وجدة:باحثون ومتخصصون يتدارسون: «ترسيخ القيم رهان لإصلاح منهاج الترية والتكوين»


في إطار الأنشطة العلمية التي دأب المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بوجدة على تنظيمها، وتفاعلا منه مع التوجيهات الملكية الداعية إلى مراجعة مناهج وبرامج مقررات تدريس التربية الدينية، سواء في المدرسة العمومية أو التعليم الخاص، أو في مؤسسات التعليم العتيق، في اتجاه إعطاء أهمية أكبر للتربية على القيم الإسلامية السمحة، -وفي صلبها المذهب السني المالكي- الداعية إلى الوسطية والاعتدال، وإلى التسامح والتعايش مع مختلف الثقافات والحضارات الإنسانية، وسعيا إلى الإسهام في بناء تصور واضح عن هذا الإصلاح باعتبار المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين الشريك الفاعل والأساس في أي إصلاح يتعلق بمنظومة التربية والتكوين، وبالنظر إلى إيمانها بمركزية القيم في تكوين أجيال فاعلة ومتفاعلة مع متطلبات الحضارة المعاصرة، ومنسجمة مع ذاتها مع انفتاح إيجابي على الآخر، ارتأت شعبة التربية الإسلامية بالمركز بتنسيق مع مجموعة من الفاعلين في الجهة تنظيم ندوة علمية تحت شعار: ترسيخ القيم رهان لإصلاح مناهج التربية والتكوين .
ولقد انتظم عقد هذه الندوة التي احتضنها مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة، مساء الجمعة 8 أبريل 2016، في جلستين علميتين عنوان الأولى القيم: المفهوم والمرجعيات والفاعلية ، بينما عالجت مداخلات الجلسة الثانية موضوع: القيم في المنهاج الدراسي: مقاربات إجرائية .
أولا: قضايا الندوة وموضوعاتها:
فبعد الافتتاح بآيات بينات من الذكر الحكيم، أعطيت الكلمة للسيد ممثل الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الشرق، حيث عبر عن أهمية انعقاد هذه الندوة بالنظر إلى سياقها وموضوعها المتعلق بالقيم باعتبارها أساس أي إصلاح جدي لمنظومة التربية والتكوين ببلادنا. ثم تناولت الكلمة دة. كلثومة دخوش رئيسة شعبة التربية الإسلامية بالمركز، ومنسقة النشاط، التي أشارت إلى دواعي تنظيم هذه الندوة والسياق الذي عقدت فيه والغاية المتوخاة منها.
فتح المجال بعد ذلك لمداخلات الجلسة الأولى التي ترأسها د. محمد غوردو وكان أولها مشاركة السيد مدير المركز د. عبد الله بوغوتة، بعنوان: سؤال الهوية في ظل الإصلاحات التربوية .تلتها مشاركة د. الحسن قايدة عن فريق البحث في التربية على القيم بالمركز بموضوع: القيم: تعريفها وخصائصها .
أما المداخلة الثالثة فتمحورت حول: القيم القرآنية الحاكمة للتربية ، قدمها د. حميد مسرار عن المركز المغربي للدراسات والإعلام في القضايا الأسرية.
أما ذ. مصطفى شعايب عن جمعية النبراس الثقافية بوجدة، فقد شارك في الندوة ببحث عن: قيم الإصلاح وإصلاح منظومة القيم في مجال التعليم .
أما الجلسة العلمية الثانية التي ترأسها ذ. عبد الخالق حموتي فقد عالجت تطبيقات القيم وتنزيلها في المنهاج الدراسي، وكانت أولى مداخلاتها بعنوان: منهاج التربية الإسلامية ومبدأ إدماج القيم . وألقاها الأستاذ د. عبد الله منار عن لجنة التربية والتعليم بالمجلس العلمي المحلي لإقليم وجدة. تلتها مشاركة بعنوان: مادة التربية الإسلامية في التعليم الأصيل الجديد صمام أمان وسلام (الابتدائي نموذجا) . قدمها الأستاذ د. عبد المجيد بن مسعود عن جمعية علماء المغرب المكلفة بالتعليم الأصيل.
والمشاركة الثالثة في هذه الجلسة الثانية كانت من تقديم ذ. يحيى نجاري عن الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية بوجدة، وقد تناول فيها موضوع: البعد الإنساني لقيم مادة التربية الإسلامية في التعليم الثانوي التأهيلي .
ثم جاء دور ذ. عبد الرحمن زيدان عن مفتشية التربية الإسلامية بأكاديمية جهة الشرق الذي شارك ببحث عنوانه: قيم حقوق الإنسان في التربية الإسلامية: مقاربة إجرائية (الأحوال الشخصية نموذجا) .
وتطرقت المشاركة الأخيرة إلى: مقصدية القيم في الكتاب المدرسي (قيمة التسامح نموذجا) ، قدمها ذ. محمد علي الدراوي / أستاذ باحث في الدكتوراه، وعضو مركز الريف للتراث والدراسات والأبحاث بالناظور.
هذا، ولقد أجمع المشاركون على ضرورة إصلاح مناهج التربية والتعليم عامة، ومنها منهاج التربية الإسلامية، واعتبروا هذا الإصلاح خيارا ملحا أمام التطورات التي يعيشها العالم بأسره، والتي تستدعي تجاوبا مستمرا وإصلاحا مرافقا وتجديدا دائما يواكب هذه المتغيرات، ويجيب عن قضاياها وإشكالاتها.
كما شددوا على ضرورة العناية بالقيم الإسلامية السمحة، باعتبارها المدخل الأساس لأي إصلاح يروم ترسيخ الهوية الدينية والوطنية للمتعلمين، هوية تعزز لديهم الثقة بالذات وتيسر لهم سبل الانفتاح الإيجابي على الآخر.
