آلمني كثيرا أن أتلقى على الواتساب سيلا لا يحصى من رسائل الوعيد والترهيب إن توانيت عن إرسال رسالة ما.. أو قصة ما.. أو موعظة ما تصب كلها في اتجاه اعتبار الآخرين هم المقصرين والغافلين، وأننا نحتاج إلى إيقاظهم لتنكشف الغمة ويأتي نصر الله والفتح. والطامة أن هناك من يزج بك فوق ذؤابة السيف بوضعك أمام خيارين لا ثالث لهما: إن أرسلت رسالته المقدسة فالله بلا شك يريد بك خيرا وأنت من الناجين، وإن غفلت عن بركات إرسالها فاعرف أنك من الهالكين..
إحساس متضخم بالوقوف على جسر الخلاص، والإمساك المظفر بمقود استنقاذ السائرين نحو الجرف الهاري.. جبل عملاق من ثقافة تبسيطية كسولة تتوقف عند وصفات مستقاة من آيات قرآنية أو أحاديث من السيرة النبوية؛ لتمتطيها حصان طروادة فترددها دون تبصر ولا تدبر يوفيها حقها النوراني العظيم كما جاءت في كتاب الله العليم الحكيم وسنة وسيرة رسول الله الهادرة سنن استنهاض وصحو للعالمين.
وليس العيب أن يتم تيسير نشر هذه المعلومات؛ بل المأساة أن لا تستنبط منها روح التميز والتألق والنجاح والاستعفاف والنزاهة والأمانة والوفاء والصدق والإخلاص.. بالشكل الذي تستحيل معه المعلومة إلى حركة نوعية للتغيير في النفس والآفاق..
وفي السياق فقد توصلت في الأيام الماضية بدعوة لإدانة الفيلم المسيء للرسول وأصحابه بهولندا مع مقاطعة سلعهم وبضائعهم، والمشكل أن الخبر جد قديم وترتبت عنه بركات عظيمة منها أن المنتج للفيلم المسيء، الهولندي “أرنود فان دورن” وهو نائب رئيس الحزب العنصري الهولندي الأكثر يمينية وتطرفا في كراهيته للمسلمين، اعتنق الإسلام، وكانت له قصة جد مؤثرة في هذا الاعتناق حيث أنه قرأ القرآن الكريم فبهرته آيات بعينها، وقرأ السيرة النبوية فأذهله التصرف الراقي المتسامح لرسول الله إزاء مشركي قريش إبان فتحه لمكة، حين ظنوا أنه سيبطش بهم لهمجيتهم ضد المسلمين، فصعقهم بنبل وسمو أخلاقه إذ قال لهم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، وهي مواقف عظيمة المعاني في التسامح، وكان لها وقعها الحاسم في إسلام المنتج الهولندي المتطرف سابقا، حيث جعلته ينكسر أمام قبر رسول الله أثناء أدائه لمناسك الحج، وينخرط في بكاء ندم مرير لإطلاقه فيلمه المسيء لسيد الأنبياء والمرسلين.
فماذا لو قتل الغيورون جدا أرنود فان دورن وهو اللحظة يقدم أعظم الخدمات لنشر دين الإسلام، وما الذي ستجلبه المقاطعة للبضائع إذ تكسر صغار المستخدمين من الهولنديين، وحتى من أبناء جالياتنا العربية والمسلمة، إذ تقفل الشركات أبوابها وتؤجج غضب المستخدمين الغربيين على الإسلام، في حين يظل أرباب الشركات من أباطرة المال محصنين بأموالهم الطائلة.. وقد يضيع المسلمون فرصة إسلام أولئك الصغار من الهولنديين الذين طالهم الطرد بسبب تهور المسلمين.
وقد وجدتني أفكر في هذا الجمود والركود في التعامل مع المناوئين للدين الذين لم يقاطعهم رسول الله ، وهو الذي قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في معاملاته التجارية”.. ومات ودرعه مرهونة عند يهودي”، وقد اشترى منه طعاما إلى أجل..
ماذا لو انتقلنا من هذا الانتفاخ العاطفي على حساب جهد وعرق الأولين الصادقين العاملين إلى اعتماد عرقنا وجهدنا.. وحفرنا في دواخلنا عن مصادر جديدة وأذكى لاسترجاع هيبة ومكانة المسلمين..
إن عقلية الصدام العمياء واعتبار الآخرين بدون استثناء هم الجحيم تجعلنا نعزل أنفسنا في غيتوهات موصدة في حين يتمدد الكائدون لهذا الدين في فراغنا ويعرضون بكل طمأنينة بضاعتهم المسمومة، فيزدردها أبناؤنا بنهم ويتقيؤونها في وجوهنا نكدا وعقوقا وفسادا لا يبقي ولا يدر.
إن التدافع الحضاري اليوم يحتاج منا إلى ذكاء عاطفي ومعرفي لتوظيف عزة الأجداد في الخانة الصحيحة.. وسوق الوسائط الاجتماعية فيسبوك وتويتر وأنستغرام والواتساب يحمل في جعبته الكثير من الأخبار التي من شأنها أن تزودنا بمصل التفاؤل، وتدفعنا إلى التشمير القليل لقطف الثمار الأنضج. وقد قرأت مؤخرا لعالم وسياسي ومؤلف أمريكي وهو الدكتور نورمان فينكستاين اليهودي الأصل كلمات عميقة في محاضرة واجه فيها بشراسة شابة يهودية ناقمة منه؛ لأنه يتبرأ من المحرقة التي تعرض لها اليهود حيث فاجئها بقوله أن عائلته أبيدت كلها في المعسكرات النازية؛ لكنه لا يوظف هذه الهمجية لإيقاع عدوان همجي أكبر على الشعب الفلسطيني؛ بل إن المحرقة يجب أن تجعل اليهود أكثر حساسية من هذه المظالم ضد الفلسطينيين. إن شهادة بهذا الصدق وهذه الجرأة وهذه الإنسانية عليها أن تجعلنا نراجع حساباتنا.. وخدمة لرسالة دين الإسلام.. دين الرحمة للعالمين، علينا أن لا نرمي بكل الغربيين في نفس سلة العداء.. ألا يقول المثل العربي العميق: من جعل الناس سواء فليس لحمقه دواء ؟!!
ذة. فوزية حجبـي
كلام لا استطيع ان اقول عنه الا ان صاحبته انسانة راقية بفكرها لا تترك فرصة للحقد و الغل ان يوجهها شكرا دكتورة انرتي عقلي بأفكارك فعلا هذه هي اخلاق الحبيب عليه الصلاة و السلام و أخلاق المؤمن فالمسلم من اتبع شعائر و واجباته و لكن الايمان لم يلمس قلبه بارك الله فيكي لذا علينا ان نتعامل مع الناس بأخلاق الرسول و نحببهم الا الاسلام لا ان نعطي انطباع خاطئ