تداولت عدد من وسائل الإعلام في بداية هذا الشهر الكريم خبرا عن صوم أحد النواب البرلمانيين في كندا لشهر رمضان بالكامل للسنة الثانية على التوالي رغم أنه ليس مسلما، وذلك بسبب اعتقاده أن الصوم “يعدّ تجربة لا توصف”، وأنه “يريد أن يفهم بشكل أفضل كيف يحس فقراء العالم بالجوع… ومن ثَمّ استخدام قوة شهر رمضان لمساعدة الآخرين”، مؤكدا أن تجربة الصوم علمته الإحساس بالجوع الذي يعاني منه الكثير من الفقراء، الذين لا تتوفر لهم فرص الأكل خلال اليوم، ممّا يفرض عليهم الصمود طيلة اليوم.
ونشر هذا النائب على حساباته بالشبكات الاجتماعية، شريط فيديو لمداخلته بالبرلمان الكندي يوم الثالث من شهر يونيو، هنّأ في بدايتها المسلمين في كل أنحاء العالم بشهر الصيام، ثم بين أنّ الهدف الأساسي من صومه لشهر رمضان هو دعم مبادرة المنظمة غير الربحية “Give 30″، التي أسسها عام 2012، لمحاربة الجوع داخل كندا وعبر العالم، مشيرا إلى أن توفير النقود التي يصرفها كل واحد طيلة شهر رمضان في وجبات الغداء والفطور، يمكن منحها للجهات التي توفر الطعام للمحتاجين.
وتجربة هذا الوزير الكندي لصوم شهر رمضان ليست الوحيدة ولا الفريدة في بلاد غير المسلمين، فهناك العديد من الأشخاص غير مسلمين في العديد من المناطق صاموا أو يصومون أياما، بل وربما شهرا بأكمله تضامنا مع المسلمين، وخاصة في الأماكن التي توجد فيها جاليات إسلامية، ويحكي هؤلاء تجاربهم النفسية والعضوية الفسيولوجية والاجتماعية، وهي تجارب في كل الأحوال يعدونها محمودة ومتميزة، وقد قادت عددا منهم إلى اعتناق الإسلام بسبب ذلك.
معنى هذا أن تجارب غير المسلمين مع الصوم كانت بدوافع عديدة ولأسباب كثيرة، وكان القاسم المشترك في ذلك هو التضامن مع المسلمين أو التأثر بسلوكهم. وإن كانت تجربة النائب الكندي متميزة من حيث الهدف والمغزى: الإحساس بالجوع، والتضامن مع الفقراء والجائعين، وتوفير مصاريف أكل سائر اليوم لمنحها للجهات التي توفر الطعام للمحتاجين.
وأنا شبه متأكد بأن هذا النائب الرجل العاقل –وقليل ما هم– سيدرك في يوم من الأيام قيمة شهر الصوم الروحية فيعتنق الإسلام ويدعو إليه.
لكن ليست هذه هي القضية المطروحة، فالقلوب بيد الرحمن يقلبها كيف يشاء، ويهدي من يشاء من عباده إلى صراطه المستقيم، ولكن القضية هي واقع شهر الصوم في بلادنا؛ بلاد الإسلام، وليس في كندا أو غيرها…
حينما يحل شهر الصوم في بلادنا يتجمع أجناد الهوى والنزغات فينادون بالإفطار العلني، ويجاهرون بذلك، وكأن المجتمع ليس مجتمعهم، والبلاد ليست بلادهم، والتاريخ ليس تاريخهم. لنفترض أنهم غير مسلمين كما يعلنون تصريحا أو تلميحا، أو أن ذلك حق من حقوقهم، لكن لِمَ لا يأكلون في بيوتهم ويصرون على المجاهرة بالأكل نهارا جهارا في الشارع العام؟ مَن الذي يمنعهم مِن ذلك؟ بل إنهم يفعلون ذلك دون أن يشوش عليهم أحد، ويأبون إلا أن يشوشوا على الصائمين في وضح النهار ووسط الطرقات. مع أن الأصل أن الصائمين هم أيضا لهم الحق في أن يصوموا بارتياح دون تشويش وضجيج؛ لأنهم هم الأغلبية المطلقة، وهم في بلادهم متمسكين بدينهم وحضارتهم. أليس في هؤلاء رجل رشيد يدعو بني عقيدته إلى التضامن مع بني وطنه فيكفوا ألسنتهم عنهم؟ ألا يكون سلوك النائب الكندي قدوة لهم في وجه من الوجوه؟
ثم لِنَعُد إلى ذواتنا نحن الصائمين إيمانا بفريضة الصوم، ولنقارن أفعالنا في شهر الصيام بفعل النائب الكندي، ولننظر هل وفرنا ثمن الفطور والغداء لإطعام الجائعين، أم أننا ضاعفنا ثمن ما نأكله أيام الفطر، لنجعل أيام شهر الصيام مآدب تكون فيها موائدنا ملأى بما يؤكل وما لا يؤكل، ومتاجرنا مكدسة بما هو آتٍ من الداخل ومن وراء البحار، بل وحتى زبالاتنا لم تسعها الحاويات المخصصة لها، فأصبحت تزكم الأنوف هنا أو هناك خاصة مع موجة الحر الحالية.
أليس من الدين -ونحن الصائمين إيمانا بفريضة الصوم– أن نفعل كما فعل النائب الكندي فنقتصد في الأكل ونوفر ثمن مصروف اليوم لمساعدة المحتاجين والجائعين والخائفين في بلادنا وفي بلاد الله كلها؟ أو أن نؤسس مشاريع بفضل ما وفرناه في الشهر الكريم، وتكون باسم هذا الشهر تيمُّنا وتبركا؟ هذا فضلا عن أن ذلك سيرفع من درجة إيماننا ويعزز من صحتنا البدنية !!.
أ.د. عبد الرحيم الرحموني