإن شَرَعْنَا في العناية بالمعاني يكون بعد الفراغ من القيام بحقوق المباني كاملةً، ولا يعدو هذا الجهد أن يكون تفهيماً للمعاني أو بمعنى أدق (تحفيظاً لتفسيرها).

ولما كان من عادة الدول والمؤسسات أن تدشن حملات عالمية لما يهدد الأبدان،رأينا أن ما يهدد الإيمان وما يخص القرآن أولى، لذا قمنا بتدشين هذه الحملة العالمية، لإحياء المنهجية النبوية، وكلنا أمل أن يوفقنا الله لما يرضيه من العمل، وأن يعيننا على إصلاح الخلل.

لقد قال  لأصحابه ولمن تبعهم بإحسان: «أَلَا وَإِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَىالْحَوْضِ، وَأُكَاثِرُ بِكُمْ الْأُمَمَ، فَلَا تُسَوِّدُوا وَجْهِي»، فهل سنكون عند حسن ظنه بنا؟ وهل يستأهل أن نخالف منهجه بعد كل ما فعله لأجلنا؟

أخي! لا تسوِّد وجه حبيبكَ، وكُنْ عند حُسن ظنه بك، ولا تخالف منهجه  في التعامل مع القرآن، وكلما واجهتك صعوبات أو اعترضك عقبات؛ فتذكر قول حبيبك : «اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ».

3 – محاورها:

- محور الصلاح: إحياء المنهج النبوي في التعامل مع القرآن في النفس.

- محور الإصلاح: إحياء المنهج النبوي في التعامل مع القرآن في الغير.

4 – نطاقاتها:

- الإطار المفاهيمي: ويهدف إلى تسديد العقائد والمفاهيم، لتطابق ما جاء عن رسولنا الكريم.

- الإطار المهاري: ويهدف إلى التدريب على مهارات التفهم والتدبر والتخلق والتدارس والتعليم، انطلاقاً مما تعلمناه عن رسولنا الكريم.

5 – أبرز آلياتها:

1 – نشر مواد علمية مكتوبة ومسموعة ومرئية حول المنهج النبوي (المواد العلمية لمشروع القرآن علم وعمل وخصوصا كتاب [لا تسودوا وجهي])، وتجدونها مجاناً على صفحاتنا على الإنترنت.

2 – تثقيف شرائح المجتمع المختلفة حول المنهج النبوي في التعامل مع القرآن وضرورة إحيائه في النفس والغير، من خلال محاضرات ومقاطع إعلامية.

3 – تدريب شرائح المجتمع المختلفة على كيفية إحياء المنهج النبوي في التعامل مع القرآن في النفس والغير من خلال دورات تدريبية مكثفة.

4 – تدريب شرائح المجتمع المختلفة على عقد حلقات لتعليم التعامل مع القرآن كما كان النبي  يتعامل معه.

5 – إنشاء مؤسسات غير ربحية لتطبيق المنهج النبوي في التعامل مع القرآن والإسهام في إحيائه عملياً على أرض الواقع.

د. شريف طه يونس


اترك رداً على إبراهيم أمسهل إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>

One thought on “تعريف بالحملة العالمية لإحياء المنهج النبوي في التعامل مع القرآن

  • إبراهيم أمسهل

    السلام عليكم ورحمة الله، يسعدني أن أتواصل معكم من خلال الموضوع التالي فلا تبخلوا علينا بتصويباتكم جزاكم الله خيرا.

    الموضوع: أسئلة حول الخلافة الراشدة

    1- التصورات المختلفة لطريقة التغيير: تختلف رؤية الناس لمسألة التغيير، فكلٌ ينطلق من مرجعيته سواء الإسلامية أو اليسارية أو الليبرالية… وحتى داخل المرجعية الإسلامية هناك من يرى الحل في التغيير الجذري وهناك من يراه في النهج الإصلاحي المتدرج – وكل بما لديهم مقتنعون – والحقيقة أن الكمال لله تعالى والخير في التكامل، والمشكل هو حين تعتبر الفئة الأولى أن الثانية تداهن الفساد أو… والثانية تعتبر أن منهج الأولى مجهول العواقب وكل فئة تظن أن الأخرى تعطل عجلة التغيير وبالتالي فقد تعتبرها جزءا من المشكل ولهذا يتبادلون المعارضة وهو ما قد يحصل في كثير من المجالات كالمجال النقابي والسياسي…
    اختيار هذا الموقف أو ذاك ليس عبثيا، بل لابد ابتداءا من تغليب حسن الظن بالآخر(حتى يظهر غير ذلك ) في صدقه ورغبته في الخير لبلده، وإنما يقع الإختلاف نتيجة مقدار اطلاع كل طرف على ما يستند إليه الآخر وكذا مقدار اطلاعه على خبايا الواقع ثم كيفية فهمه له وكذا للنصوص التي ينهل منها وتؤطر نظرته لهذا الواقع وهي كثيرة، وهذا مجال للحوار ينبغي تحريكه لتوسيع الإتلاف وتضييق الإختلاف الذي ليس قدرا محتوما، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ” الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ . ” (صحيح البخاري)، فالتعارف تفاعل وهو مجال للإجتهاد والمجاهدة والتآلف نتيجة.

