و مـضـــــــــة – اعتكاف.. 1


كانت تتوقع أنه سيختفي فجأة كما تعود ذلك منذ سنوات… رجته أن يترك لها مصروف البيت والعيال.. انفجر في وجهها غاضبا: “دائما أقولها لك.. أنت ضعيفة الإيمان.. إني أترككم لله..”!
بعد تجربة مُرة، صارت تدخر طيلة السنة ما تسد به رمقها وعيالها خلال غياب زوجها…
لم ولن تنس حين فعل ذلك أول عام من زواجهما حين وضعت طفلهما الأول…
اختفى دون علمها.. حملت رضيعها وهي تداري آلامها وهوانها وغربتها في مدينة كبيرة.. بحثت عنه في المستشفيات وعند الشرطة.. سألت عنه الجيران والأصحاب…استبدت بها الهواجس والقلق.. سلمت أمرها لله…
فكرت في اللجوء إلى أهلها، لكن هيهات هيهات؛ فكيف لها أن تصل إليهم من أقصى الشمال إلى قرية نائية في الجنوب؟!
لم تستطع حتى إخبارهم بالأمر.. لم تكن حينها خدمة الهواتف النقالة متاحة للجميع…
قضت رمضان تتضور جوعا.. نضب لبنها.. قض مضجعها بكاء رضيعها بسبب الجوع…
خرجت إلى الشارع للتسول.. لكنها استحيت أن تمد يدها للناس…
صارت تخرج كل يوم بعيدا عن حيها، تلتقط قطع الخبز الملقاة في القمامة لتسد رمقها…
فكرت في البحث عن أي عمل شريف، لكن حالتها الصحية لا تساعدها، ومن سيقبل بها وهي لا تبرح رضيعها لحظة…؟!
تضاعف قلقها حين تذكرت إيجار البيت البسيط، إن لم تسدد ثمنه، سيطردها صاحب البيت..
تحجرت دموعها في مقلتيها.. يختنق صدرها هما وغما.. يذبل صغيرها بين يديها.. لا يعلم شكواها إلا الله …
فوجئت بعودة زوجها يوم العيد يكاد يطير سعادة.. فغرَت فاها وهو يصف لها أجواء اعتكافه في مسجد في قلب المدينة خلال العشر الأواخر من رمضان..!
ذة. نبيلة عزوزي


اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>

One thought on “و مـضـــــــــة – اعتكاف..

  • حنان وهبي

    مقال يلامس فقها عظيما في الشريعة الإسلامية وهو فقه الأولويات. و ما احوج الناس اليوم الى معرفة أولويات دينهم و دنياهم حتى تستقيم حياتهم على الوجه الذي يرضى به اللّٰه عنهم. فقه الاولويات هو مازال معظم الدعاة و الناس على حد سواء لا يفقهونه و هذا لعمري خطل و خلل في فهم الشريعة ككل. فقهنا اللّٰه وا ياكم في دينناو جعلنا مالعالمين العاملين