ثانيا: توصيات الندوة:
وفي ختام الندوة تليت مجموعة من التوصيات التي أجمع المشاركون على صياغتها وهي:
1 – بما أن القيم لا تقبل التعدد المرجعي في سياق واحد لاختلاف منطلقاتها عقديا وثقافيا، وبما أن المغرب انحاز لاختيار الانفتاح الإيجابي البناء على القيم الإنسانية الكونية، إلى جانب التمسك بثوابته العقدية والفقهية والسلوكية، فإنه أصبح من الضروري تحديد القيم الأصلية والتبعية، والتقيد بذلك حسب ما هو منصوص عليه في دستور 2011، ضمانا للأولى، وتكييفا للثانية بما لا يعود بالنقض على الأصلية.
2 – إعطاء الأولوية في سلم القيم لقيم النهوض (المبادرة – الفعالية – الإبداع…) نظرا لطبيعة المرحلة التي تمر بها بلادنا في سياق تحولاتها الإيجابية في كل الأصعدة.
3 – أجرأة ترسيخ القيم بناء على مدخل التربية بالقدوة الحسنة من خلال تدريس النماذج الحية المثيرة للاقتداء وعلى رأسها سيرة الرسول ، والصحب الكرام، والتابعين، وغيرهم من عظماء الإصلاح والكفاح من تاريخ الأمة المغربية خاصة.
4 – ضرورة جعل التعلمات والمعارف والمهارات في خدمة قيم الرحمة والتسامح، والوسطية، والاعتدال دفعا للآفات الشاذة كالعنف والمخدرات..
5 – الإعلاء من مبدأ التدافع التعاوني بدل التدافع الصدامي، وذلك بالتربية على احترام الخصوصيات الثقافية والقيمية لجميع المجتمعات، والتعاون في جلب المصالح المشتركة.
6 – استثمار خصائص المذهب المالكي من وسطية واعتدال وسماحة في بلورة مواصفات التعلمات، والتدقيق في القيم، وبناء المواقف والتربية على الاختيار بما يناسب المرحلة العمرية لكل مستوى من مستويات التعلم.
7 – الاستفادة من مصادر المذهب المالكي الغنية في رسم ملامح عقلية المتعلم، وبناء قدراته على الفهم والتحليل والاستنباط والتعليل والتركيب…
8 – بناء المنهاج التربوي استلهاما من روح العقيدة الأشعرية في قدرتها على توحيد الجهود، وجمع الكلمة، ونبذ التطرف والغلو والفرقة والتنازع..
9 – الإلحاح الشديد على ترسيخ قيم التكريم والعفة والانضباط بسبب خطورة الاختراق الثقافي والقيمي الذي أصبح يهدد النسيج الاجتماعي في ظل ثورة تكنولوجيا الإعلام والتواصل.
10 – اعتبار قيم التربية الإسلامية أساسية في حل المشكلات النفسية والاجتماعية، لا جزءا فقط من الحلول المقترحة لحل هذه المشاكل.
11 – العمل على تعميم القيم النبيلة في كافة مؤسسات إنتاج القيم كالأسرة والمدرسة والإعلام والثقافة…؛ نظرا لكون القيم تتسم بالشمولية والامتداد ولا تقبل التجزيء والانتقائية…
12 – العمل الجاد والمسؤول على حسن تنزيل قيم التربية الإسلامية بوسطيتها واعتدالها، في كافة المقررات و المواد الدراسية، لخلق توازن لدى المتعلمين انطلاقا من الانسجام بين كل ما يتلقونه في المدرسة من جهة، وبين المدرسة والمقومات الدينية والحضارية للمجتمع الذي تعد المدرسة جزءا لا يتجزأ منه من جهة ثانية.
13 – وجوب استبعاد كل المعالجات الانفعالية والمبيتة والجاهزة لقضايا العنف والتطرف، إذ العنف لا دين له ولا وطن؛ وإنما هو نتاج فهم خاطئ للمبادئ الإسلامية والقيم السمحة، أو هو تصرف لكسب مصالح دنيوية وشخصية، وذلك محل إدانة قاطعة من الجميع.
14 – ترسيخ شبكة التعليم الأصيل الجديد لما يقدمه من دور فعال في صناعة الإنسان الراشد..
15 – إعطاء أهمية بالغة لتكوين الأستاذ الممارس لعملية التربية والتكوين حتى يكون الأستاذ محور الإصلاح.
16 – التأكيد على ضرورة إعداد ومراجعة المقررات الدراسية بناء على معايير علمية وبيداغوجية ومنهجية موضوعية، بعيدا عن التجاذبات السياسية و الحسابات الأيديولوجية.
17 – الابتعاد عن منطق التوافق والتلفيق في مخرجات اللجنة المكلفة بمراجعة مناهج ومقررات التربية الدينية.
19 – إخضاع مشاريع مقررات التربية الدينية للمراجعة القبلية من لدن المجلس العلمي الأعلى، باعتبار هذه المراجعة القبلية تمثل ضمانة لسلامة المعطى الديني المضمن في المقرر الدراسي.
20 – ضرورة الرفع من حصص ومعاملات مادة التربية الدينية، حتى تحظى ببالغ اهتمام المتعلمين، وتصبح عاملا مؤثرا في ترسيخ السلوك التربوي المرغوب.
21 – التوصية بطبع أشغال الندوة ضمن منشورات المركز.
22 – تشكيل فرق بحثية تشتغل على القيم في الكتاب المدرسي في جميع المواد لمختلف الأسلاك والمستويات الدراسية.
والحمد لله رب العالمين.
دة. كلثومة دخوش

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>