    من النصوص المؤثرة في نظرة الإسلاميين للواقع نذكر حديث الخلافة الراشدة، فعن حذيفة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت).
    هذا الحديث يعني أن الخير في نموذج حكم الخلافة الراشدة الذي ارتضاه الله لنا لما أوحي به لنبيه صلى الله عليه وسلم وبشر الحديث النبوي بعودة المنهاج بعد أن كان واقعا فلما ارتفع بقي مرجعا وبشارة يُتطلع لعودته.
    هذا الحديث وغيره وكثير من الآيات تؤطر المسلم وتدفعه للتحرك من أجل المساهمة في الإصلاح كما في قول الله جل جلاله: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون). َ (104) آل عمران. وبالتالي فإذا عمَّ فعل الصالحات ودعوة الناس إلى الخير ونهيهم عن المنكر يكون من نتائجه أن يستخلفهم كما في قول الله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ (النور- 55)
    فالآيات والأحاديث كثيرة تدعو المسلمين إلى الصلاح والإصلاح وتبشرهم بالاستخلاف، لكن شدة استياء كثير من الناس من واقع الفساد تجعل بعضهم يندفعون مع أول تيار يحركهم من أجل التغيير، لكن ما نراه من نتائج سلبية يعاني من ويلاتها بلدان عربية تجعل المرء في حيرة لا يملك معها إلا الأسئلة نتوجه بها إلى السادة علماء الدين والعلوم الإنسانية عسانا نجد أجوبة فيها رحمة وهداية وفيها توجيها وإرشادا لما فيه جلب للمصالح ودرء للمفاسد، وأجوبة تترجم المنهاج النبوي إلى دليل واضح المعالم والخطوات لأن المسلمين في أشد الحاجة لذلك.
    ومن الأسئلة:
    أ – هل الفساد في المجتمع محصور جغرافيا في جهة دون أخرى أو فئويا في طبقة إجتماعية معينة فيعزل ويحارب؟ أم أنه في كل حي ومندمج في التركيبة العامة للمجتمع؟ أم أن الفساد محتمل من كل انسان، قال الله تعالى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾، سورة الشمس، الآية رقم7-10. أليس منا من إذا خاف العواقب التزم بإشارات المرور وإذا غفل واطمأن لغياب الرقيب تجاهل العرف والقانون؟
    أليس منا من يعتمد على الرشوة أو الغش في الامتحان ليحصل على شهادة أو ليحصل على منصب ليس أهلا له وهو من أسباب الفساد…؟

    ب – الفساد المتمكن:
    أليس حجم الفساد – حين يغيب الخوف من الله ومن القانون- هو مجرد مسألة إمكانيات؟ فهناك من يستطيع أن يسرق بضعة دراهم وهناك اللوبيات والأقوياء المنتفعين من أصحاب النفوذ والمصالح الذين يستطيعون أن يسخروا لصالحهم كثير من الإمكانيات والامتيازات والمحسوبية في الوظائف والصفقات ولا يراعون حق الفقراء…؟ لكن أليس هذا الأخير فسادا منظما؟ وهل العلاج في هذه الحالة بالدعاء لهم بالهداية أم أنه بسلطان كما ورد في الأثر عن عمر ابن الخطاب (وقيل عن عثمان بن عفان) رضي الله عنهم : (إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)؟ أليس من حق أبناء المجتمع أن ينتفضوا من أجل حقهم، ومن أجل الإصلاح ومحاربة الفساد؟ فما هو السلطان أو الوسيلة المتاحة في هذه الحالة؟

    قال الله تعالى: ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ ) (البقرة: من الآية251). ألا يحتاج فعل التدافع إلى فاعل مستبصر؟ وسواء كان هذا الفاعل أفرادا أو هيئات منظمة كالجمعيات وغيرها، لكن كيف هو حال هؤلاء الفاعلين في ذواتهم وفيما بينهم؟ وكيف هو حال الأحزاب في ذواتها وفيما بينها؟ وماهي مواصفات الجمعية أو الحزب المطلوب؟ (وهذا موضوع آخر).

