من أوراق شاهدة – تهريب النبض الديني واستعجالية الإحياء


يعتري المرء المنشغل بزخات الأحداث المتعاقبة ببصمتها السوداوية ومنسوب العنف والقتل المتواصل في كل الاتجاهات ذلك السؤال القلق: ترى إلى أين نمضي؟ هل هو الفساد السادر في البر والبحر يعلن عن وجهه الحقيقي بعد كل مواسمه الاستعراضية التي بشر فيها الكبار المتحضرون الكون بنهاية التاريخ والظفر التام للمنظومة الليبرالية بترسانتها الضخمة من الحقوق التي ضاقت بحفلاتها الأيام العالمية، لتدخل البشرية جمعاء إلى جنان وهمية سقط عنها القناع فتبدى وجهها البشع البربري القاسي؟
إن العهد الجديد لاستعمار العالم العربي وإعادة تقسيمه بحجة القضاء على الإرهاب وإرساء الديمقراطية كذبة قذرة بما أنها تسيل كل هذه الدماء وتلقي بآلاف العزل الأبرياء في جوف الهلاك بالمحيطات الهائجة وتميط بالتالي القناع عن كل الديباجات التي يمتطيها رؤساء الدول الغنية في حديثهم عن الحروب الاستباقية التي يخوضونها من آجل هدم الديكتاتوريات، فكلما سكت هدير الألسنة أمكننا أن نسمع بوضوح صراخ النساء وعويل الأطفال وحشرجة المسنين الذين يقضون بردا وجوعا و”حكرة”.
وفي الوقت الذي تتضح فيه معالم فشل المنظومة الغربية في نقل الإنسانية إلى ضفاف الأمان يعلو بإيقاع مخادع صوت مهندسي “سيناريوهات” غزواتها الداعين إلى المزيد من التدخل في شؤون الدول ذات السيادة ودعوتها إلى المزيد من غربلة برامجها التعليمية والإعلامية للتخلص من فكر الإرهاب في خطوات تذكر بالمثل المغربي الحصيف “عـيـبك يا هـنية رديـه ليا”، مع تنظيم حملات مكثفة من التشويه للمنظومة الإسلامية وربط أعمال العنف ضد الغربيين من طرف مسلمين بالتراخي في التعاطي مع الفكر الديني، ووجب بالتالي مسح ذاكرة الحاسوب القلبي للمسلمين من ذبذبات انتمائهم لتجفيف منابع الإرهاب كما يقولون.
وإذ تختلط مجريات الأحداث الدولية، فإن شخصيات غربية وفيها المدفوعة الثمن تنبري لدعوة الغربيين إلى الطرد النهائي للمسلمين، فيما يدعو رموز سياسيون إلى رفض استقبال المهاجرين المسلمين كما يفعل اللحظة المرشح للرئاسة الأمريكية دونالد ترامب .. فإلى أين نمضي؟؟ هل يطمئن الدعاة والمفكرون المتشربون للمعالم الرسالية للقرآن الكريم والسنة النبوية لمنسوب حراكهم؟؟
إن التلوث الضخم الذي يرافق موجات التسونامي هذه يزحف ليغطي بقاذوراته العوام والخواص من المسلمين. وقد شهدنا كيف أفلح مفبركو موجات تسونامي هذه في زعزعة المكانة المهيبة لعلماء المسلمين، فعلى هامش التفجيرات الإجرامية التي لحقت بلاد بلجيكا وهبة كل علماء المسلمين لشجبها انبجس من هذه الدياجي عوام يسبون علماء مسلمين ويتهمونهم بإذكاء جذوة الإرهاب بخطاباتهم المتطرفة. وما كان للعوام أن يستبيحوا أعراض العلماء لو لم يتلقوا ضوءا أخضرا من علماء وازنين همهم رصد حركات وسكنات إخوتهم من العلماء والتنقيب في نواياهم ومواقفهم وعرضها للتندر والتفكه بين العوام البطالين فتسير بذكرها المواقع والمحطات ويسقط كل العلماء في عيون الناس أجمعين بمن فيهم من الصادقين الذين يتحرون التزود من مشكاة النبوة.
وبسقوط جدار الهيبة هذا وانصراف الناس عن موائد العلم وجلسات الإيمان أعلى المتربصون جدار الباطل فاتخذ الدين لهوا ولعبا وصارت طلعة العلماء بالمحطات تثير النفور في قلوب الذين استفرغت مؤامرات النيل من العلماء نبضهم لتملأه بأخبار مسابقات الغناء والرقص وتفاهات الفيديوهات المهووسة بتسويق كل غريب وصادم، ورفع العلم وتبعه الحياء واقتتل الناس بمائع السجالات على المواقع الاجتماعية وبالتالي ضيعوا الصلاة وتلهوا بهذه الدوخات المرئية عن معركة البناء الحضاري باعتبار يأسهم من قادة الشأن الديني الإصلاحي كما يأسهم من الساسة المخادعين .. فما العمل؟؟ ..
إن هذا الإفــك العملاق مصيره إلى زوال بإذن الله تعالى بمقتضى السنن الربانية التي لا تتخلف، فقط إذا انحرف البسطاء ونعقوا مع كل ناعق فهم معذورون، لكن لا عذر لعلماء لا يتدبرون بما يكفي فقه واقع هذه اللخبطة “جيو سياسية” التي ترمي إلى تدمير النبض الديني في قلوب المسلمين.
إن الصحوة التامة لمخططات الهدم هذه تقتضي الامتناع التام عن الخوض في اجتهادات الإخوة من سادتنا العلماء والتعاون على المشترك بينهم، والتداعي لكل الحساسيات العلمية إلى لقاءات أخوية تجسر الهوة وتنبري للتصدي لرسومات هدم الكيان الإسلامي من الداخل.
إن ما يقع لشباب المسلمين من تردي إلى العبث المستديم والعنف نموذج ما حدث بمدينة الدار البيضاء على هامش مباراة في كرة القدم يستدعي فتح أوراش احتضان لهذه الجحافل التائهة من الشباب دون استعلاء ولا نزعة تبخيسية، فالشباب عجين الكبار، وقد صنع الحبيب بهم قادة في كل خير وكانت الدعائم الصلبة لتمتين هذا البناء قوله تعالى: في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب ، وهي الدعامات التي نحتاجها أكثر من أي وقت مضى.
فاللهم سلم.
ذة. فوزية حجبـي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>