من مفهوم المخالفة ينطلق المؤلف ليصوغ عنوان هذا الكتاب، ويبني فصوله، ويعالج مفرداته، لعلّه يريد أن يحدث الهزّة المرجوة في كيان أمة آثرت التخلف وسعت، على مدار القرون الأخيرة، إلى تنمية منظومته المشؤومة التي قادت المسلمين إلى أن يستعمروا، وتنتهك أعراضهم، وتستباح مقدّراتهم.
إنها قضية الساعة التي محّض لها العديد من المفكرين أقلامهم، وإن المرء ليتذكر هنا جهود المفكر الجزائري الإسلامي (مالك بن نبي) رحمه الله في سلسلة مؤلفاته القيمة التي أطلق عليها اسم (الإسلام ومشكلات الحضارة)، وصولاً إلى روجيه (رجاء) غارودي في (وعود الإسلام)، مروراً بالعشرات من المفكرين الإسلاميين الذين ملأوا رفوف المكتبة الإسلامية بأعمالهم وهم يسعون إلى تشخيص الداء، وتقديم وصفات العلاج الذي ينهض بالأمة من كبوتها.
الأخ المهندس محمد صالح البدراني يقف طويلاً عند الوجه الأوّل للمشكلة، ولا يبخل بطبيعة الحال في تقديم الأجوبة المناسبة لما يتطلبه الوجه الآخر… ومن ثم يختار لمؤلفه هذا العنوان الذي ينطوي على مفارقة محزنة، (النهضة… ومنظومة تنمية التخلف)، وكأن هناك قصدية مسبقة ساقت هذه الأمة إلى التحرك ضد، أو في مواجهة قوانين الحركة التاريخية، فبدلاً من أن تسعى لتنمية وتعزيز شروط نهضتها، مضت -على العكس- لتنمية عوامل تخلّفها.
وليس في هذا أية دعوة، أو حتى ظل للتشاؤم، لأن بنية الكتاب تقوم، بعد تشخيص الداء، على صياغة الأسباب التي تعيد للأمة فاعليتها المدهشة التي أرادها لها هذا الدين من خلال شبكة الشروط التي يصوغها المؤلف في منظومة النهضة.
ومنذ اللحظات الأولى يضع المؤلف قارئه قبالة ثنائية تأخذ مصطلحات شتى، ولكنها تصب في نهاية الأمر في البؤرة الواحدة… فهناك الخرافات إزاء السنن، ومنظومة التخلف إزاء منظومة النهضة، والتواكل إزاء الأخذ بالأسباب، والسكون إزاء الحركة، والطوباوية إزاء المنهج… وهكذا…
ومنذ الصفحة الأولى من الكتاب، وتحت عنوان (ركيزة التخلّف)، يضع المؤلف بين يدي القارئ، المفاتيح أو الإضاءات الأساسية لقراءة الكتاب.
وإذا كانت هذه المفاتيح تنطوي على شيء من التعميم، فإن المؤلف ما يلبث أن يحدّد المحاور التي ستقوم عليها بنية الكتاب:
– تراجع الأمة إلى حالة التخلّف.
– تشكل منظومة تنمية التخلّف.
– ما هو الحلّ؟ ما معنى النهضة؟ آليات النهضة.
ومع المحاور، منطلقات البحث: (تعريف المشكلة، ماهية المشكلة، آليات الحلّ، الآليات المتاحة، الآلية الأفضل).
بعدها تتوالى فصول الكتاب لتعرض من زوايا مختلفة، محلية وعالمية، شرقية وغربية، واقعية وتاريخية، ثقافية وعقدية، جدل العلاقة بين منظومتي النهضة والتخلف. ويجد القارئ نفسه إزاء (الكاميرا) وهي تدور، لكي تلتقط تفاصيل وحيثيات هذا الموضوع أو ذاك، وهي جميعاً تنضفر في نهاية الأمر لكي تصبّ في جدلية العلاقة بين منظومتيْ التخلّف والنهوض وشروطهما:
اليقظة والصحوة والنهضة، منظومة تنمية التخلّف، الماهية والنشأة، مصطلحات لابّد من تصحيحها، منظومة النهضة، عالمية الفاعلية، المتضاد والمتصالح، منظومة النهضة كمنظومة إسلامية، مدخلات منظومة النهضة: الفهم، التعامل وفق سنن الكون، فقه الواقع، مخرجات منظومة النهضة، بيئة منظومة النهضة، منظومة تنمية التخلّف: عالمية الفاعلية، سوء الفهم للسيرة، التاريخ وبعض لمحات الإخفاق المؤدية إلى التخلّف، ما بين المنظومتين حوار، القيم الصفرية للشرق والغرب في منظومتي النهضة وتنمية التخلّف، جدلية التقدم نحو الأهداف، دون قلب الواقع رأساً على عقب.
موضوعياً، أختلف مع المؤلف في العديد من الاستنتاجات، وبخاصة ما يتعلق بمصادرته لمعظم مساحات التاريخ الإسلامي وإخراجها من الحساب !!
ها نحن إذن إزاء غنى ملحوظ في المفردات، ويبدو أن المؤلف آثر ألاّ يترك شاردة ولا واردة في الموضوع الذي بين يديه، إلاّ وتولى تسليط الضوء عليه، فيما دفعه أحياناً إلى نوع من التكرار، ليمكن قارئه من الإحاطة بعوامل السلب وشروط الإيجاب كافة… السلب الذي سحب الأمة إلى أسفل وإلى الوراء، والإيجاب الذي تحقّق يوماً فقادها إلى السقف العالي، والذي يمكن أن يتحقق، في أية لحظة، إذا أصغي جيداً إلى مطالب اللحظة التاريخية وأخذ بالأسباب.
أ.د. عماد الدين خليل
رغم اني لم الحظ ماكبه الدكتور عماد الدين خليل الا مؤخرا الا اني اشعر بالاعتزاز لواضع ثروة من ثروا الامة وهو ينظر ويشير بعمق من قرأ حرفا حرفا ووقت ثمين اجد انه كرم منه ودين لامتنا علي اني اخذ من وقته كل هذا شاكرا على ملاحظات قيمة من مدرسة فكرية في الامة حفظ الله الدكور من كل سوء ووهبه العمر النافع المديد وباركه الله
اعتذر للقراء لان التاء تسقط من الكي بورد غالبا فتشوه الكلمات