    2 – النهج الثوري: بعيدا عما سبق، هناك من يرى الحل في الذهاب قُدما نحو إقامة الخلافة الراشدة، نذكر هنا نموذج ” داعش”. وهنا نتسائل، هل من حقهم أن يقرروا بمفردهم في شأن جميع المسلمين ليجعلوهم تحت وَلايتهم؟ ولكن ما دام القرآن الكريم والأحاديث النبوية تعنيهم كسائر المسلمين لماذا نعيب عليهم أن يطبقوا اجتهادهم؟ هل توجد هيئة عليها الإجماع فيستأذنونها؟ لكن ماذا لو قامت جماعات أخرى لنفس الغرض في ذلك البلد وفي بلدان أخرى؟ ألن يؤدي هذا إلى نزاعات لا حصر لها في بلاد المسلمين؟…
    وهل نجح تنظيم “داعش” في إقامة دولة الخلافة؟ هل سيفعلون ما يريدون في غفلة من بعض القوى الخارجية عن مصالحها أم أن تلك القوى ترصد التنظيمات المسلحة، وقد تدعم بعضها سرا حتى إذا حملت السلاح تبرأت منها، وقد تتدخل لقصفها بدعوى محاربة الإرهاب؟ فتكون النتيجة نزوح وقتل وتهجير للمدنيين واستعمار وخراب للعمران، “فنخرب بيوتنا بأيدينا وبأيديهم”.
    هناك من يرى أن نفعل مثل أوروبا لأنها تتقدمت بسبب ثوراتها، لكن الواقع هو أن بالأمس كان لكل دولة شأنها الخاص بها، أما اليوم فشأننا صار شأنهم، فبعض القوى الغربية تتدخل في الدول العربية بشكل سافر دبلوماسيا أو عسكريا، ويتربصون للفتن ويتسابقون لوضع اليد كما فعلت روسيا في سوريا مقابل فاتورة الهدم بصواريخهم وكذلك صفقات إعادة “الإعمار”، وأي إعمار وفاتورة “الحماية”…

    3 – خلافة على منهاج النبوة.
    جاء في الشق الأخير من الحديث حول الخلافة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (… ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت). لعل هذا الشق هو مركز الحديث، فهو المستقبل وهو مناط العمل والتجديد، فهل وردت الخلافة هنا معرفة أي أن المقصود إعادتها في شكلها وجميع حيثياتها بعد قرون (1440هجرية) من التطور الطبيعي لجميع الظروف والمعطيات؟
    أم أن الحديث ركز على المنهاج الذي يأبى أن نقزمه ونحصره في شكل وزمان معين، لأنه أقوى من ذلك ولأنه مجرد عن الزمان والمكان ويصلح لكل زمان ويتفاعل مع كل الظروف ويرتقي بها؟ فهذا الحديث ذو قيمة وأهمية كبيرة لما ينطوي عليه من أمل وتحفيز للأمة ودعوة للإقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم على بصيرة وحكمة، وبالتالي فالمنهاج النبوي عنوان كبير، يُفترَض أن تجتمع له فعاليات الأمة أو المجتمع لصياغة مشروع مجتمعي تسري تجلياته في سائر مفاصل الحياة، فيه تجديد و “رحمة للعالمين”

    4 – “لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها”.
    لقد بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بإعداد الإنسان، فعلم الناس كيف يوحدوا الله ويتقوه ويستحضروا رقابته في أقوالهم وأفعالهم وفيما استرعاهم، وأعطى رسول الله كذلك أولوية وأهمية لبناء مجتمع متماسك، وذلك ببناء أواصر الأخوة والمحبة بين الناس فأعد ذلك البنيان المرصوص الذي به يعلو العمران، فأصلح ذات البين بين القبائل والأفراد وآخى بينهم حتى صاروا مضرب المثل في القيم الإنسانية، وتلك من أهم أسباب الإقلاع.
    فالتواصل والتوافق بين نسبة معتبرة من أهل الإصلاح على اختلاف مكوناتهم أمر مهم في ميزان وسنة التدافع، ذلكم التوافق يحتاج إلى التفكير في وسائل تدبيره.
    لكن في غياب التعاون على الخير، قد نجد المنتفعين من واقع الفساد أكثر تنظيما وقوة في التدافع ولكن دعاة الإصلاح ضعاف في تعاونهم وهو “من عند أنفسهم “.

