خروق في سفينة المجتمع77 – رمضان كاشف الخروق


من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فسيعرفني في يوم لا ريب فيه، أنا رمضان كاشف الخروق، بحوزتي أعظم جهاز لكشف البواطن وسبر الأعماق، يرسلني الواحد الديان على رأس كل عام قمري إلى أن يقوم الناس لرب العالمين، لأطوف عبر كل الميادين، لأنزل بخفة روح، وشفافية ضمير، بالبوادي والحواضر والقرى، وأمسح البراري والبحار، تحفني ملائكة الرحمن، أعلن بصوت نوراني جهير، خبر المسابقة الكبرى التي تفتح أمام العموم، من غير تفريق بين غني وفقير، أو شريف وحقير، بين يدي الكريمتين لوائح البشارة والنذارة، وبطائق الفوز والفلاح، لكل عبد ملحاح، أنظر بعين بصيرة ناقدة، لا تفوتني واردة ولا شاردة. عملي الدؤوب أن أطرق الأبواب، وأفتش الحارات والدروب، أدل على مكامن الأحزان والكروب، لشد ما غمر صدري فرح كبير، وأنا أنظر إلى منسوب الإيمان وقد ارتفع بين أروقة سفينة المجتمع وطبقاتها، وإلى تناقص حالات التيه ومواطن الاختلال والأعطاب، التي ظلت تشكو منها في سابق الشهور، وأنصت إلى نبضها وقد سرت بين جنباتها نسائم الطمأنينة الاستبشار، آناء الليل وأطراف النهار، كيف لا وبصائر الكتاب قد أقبلت في موكب نوراني بهيج تزف بشائر العلي الأعلى الوهاب؟
لقد سجلت هذا العام بكل فخر واعتزاز، انعتاق كثير ممن كانوا مصفدين بأغلال المعاصي والذنوب، فعادوا من رحلة التيه القاسية يتنفسون الصعداء، ويحلقون في كل سماء.
وسجلت تكاثر نقاط الضوء في أديم الأرض التي طالما سطت عليها عصابات اللصوص، وجعلتها ساحة للبغي والطغيان، وناءت تحت أجنحة الظلام القاتمة السوداء، فراحت تتآكل فيها مظاهر المرض وجراثيم الوباء.
سجلت بحمد الله انجذاب الجماهير الغفيرة من مختلف الأعمار، نحو تلك النقاط المضيئة الزهراء، وقد طفقوا في سعادة وحبور، يتضرعون للواحد الديان، وينشدون إعادة الإعمار.
سجلت أيها الأحباب، ارتفاع منسوب اليقظة في أوساط القلوب، بعد أن أسرجت في جنباتها قناديل الصلاة، ومصابيح الأدعية والأذكار.
شاهدت حشود الشياطين البغيضة وهم يتغيضون حنقا ويتميزون شرا، ويتحسرون على استرجاع بعض ضحاياهم السابقين لوعيهم المسلوب، وعودتهم سالمين إلى الديار.
وشاهدت تجار الخبائث يذرفون مر الدموع على ركام تجارتهم التي كسدت هذه الأيام، ويخمشون وجوههم ويندبون حظهم، ويعلنون خسائرهم المنكرة، ويعترفون بعجزهم أمام خطتي العالية في التدبير، وقصورهم عن إدراك ما بحوزتي من حقائق وأسرار.
وقفت في تقدير وإجلال، أمام مواكب النساء، وقد جللتها شارات الحياء، وانزاحت عن وجوههن طبقات الزيوت الفاسدة، فعاد إليها الرونق والبهاء، وهمست في آذانهن برفق: أن دمن بارك الله فيكن على هذا النقاء، وإياكن إياكن أن تعرن أسماعكم وتسلسوا قيادكم للمجانين والبلهاء، ولمرضى القلوب من الأشقياء والتعساء، والزمن يا إماء الله ركن التقوى وشعبة الحياء.
سجلت بمداد الإعجاب والإكبار، تشوف البراعم لخوض تجربة الصيام، مقابل ما انتابني من شعور بالقرف والاشمئزاز، من صغار العقول والأحلام، وهم يطالبون بعلانية الإفطار، فواعجبا، وسبحان مكور النهار على الليل ومكور الليل على النهار، سبحان العزيز الغفار.
جسست حالة الأمن في الطرقات والأحياء، فكشفت لي وسائل القياس، عن تحسن في النقاط، وارتفاع في المؤشرات، وأبلغ دليل على ذلك يا أخوات ويا إخوان، خروج النساء آناء الليل بكل سكينة واطمئنان.
قمت بجولة تفتيشية صارمة عبر الفضائيات، فتكشف لي أنها تنوء تحت ركام هائل من الزور والبهتان، عبرت عن شديد غضبي وسجلت احتجاجي، على ما لحق الإنسان من غاشم العدوان. فأجابني كبير الكهان: أليس يرضيك، أنني لم أدخر وسعا في إعداد أحسن البرامج والفقرات، إكراما لوفادتك، واستقبالا لحضرتك يا رمضان؟
لم أنس طبعا في هذه السياحة الشاملة، أن أتفقد أصحاب القبور، فسمعت أصواتا تصدر من أعماق الأعماق، وتصل إلى السموات الطباق، ولسان حالها يقول: نحن حديثو عهد بالرحيل، فوا حسرتا، ويا ليتنا شهدنا خير الشهور، فلم تسقط من شجرة أعمارنا آخر الأوراق.
من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فسيعرفني في يوم لا ريب فيه، أنا رمضان كاشف الخروق، لو علمتم ما في من خير لتمنيتم أن تكون السنة كلها رمضان، كما قال خير العباد، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، ولجرت كل الأنهار بالماء المدرار، ولأينعت كل الحقول والثمار.
لو سارت الأمور وفق ما أعطيكم من إرشادات وتعاليم في كل عام، لكنتم على ما يرام، ولنقلتكم نقلة كبرى، تحظون فيها بالمجد وتنالون فيها السؤدد والعزة والاحترام.
ولكنكم للأسف الشديد ترتكسون، وفي حمأة الغرائز تنغمرون، وفي غيكم تسدرون، فإلى ما الهجر والإعراض يا مسلمون؟
هاأنذا لكم ناصح أمين، هبوا جميعا يا مسلمون إلى حصني الحصين، ولا تركنوا للظالمين، بلمسة صادقة، وجرعات شافية، يتجدد النسيج وينكشف المرض الدفين، ولو بعد حين.
وصدق الله العظيم القائل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» (الأنفال: 24 – 25).
د. عبد المجيد بنمسعود

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>