لآلئ وأصداف – عن التقويم أحدثكم 1


شطحات الدكتور محمد شحرور، وما كتبه عن القرآن والكتاب ناطق، وأن يستنجد برأي (المفكر نيازي عز الدين)، هو كالمستجير من الرمضاء بالنار.

التقويم الشمسي في العبادات، هل هو اجتهاد؟ فهو اجتهاد بغير علم. والدعوة إلى اعتماد التقويم الشمسي في العبادات، وإحياء النسيء، هل هي فتنة؟ فحسبنا ما تعانيه أمتنا من الفتن.

قال ابن إسحق: “ثم مضى رسول الله  على حجه، فأرى الناس مناسكهم، وأعلمهم سنن حجهم، وخطب الناس خطبته التي بيّن فيها ما بين، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «… أيها الناس، إنما النسيء زيادة في الكفر، يضل به الذين كفروا، يحلونه عاما ويحرمونه عاما، ليواطئوا عدة ما حرم الله، فيحلوا ما حرم الله، ويحرموا ما أحل الله(التوبة: 37)، وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض. وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ثلاثة متوالية، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان»” (متفق عليه).

وإنما قال ذلك لأن ربيعة كانت تحرم رمضان، وتسميه رجبا، فتعبث بمواقيت العبادة التي شرعها الله تعالى، فبين  أنه رجب مضر لا رجب ربيعة.

وليس هذا فقط، ولكن الذي ينبغي الالتفات إليه، هو قوله : «وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض»، وذلك أن عبث الجاهليين جعل الشهور تتغير وتتزحزح عن مواضعها، فلما كان عهد رسول الله  كان الزمان قد استدار ورجع كل شهر إلى موضعه الذي وضعه الله فيه، واقتراح التقويم الشمسي للعبادات اعتداء على حرمات الله، حيث سيعبث بهذه الشهور مرة أخرى، وهذه المرة سيكون عبثا مقننا، بدعوى التيسير، فتؤدَّى العبادات في غير أوقاتها. ومتى يأتي من يقول لنا مرة أخرى: إن الزمان قد استدار؟

ثم إن الحكمة من اعتماد الشهور القمرية، أن المرء إذا اعتمدها وصام ثلاثة وثلاثين سنة، يكون قد صام كل أيام السنة، صيفا وشتاء، في الحر والقرّ، وفي ذلك من الحكمة ما لا يخفى.

ثم نسأل: هل غاب عن الرسول  وصحبه دلالة أسماء الشهور العربية؟ وهل غاب ذلك أيضا عن رب العزة، تعالى علوا كبيرا؟ فهو القائل سبحانه: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن.

وأن نجتهد في توحيد المطالع فلا بأس في ذلك، إذ كثيرا ما تتدخل السياسة، لا الدين، في ذلك، كما حدث كثيرا. فلو فرضنا مثلا أن بلدين دأبا على الصيام في وقتين مختلفين، ثم توحدا سياسيا، لاتفق وقت صيامهما. على أن هذا ليس مشكلا، وقوله : «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته»، دال على جواز اختلاف المطالع، وقد كان المسلمون، حتى يوم كانوا أمة واحدة سياسيا، تختلف أقطارهم في المطالع، فمطلع أهل العراق غير مطلع أهل الشام، ومطلع أهل مصر غير مطلع أهل المغرب والأندلس، ثم لا ينكر بعضهم على بعض، وما ثبت أن فقهاء الخافقين اختلفوا في هذا، كما نختلف اليوم.

وأما القول بأنه من غير المعقول أن يصوم الناس 22 ساعة في بعض الأقطار، فالله تعالى يقول: ألا يعلم من خلق؟ وإن الله تعالى أرحم بعباده ممن يزعم الرحمة، ولكن علينا بما أمرنا به ربنا  من التفكر، لا من التفكير، والفرق بينه كبير. ففي التفكير قال تعالى: إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر، وفي التفكر قال تعالى: قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا، ولو صح اجتهاد هذا الرجل لاستنطق النصوص، ولعلم أن فقهاءنا حلوا هذه المشكلة وانتهوا فيها إلى ما يرضي العقل والشرع، وذلك في حديث رسول الله : «اقدروا له»، وذلك عندما أخبرهم بقدوم أيام، يوم كيوم، ويوم كجمعة، ويوم كشهر، ويوم كسنة. فسأل سائل: أنصلي فيه صلاة واحدة يا رسول الله؟ فقال: «لا، ولكن اقدروا له». أي عندما يكون النهار توقيته غير مألوف، نقدر له في العبادات. ونحن نعلم اليوم أن في أقطار الأرض بلادا لا تغيب عنها الشمس ستة أشهر كاملة، فهل نعتبر هذه الشهور الستة يوما واحدا، فنصلي فيه صلاة واحدة، أي الصلوات الخمس مرة واحدة في ستة أشهر؟ الجواب في قوله : «اقدروا له». وما قيل عن الصلاة يقال عن الصيام، فالذين يعيشون في هذه البلاد لا يمكنهم الصيام بشكل طبيعي، فهل يسقط عليهم الصيام؟ لا، ولكن «اقدروا له». قال بعض العلماء: يصومون القدر المنطقي، متابعة للبلد الذي يتفقون معه في خطوط الطول أو العرض، اجتهادا. وهكذا لا يكون هناك وصال في الصيام، بل يكون صيام بعدد ساعات يطيقها سكان ذلك الصقع. وما أحوجنا إلى الاجتهاد المبني على العلم، واستحضار كل النصوص والوقائع، والله الموفق الهادي إلى صراط مستقيم.

يلتقطها أ.د. الحسن الأمراني


اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>

One thought on “لآلئ وأصداف – عن التقويم أحدثكم