    5- واقع التغيير.
    كما تختلف التصورات لطريقة التغيير تختلف الوسائل والممارسات على أرض الواقع كذلك، فمن العمل السياسي والنقابي والجمعوي إلى التظاهرات…
    فبعد موجة احتجاجات “الربيع العربي (2011م) كان هناك اتجاهان، دول عجلت بانتخابات أفضت إلى حكومات اختلفت في مسارها بحسب تدبيرها أو تدبير خصومها خوفا من نجاحها لأسباب كثيرة.

    أما الإتجاه الأسوأ فهو حال تلك الدول التي شهدت احتجاجات عارمة أدت إلى مواجهات مسلحة دمرت البلاد وأهلكت العباد، ( لو رجع بهم الزمن لراجعوا أولوياتهم). لعل ما حصل نتيجة تكاد تكون طبيعية لمظاهرات عارمة، لا يمكن ضبطها أو لايتبناها أحد خوفا من مسؤوليتها، ولا تعرف نهايتها، يؤطرها ويقودها الغضب. وإذا كان الفساد يعيش حالة التماهي في المجتمع فهل يكفي أن يُستبدل القوم بآخرين؟ وما ضمان ثبات الخلف على استقامتهم وعدم تقلب قلوبهم؟ ألن نضطر بعد شهور للعودة للمظاهرات والاضطرابات؟

    6- العمل المدني:
    أليس الحل في مبادرات مدنية وتدافع حضاري وقوي وأكثر عمقا وتنظيما وانضباطا؟ وهذا الأمر يقتضي تعاونا كبيرا بين فعاليات ما يسمى ” المجتمع المدني” يركز على نواة جادة تتوسع وتنفتح على الجادين من أجل عمل جاد، يرصد الآفات للإشتغال عليها واحدة واحدة، بالمعالجة الموضِعية الحصرية بدل المطالب بالجملة، بالاجتهاد في الوسائل الحديثة، المعتمدة على التوثيق والإثبات والوسائل القانونية والإعلامية، تساهم في الإصلاح وفي فضح الفساد والتبليغ عنه من أجل تغيير أو محاسبة المسؤول عنه بما يتيحه القانون وليس “شرع اليد”، إصلاح لا يقتصر على المسؤولين المباشرين الإداريين، فالغش والفساد يطال الكثير منا، الموظف وصاحب المهنة الحرة والحرفي… حتى أن كثيرا من الطلبة صار الغش لديهم هو الأصل (مشروع مسؤول فاسد).
    …لعل المجتمع يحتاج إلى المداومة على المعالجة عمقا وأمدا، وهذا العمل يحتاج إلى تنسيق واجتهاد وصبر…، يحتاج إلى الإستبصار بالمنهاج النبوي في الإقدام والأخذ بأفضل الأسباب والكياسة واختيار الأيسر وضبط النفس… ولهذا لعلنا نحتاج الى المجاهدة في النفس قبل المجاهدة بالنفس.تجارب سابقة في بعض الدول بينت أن قوى المجتمع تجتمع على مقاومة الإستعمار أو الفساد، ثم تختلف بعدها (فتخرج كما دخلت مختلفة المقاصد والنوايا)، لأن ليس بعد ذلك السقف من أفق، ليس بعد الاعتراض على “ما هو كائن” من تنظير للتعاون على “ما ينبغي أن يكون”، لعله راجع – في الظروف العادية – إلى الاقتصار على بعض المبادرات المتقطعة الأحادية (طائفية) وغياب أوراش للتدريب الجماعي على تدبير المشتَرَك، الذي من شأنه أن يكسب الهيئات الفاعلة تجربة في العمل التشاركي فتراكم أدبياته ونظرياته.

    7- رأي أهل الفقه في الخلافة الراشدة:
    في مقال للفقيه د. أحمد الريسوني على الإنترنت، تحت عنوان: الخلافة على منهاج النبوة والخلافة على منهاج “داعش” أشار فيه إلى الحديث السالف الذكر عن الخلافة الراشدة (تكون النبوة…) فقال «وهذا الحديث، أولا: لا يخلو من هشاشة في ثبوته وصحته، وأقصى ما يقوله فيه أهل الاختصاص هو أنه “حَسَنُ الإسناد”. ومثل هذا لا يبنى عليه شيء من الأحكام الغليظة والأمور الجسيمة، وقصارى ما يصلح له هو التبشير وبث الأمل، أما إذا جد الجد وعظمت الأمور، فلا بد من أدلة صحيحة متينة، وإلا فلا»
    كما أشار إلى موقف العلماء مما قامت به جماعة داعش، فقال:(وحتى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين -الذي بادر مشكورا إلى إعلان موقفه الرافض للخلافة المعلنة مؤخرا، مؤكدا عدم شرعيتها وفقدانَها كل شروط الخلافة ومقوماتها- افتتح بيانه الصادر في الخامس من رمضان 1435ه ـ(3\7\2014م) … ويؤكد على ما يلي: “أولا: إننا كلنا نحلم بالخلافة الإسلامية على منهاج النبوة، ونتمنى من أعماق قلوبنا أن تقوم اليوم قبل الغد”)
    كما أشار المقال إلى أن الجيل الأول للحركات الإسلامية أولى اهتماما للخلافة الإسلامية، في حين أن هناك جيل جديد من هذه الحركات لا تجعل من الخلافة حلما من أحلامها، ولا مطلبا صريحا من مطالبها، ولكنها استبدلت بها مطالبَ وأهدافا سياسية محددة ذات طبيعة عملية مقاصدية، مثل: المشروعية، والحرية، والشورى، والعدالة، والحكم الرشيد.
    فهذا يبين أن تصور الإسلاميين للخلافة الراشدة يتطور، وهي مرتبطة في تصور البعض بما كانت عليه في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم من حيث وجود مركز وإمارات تابعة له، فما هي الدولة المؤهلة لدور المركز اليوم؟ وكيف سيتم إعادة إخضاع الدول للمركز؟ هل على طريقة صدام حسين رحمه الله بضم الدول بالاجتياح؟ أم على على طريقة داعش؟ أم أن العالم الإسلامي سيضطر إلى إقصائيات ونهائيات بالسيف؟ فهل قضى الله سبحانه – الرحيم بعباده – أن الخلافة الراشدة لن تكون إلا على أنقاض بلدان المسلمين – معاذ الله -؟ قال تعالى: ” ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم…” ولهذا نتساءل إن كان ما ذهب إليه الجيل الثاني هو الأسلم والأيسر؟

    8 – على مستوى الأمة
    ألا يمكن أن نقتبس من الغرب كما اقتبسوا منا وكما تقتبس الحضارات من بعضها، ولننظر إلى الإتحاد الأوروبي كيف وحد بين دول لا توحدهم لغة أو دين… فحققوا النمو الجماعي لدول المجموعة في شتى المجالات، مما جعل كثيرا من الدول تطمع في الانضمام إليهم؟ ولكن بدل أن تكون لهم دولة مركزية تابعين لها فقد جعلوا لهم سبعة هيآت مركزية مشترَكة تنظم اتحادهم كالبرلمان الأوروبي ومحكمة العدل الأوروبية… فهل التعاون بهذه الطريقة من المعروف أم من المنكر؟ ألا يذكرنا تعاونهم هذا على الخير ما كان عليه المشركون في مكة في ” حلف الفضول” الذي أثنى عليه رسول لله صلى الله عليه وسلم بقوله “ما أحب أن لي به حمر النعم “. أليس في الإتحاد الأوروبي نموذجا لما ينبغي أن يكون عليه التعاون بين المسلمين بشكل تدريجي أو انتقالي؟ ألا ينطبق عليه قاعدة: «حيثما تكون المصلحة فثم شرع الله»؟ والرأي في هذا للسادة العلماء.
    الإتحاد يضم دولا لديهم مختلف أشكال أنظمة الحكم ولا إشكال، ولدى المسلمين ما يشبه ذلك، وأظن أن الذي يصنع التميز هو حيوية المجتمع.
    إضافة:
    في هذا الموضوع صادفت حوارا هو كذلك للدكتور أحمد الريسوني حفظه الله نشر في جريدة الأيام (بتاريخ 3-9 ماي 2018 م) ذكر فيه: ” وهنا أتذكر أن العلامة الفقيه الدستوري عبد الرزاق السنهوري، وهو أكبر فقيه دستوري عربي في العصر الحديث، قد ألف كتابا معروفا حين سقطت الخلافة، بعنوان «فقه الخلافة الإسلامية وتطويرها» كان أطروحة ثانية للدكتوراه قدمها في جامعة السوربون، ودعا من خلال بحثه إلى إيجاد شكل من أشكال الترابط والتوحد بين الدول الإسلامية، وهي الفكرة التي تم تطبيقها فيما بعد في الاتحاد الأوروبي، والسنهوري قد طرح هذه الفكرة سنة 1925 م ،أي قبل ميلاد الاتحاد الأوروبي، كي لا يقال إنه استوحاها منهم. ولكن الأوروبيين ساروا بعد الحرب الثانية في طريق التكامل والتوحد، وحكامنا ساروا في الاتجاه المعاكس.”

    9 – على مستوى الدولة الواحدة.
    للخروج من حالة الفراغ في غياب النموذج من حاضرنا العربي – الإسلامي، لماذا لا نقتبس من الغرب ما يوافقنا؟ ثم ننظر هل يحقق الأهداف؟
    لعل ما يتوق إليه الناس هو العيش الكريم في مجتمع لا فرق فيه بينهم أمام مرافق الدولة الإجتماعية والجمعوية والإدارية وثروات البلاد الإقتصادية ويشعر الجميع بالعدل أمام القانون وفرص النمو والصحة والتعليم… أما فيما يخص الرعاية الإجتماعية فهي متقدمة في الغرب عموما برعاية المؤسسات (تطبيق القانون)، أما عندنا فالتكافل الاجتماعي يرتكز على التضامن الأسري الشعبي (وازع الدين)، وهذا الجانب ضعيف عندهم، فهم يعانون من التشتت الأسري والفراغ الروحي أكثر، ولهذا فالجمع والتوازن بين وازع القرآن ووازع السلطان هو مفتاح القوة.(وهذا موضوع آخر).
    سؤال: ماذا لو نستحضر واحدة من الدول الغربية أو دول شرق آسيا تعتبر نموذجية اقتصاديا واجتماعيا ولنفترض مثلا أن دولة إسلامية ارتقت إلى ذلك المستوى أو أفضل، ثم نطرح السؤال وقتها: هل فيها حكم راشد أم فاسد؟.
    قد يكون هذا الطرح مجانباا للصواب، لكن اعتماد أي تصور(ولو في حده الأدنى) قد يكون خطوة متقدمة في الإتجاه الصحيح بقليل أو كثير خير من الفراغ والتيه، فالذي ينتظر التغيير الجذري دفعة واحدة ربما سيكف يده عن المساهمة في الإصلاح والمعروف لأنه لا يريد أن يساهم في اسعاف من لا يأمل شفائه وفي هذا هدر للأعمار والطاقات ، والتوافق على القليل بداية سيمكن من تحرير الطاقات وسيمكن الفاعلين من التمرين على العمل التشاركي وتمحيص المناهج وتحقيق التراكم … ثم قبل ذلك وبعده يفعل الله تعالى ما يشاء أنَّى وكيف شاء، رغم أنف العالمين.
    المفتاح هو التعاون على البر والتقوى، وهو أمر وواجب ولا ينبغي تعطيل أمر الله، والباقي على الله، يفتح على من أحسن الظن به من حيث لايحتسب. قال سبحانه وتعالى في سورة المائدة: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}

    (ملاحظة: في هذا الموضوع نجد كتابات الله أعلم بمصدرها وصحتها تشير إلى أن الخلافة الراشدة لا يمكن أن تقوم إلا في آخر الزمن، زمن “المهدي المنتظر”، مفادها أن أفضل شيء تفعله هو ألا تفعل شيئا وأن تنتظر المنتَظر، لعل مضمونها يعطل العمل بالآيات والأحاديث التي تحض على العمل.)

    هذا المقال تضمن مجموعة من الأسئلة لعل في الإجابة عليها من طرف أهل الرأي توسيعا وترشيدا لفكر الخلافة الراشدة ولعل في نشره إرشادا ورحمة العباد وحفاظا على بلاد المسلمين.

    إبراهيم أمسهل